1 – مقدمة
دأب عدد من المستشرقين الروس ، يشايعهم فى ذلك بعض الباحثين الكورد ، على أعتبار العالم الآثارى و اللغوى الجورجى نيكولاى مار Nikolai Marr ( 1865-1934) كوردولوجيا بارزا و كيل المديح له كعالم خدم الكورد بالكشف عن الجذور الـاريخية لأصلهم و لغتهم و تصدى لستالين في قضية طبقية اللغة. بيد أن هذه المزاعم لا تمت الى الحقيقة بصلة ، ذلك لأن اسهامات هذا العالم فى ” الكوردولوجيا ” تكاد لا تذكر ، بل على النقيض من ذلك ، أسهمت آرائه الخاطئة و المضللة حول أصل الكرد و لغتهم فى أشاعة البلبلة و التشويش فى حقل الكوردولوجيا الروسية على أمتداد فترة طويلة ، و لم يتم التخلص من بعض الآثار السلبية لهذه الآراء حتى اليوم
.
وردت هذه الآراء فى مقال شهير نشره ” مار Marr ” عن الكرد و لغتهم فى العام 1912، تحت عنوان ( مرة أخرى عن كلمة جلبى : حول الأهمية الثقافية للشعب الكوردى فى تأريخ آسيا الأدنى )(1) ، فى سياق جدل ساخن أثير فى بداية القرن العشرين بين عدد من المستشرقين الروس عن معنى كلمة ” جلبى ” .و قد أدلى ” مار ” بدلوه فى هذا الموضوع ، و ليته لم يفعل ! . فى مقاله سىء الصيت تحدث ” مار ” عن أصل كلمة ” جلبى ” و مدلولاتها المختلفة فى اللغات الكردية و التركية و العربية ،.ويمكن أن يقال عن هذا المقال ، أنه حق أريد به باطل ، ذلك لأن ” مار ” فى الوقت الذى يشير فيه الى بعض الحقائق التأريخية التى توضح دور الكرد الفعال فى التأريخ الثقافى لشعوب الشرق الأدنى و أسهامهم فى خلق الآثار الثقافية الرفيعة لشعوب ما وراء القفقاس ، و قيامهم بدوركبير خلال الفترة الممتدة من القرن العاشر و حتى القرن الثالث عشر ، فى تثبيت الأقطاع فى آسيا الصغرى ، فأنه لم ينظر الى التأريخ الكردى ، كتأريخ الكرد أنفسهم و كشعب مستقل و متميز ، بل كتأريخ ” اليافتيين ” ( الجورجيين ، الخالديين ، الأرمن ) و قد رفض الأصل الأيرانى للكرد و لغتهم . و أكد ان أصل الكرد يافتى و كذلك لغتهم ، فهى أيضا يافتية . و كتب قائلا :
” ان المصادر الأساسية kard, resp. kord تتطابق و اساس التسمية العرقية عند الجورجيين أنفسهم ، كما فى qard الجورجية و qord-u المينكريلية (2) .. و على هذا النحو لن نندهش اذا رأينا بمضى الزمن ان التجارب الفعلية سوف تؤكد تطابق الهوية ألأصلية للكاردوخيين ( الكرد ) و الكارتيين ( الجورجيين ) ، هؤلاء الذين أنفصل بعضهم عن البعض الآخر منذ ألف سنة . و من الواضح ان اللغة الكردية – و الكلام ما زال لمار – قد تعرضت الى تغييرات جوهرية ، و أستعاضت عن اليافتية بالآرية . ثم يشير ألى ” ان جميع المعانى الدينية و الأجتماعية لــ ” جلبى ” مستخدمة فى اللغة الكردية ذاتها على نطاق واسع بين الشعب الكردى و قبل وقت طويل من بداية القرن الرابع عشر . و من المرجح ، قبل التحول الكامل للغة هذا الشعب العريق الى الأيرانية .”
و يبدو ان بعض الباحثين الكرد قد انخدع بالعنوان الفرعى لمقال ” مار ” و هو ( الأهمية الثقافية للشعب الكردى ) من دون تمحيص و تحليل لمضمون المقال أجمالا ، لأن مار يخلط هنا السم بالعسل ، و لا يجوز التسليم بآرائه اللاعلمية حول أصل الشعب الكردى التى تتعارض تماما مع الحقائق التأريخية ، لمجرد أنه أشاد بالشعب الكردى ( اليافتى حسب زعمه ) .
و نظرا لمكانة مار فى أكاديمية العلوم الروسية كعالم آثار و باحث متخصص فى اللغات القفقاسية ، أثار هذا المقال أهتماما كبيرا بعد نشره و ظهرت آثاره التحريفية فى مؤلفات بعض تلامذته من المستشرقين ومنهم ” فيلجيفسكى ” و ” ميللر ” فعلى سبيل المثال لا الحصر، زعم “فيلجيفسكى” ان الكرد ينتمون الى أصول مختلفة و يتكلمون بلغات و لهجات متباينة .
و بعد مرور فترة طويلة على سيادة آراء ” مار ” حول الكرد فى الأوساط الأستشراقية خلال العهد الستالينى، كرر فيلجيفسكى هذه المزاعم عندما كتب مادة الكرد و كردستان فى “الموسوعة التأريخية السوفيتية ” و كذلك فى كتابه المعنون ” مقدمة فى تأريخ أثنوغرافيا الشعب الكردى ” الصادر فى موسكو فى العام 1961.
و قد تصدى العالم الكردى الكبير ” قناتى كوردوييف ” لهذه الآراء بقوة وحزم ، حيث نشر – بعد زوال فترة الجمود العقائدى أى فى فترة ما سمى بـ” ذوبان الثلوج ” – دراسة علمية رصينة ، فند فيها بأدلة دامغة مزاعم ” مار ” و” فيلجيفسكى ” و” ميللر ” (3)
2 – من هو نيكولاى مار ؟
و الآن من حق القارىء أن يعرف ! من هو هذا العالم اللغوى ؟ ، الذى حاول تشويه و تحريف أصل الكرد و تأريخهم و ثقافتهم ، و لم يسهم بأى عمل علمى ذى قيمة ، فى تطوير الكردولوجيا ” على الأطلاق، بل على النقيض من ذلك تماما ، ألحق أفدح الأضرار بالدراسات التى تتاول اللغة الكردية و جذورها التأريخية و حرفها عن مسارها الصحيح طوال العهد الستالينى .
و لد ” نيكولاى مار ” فى جورجيا فى العام 1865 من أب سكوتلندى و أم جورجية ، و درس علم الآثار . و بعد تخرجه فى الجامعة ، أسهم فى بعض البعثات الآثارية فى القفقاس و نشر عددا من الدراسات العلمية حول آثار و تأريخ و أثنوغرافيا شعوب القفقاس .و لكن هذه الدراسات لم تلق أهتماما كبيرا . و لم يبرز فى حقل تخصصه ، و فى ما بعد أشتهر بدراساته حول اللغات القفقاسية ، و التى أهلته لنيل عضوية أكاديمية العلوم الروسية فى العام 1912.
وخلال الحرب العالمية الأولى عمل ضمن لجنة أنقاذ الآثار العلمية والثقافية و التراثية فى جبهة القفقاس ، ممثلا لأكاديمية العلوم الروسية ، بالأشتراك مع العالم الأرمنى الشهير الأكاديمى ” أوربيللى “. كما قام ضمن بعثة مع ” أوربيللى ” أيضا بأجراء التنقيبات الآثارية فى بعض مناطق كردستان الشمالية ،التى أحتلها الجيش الروسى فى أوائل الحرب العالمية الأولى ، بيد أن البعثة الآثارية الروسية أضطرت الى مغادرة تلك المناطق بعد أنسحاب الجيش الروسى منها .
وفى العام 1918 أسهم مع عدد من المستشرقين و بدعم من ” معهد لازاريف للغات الشرقية ” بتأسيس معهد ” الشرق الأدنى ” الذى أطلق عليه اسم ” المعهد الأرمنى ” و قد أستمر نشاط المعهد الأخير الى حين تأسيس”معهد اللغات الشرقية الحية ” فى موسكو “معهد الأستشراق ” حاليا . و قد أستطاع ” مار” تدريجيا من أزاحة كافة منافسيه عن طريقه ، وكان العام 1930 مثمرا للغاية بالنسبة اليه ، ففى هذا العام – كلف و هو العالم المستقل ، أى غير المنتمى للحزب البلشفى – بألقاء كلمة العلماء السوفييت فى المؤتمر السادس عشر للحزب . و يبدو أن ” ستالين ” قد أعجب ، أيما أعجاب ، بآراء ” مار ” ، تلك الآراء التى كانت تتفق تماما مع آراء ستالين فى الصراع الطبقى و البناء الفوقى الجديد للمجتمع السوفييتى . و قبل على الفور عضوا فى الحزب البلشفى بناءا على رغبته و بترشيح و مباركة ستالين شخصيا و هو أمر كان نادر الحدوث أو على نحو أدق ، لم يحدث على الأطلاق لا قبل ” مار ” و لا بعده .، مما أتاح له التوسع فى نشاطاته و بسط نفوذه على معاهد البحوث اللغوية و أكاديمية العلوم السوفيتية و منحه ” ستالين ” أرفع وسام فى العهد السوفييتى و هو وسام ” لينين ” الذى لم يكن يمنح سوى للشخصيات التى قدمت خدمات جليلة للدولة السوفيتية ..
3 – نظرية “مار ” اللغوية أو النظرية اليافتية .
تستند نظرية “مار ” اللغوية الى تحليل اللغات القفقاسية ، التى سماها باللغات ” اليافتية “
. وهذا الأسم مشتق من اسم ” يافيت ” الوارد فى الأنجيل .
الفكرة الأساسية لنظرية ” مار ” كانت بسيطة و بدائية ، فحسب نظريته ( اللغة بناء فوقى على أساس الأنتاج و العلاقات الأنتاجية ، شأنها فى ذلك ، شأن الأدب و الفن .)
ورغم ان هذه ( النظرية ) كانت زائفة ، الا أنها ولدت أفتراضات ” مار ” الأخرى، الأكثر خطورة ، حيث طرح ” مار ” مسألة مرحلية اللغة ، عندما ينتقل المجتمع من شكل أقتصادى – أجتماعى ألى آخر ، تنتقل اللغة أيضا الى حالة نوعية جديدة .و أعلن “مار ” بأنه فى هذه الحالة يحدث تفكك التركيب القديم للغة و بضمنه قواعد ” النحو ” و بعد ذلك تظهر عمليا ، لغة جديدة و لكنها تحتفظ فى داخلها بكثير من عناصر اللغة القديمة . و حسب رأيه كان من المفترض أن تظهر فى روسيا لغة روسية جديدة بعد ثورة أكتوبر .
وقد تصدى لهذه النظرية الفاسدة كثير من علماء اللغة و فى مقدمتهم ” بوليفانوف ” .
و أفتراض آخر لــ ” مار ” لا يقل عن الأفتراض السابق فسادا و زيفا ، وهو ” طبقية اللغة “ .
كان ” مار ” يعتقد ، بما أن كل بناء فوقى أيديولوجى ، يتصف بالجوهر الطبقى ، لذا فأن اللغة أيضا بصفتها بناءا فوقيا ، تعتبر طبقية أيضأ .
و لعل أغرب ما جاء فى نظريته : ” ان كل لغات العالم – و بضمنها اللغة الكردية – نشأت من أربعة عناصر أساسية ، كانت فى الأصل ، مسميات قبلية قديمة ، و هذه العناصر هى : ( روز ، ايون ، بير ، سال ) . و لكن لم يستطع أن يفسر ، لم هذه العناصر تحديدا هى أساس كل الكلمات ! و حين سئل ” مار ” لم أربعة عناصر و ليس أكثر أو أقل ، أجاب : ” ان للأرض أربع جهات ، لذا يجب أن تكون هنالك أربعة عناصر .
لم يكن ” الماريزم ” نظرية علمية فقط ، بل حركة داخل العلم ، تولدت بفعل ظروف عبادة شخصية ” ستالين ” , و بما أنها كانت فى البداية نظرية جديدة و جذابة ، فأن النظرية ” اليافتية ” أحتلت قمة علم اللغة السوفيتى . و من عليائه كان الزعيم الحكيم ” ستالين ” ، ينظر الي هذه النظرية بعين الرضا ، أما الآراء المخالفة للماريزم ، فقد كانت تعتبر غير ماركسية أو بتعبير آدق ، مناهضة للماركسية و مثالية و بورجوازية !
فى تلك الفترة – أى فى العشرينات و الثلاثينات من القرن الماضى – ، كان كل شىء ينتمى الى عهد ما قبل ثورة أكتوبر ، يعد غير مقبولة للمجتمع الأشتراكى الجديد . و لا شك أن آراء ” مار ” الثورية الشبيهة بالشعارات ، كانت محل أعجاب ” ستالين ” الذى كان يتصور أنه الخالق الوحيد للعهد الجديد . و الحق أن الزعيم لم يتدخل فى ذلك الوقت فى تفاصيل هذه النظرية ، حيث لم يكن لديه وقت للتفرغ للقضايا اللغوية ، فقد كان مشغولا بأعمال أهم وأخطر.
كان “مار ” بحاجة الى معاونين أذكياء . العالم اللغوى البارز ” بوليانوف ” الذى كان على معرفة جيدة ب ” مار ” و تقبل فى البداية بعض آرائه ، رفض التعاون معه . و لكن فى الثلاثينات كان قد ظهر جيل جديد من اللغويين مستعد لتلبية ( حاجة العصر ) و متطلباته . أحد هؤلاء الأتباع كان لغويا أسمه ” فيدوت فيلين ” و كان فى الرابعة و العشرين من عمره حين نشر فى العام 1934 مقالا يحمل عنوانا ملفتا للنظر ( ضد العصابة البورجوازية فى علم اللغة ” هاجم فيه زميله ” لومتيف ” البالغ من العمر آنذاك 26 عاما .
كتب فيلين يقول ” يقدم الينا لومتيف عصابة فاشستية – بورجوازية تحت راية الكلمات الماركسية و لا يأخذ فى الحسبان أن ما قدمه كان بين جدان ( أكاديمية شيوعية ) .
و الجدير بالذكر أن فيلين هذا ” كتب فى العام 1976 أى بعد أربعة عقود من الزمن مقدمة لمختارات من أعمال لومتيف :، المتوفى فى العام 1972، و تطرق فيها الى سيرة حياته و ثمن عاليا مقالاته خلال عقد الثلاثينات من القرن الماضى .
فى العام 1929 كتب العالم السويدى اللغوى ” هانس شيلد ” أذا نزعنا غطاء المقولات الماركسية الذى يشكل السطح الخارجى لأوهام مار لن يبقى فى نظريته سوى الماريزم .
شيئا فشيئا كلما أرتفع علم الماريزم فوق برج علم اللغة السوفييتى ، حدثت أشياء غريبة شتى مع أفضل علماء اللغة .و لا يدور الحديث هنا عن اللغويين الذين ( أدركوا ) أفضلية الوحدانية فى اللغة و عملوا تحت لوائها ، عندما كان مار ما يزال على قيد الحياة ( توفى فى العام 1934 ) . هذه الوحدانية الأنفرادية التى كانت سمة رئيسية للعهد الستالينى ، و لا عن أولئك اللغويين الذين فضلوا الأنضواء تحت لواء الماريزم بعد وفاته، و لا عن أصحاب النفوس المريضة الذين أنضموا الى الماريين لتحقيق مصالح آنية ضيقة.
لقد سادت نظرية مار عن اللغات اليافتية طيلة العهد الستالينى تقريبا ، ، حيث كانت تنسجم مع توجهات ستالين و طروحاته الفكرية حول البناء الأشتراكى ، و أصبحت هذه النظرية ، هى ” النظرية اللغوية الوحيدة المقبولة فى الأتحاد السوفييتى ،. و قد تم أقصاء و قمع كل معارض لها فى صفوف علماء اللغة السوفيت ، بل وصل الأمر الى سجن و نفى و حتى أعدام العديد من خيرة علماء اللغة ، بتهمة معاداة الماركسية و البناء الأشتراكى . و تبوأ مار أعلى المناصب ، كما أطلق اسم مار – عندما كان ما يزال على قيد الحياة – . على المعهد اللغوى الذى كان يعمل فيه . و بعد و فاته فى عام 1934 أزدادت مكانته رسوخا ، و كان أنصاره و تلامذته ، هم سادة (الجبهة اللغوية ) ان جاز التعبير .
فى العام 1949 عقدت هيئة رئاسة أكاديمية العلوم فى الأتحاد السوفييتى جلسة خاصة لمناقشة الوضع الراهن فى الجبهة اللغوية – حسب تعبير الأكاديمية – و أنتهى الأجتماع بصدور قرار يعتبر نظرية مار اللغوية هى النظرية المادية الماركسية الوحيدة ، كما قرر أزالة كل ما يتعارض معها ، بلا هوادة .
ستالين ونهاية نظرية مار اللغوية
و على حين غرة ، حدث ما لم يكن فى الحسبان ، و ما لم يكن يتوقعه أحد .ففى التاسع من أيار عام 1950 ، كتبت جريدة البرافدا تقول ” بسبب الحالة غير المرضية لعلم اللغة السوفييتى ، فأن هيئة التحرير ترى من الضرورى فتح باب النقاش الحرعلى صفحات الجريدة و ذلك فى سبيل تجاوز حالة الجمود فى تطور علم اللغة السوفييتى و تحديد الأتجاه الصحيح للبحث العلمى فى هذا المجال عن طريق النقد و النقد الذاتى ” .
و مما زاد الأمر أثارة و دهشة ، ان الجريدة فتحت باب النقاش بمقال للعالم اللغوى الجورجى ا.س. جيكوبافى – الذى كان يوصف فى الصحافة السوفيتية بالعالم اللغوى البورجوازى – تضمن نقدا لاذعا لنظرية مار اللغوية و بين بكل جلاء و دقة بأنها نظرية لا علمية و دافع عن علم اللغة التأريخى المقارن . فى وقت كان كل من يغامر بتوجيه أقل نقد الى نظرية مار اللغوية يصنف فى خانة ” معاداة النظام الأشتراكى و الترويج للأفكار البورجوازية “
وفى البداية التزمت الجريدة ظاهريا جانب الحياد ونشرت على مدى أكثر من شهر
و فى يوم الثلاثاء من كل أسبوع ، عشرات المقالات المؤيدة و المعارضة لنظرية ماراللغوية على حد سواء .
يقول ا.س. جيكوبافى فى مذكراته المنشورة فى اوائل السبعينات من القرن الماضى .
” فى بداية شهر نيسان سنة 1950 ، أبلغتنى السلطات المختصة فى جمهوريتنا ( يقصد جمهورية جورجيا السوفيتية ) أن أستعد للسفر الى موسكو خلال الأيام القريبة القادمة لمناقشة بعض المسائل اللغوية فى سكرتارية الحزب الشيوعى السوفييتى و أن أتهيأ لمثل هذه المناقشات مسبقا . و فى مساء العاشر من نيسان سافرت الى موسكو ضمن وفد ضم كذلك السكرتير الأول للحزب الشيوعى و، و رئيس الوزراء و أثنين من الوزراء فى جورجيا .
و عند وصولنا الى موسكو توجهنا على الفور الى البيت الريفى لستالين ، حيث أقتصر حديثنا معه على مسائل لغوية فقط .
فى بداية الأجتماع أبدى ستالين ملاحظاته حول الجزء الأول من معجم اللغة الروسية الذى صدر قبل ذلك بقليل ، ثم ناقشنا نظرية مار اللغوية . و تقرر فى هذا الأجتماع أجراء مناقشة عامة و علنية حول هذا الموضوع . و كلفنى بكتابة مقال يكون بمثابة نقطة أنطلاق لأثارة مسائل اللغة و مناقشتها . و استطرد ستالين قائلا : ” ستنشر مقالتك اذا كانت جيدة . وهذا هو تقريرك ، أعيده اليك ” و وضع ستالين على المائدة التقرير ، الذى كنت قد أعددته حول ( مراحل تطور اللغة ) ” و قال على الفور مستدركا : سأحتفظ بالتقرير حاليا و سأعيده اليك بعد الأطلاع على المقال الذى طلبت منك كتابته . “
و يمكننا اليوم أن نتصور ما كان يشعر به جيكوبافى فى تلك اللحظة فى حضرة ستالين ، بعد سنوات من الأعتزال فى صومعته فى جورجيا ، تجنبا لملاحقة السلطات له كمعارض للنظرية اليافتية ! و بطبيعة الحال ، فأن هذا اللقاء و ما دار فيه ظل سرا الى ان كشف عنه جيكوبافى فى مذكراته بعد أكثر من عشرين عاما .
و أخيرا فى 20 حزيران ظهر على صفحات الجريدة مقال ستالين ” حول الماركسية فى علم اللغة ” و قد تم على الفور أصدار كتيب بملايين النسخ يتضمن مقال ستالين ( العبقرى ) على حد وصف الصحافة السوفيتية آنذاك .
قال ستالين عن ” مار ” أنه عزل اللغة عن التفكير ، عندما زعم بأن التفاهم و التواصل بين البشر يمكن أن يتم من دون اللغة بمساعدة التفكير المتحرر من تأثير الطبيعة المادى .
و مضى ستالين قائلا:
أن عزل التفكير عن اللغة و تأثيرها المادى أوقع ” مار ” فى مستنقع المثالية .
بعد هذا المقال الفصل جرى التأكيد بأن ” الماركسية فى علم اللغة ” تتمثل فى ذلك الأتجاه الذى كان يوصم بالبورجوازية من قبل ، و حصل تبادل فى الأدوار بين علماء اللغة . أنصار ( الماريزم ) الذى كانوا يحتلون المناصب القيادية فى معاهد البحوث اللغوية و فى أكاديمية العلوم ، أصبحوا منبوذين بين ليلة و ضحاها ، أما المعارضون لـ ( الماريزم ) الذين كانوا مهمشين فى السابق ، فقد تقدموا الصفوف ليحتلوا تلك المناصب . كل ذلك بمقال ” عبقرى ” أو أشارة من ” الأخ الأكبر”
و نرى على هذا النحو كيف أن العلم يسيس فى ظل أى نظام دكتاتورى و كيف تنقلب الأمور رأسا على عقب حسب مزاج ” الأخ الأكبر ” . و لكن لا شك أن ” نظرية اللغات اليافتية ” التى ألحقت أفدح الأضرار بعلم اللغة ، تستحق ما آلت اليه من مصير ، لأنها منذ البداية كانت نظرية مصطنعة و زائفة ، معزولة عن التطور التأريخى للغات العالم و بضمنها اللغة الكردية .
الهوامش :
(1) ن . ي . مار ، مدونات القسم الشرقى للجمعية الآثارية الأمبراطورية الروسية ، سن بطرسبورغ ، 1912 ، المجلد 20 ، ص 99 – 151
(2) المينكريلى : تسمية للألفباء الحديث الذى يستعمل فى اللغة الجورجية غير اللاهوتية ، و لهذه اللغة ألفباء آخر يستعمل لتدوين النصوص الدينية ,
(3) ق . كوردييف ، نقد الآراء الخاطئة حول اللغة الكردية ، مجلة اخبار معهد الأستشراق ، 1955 ، المجلد 12 ، ص 43-61
——————–
جودت هوشيار
jawhoshyar@yahoo.com
أحسنت وبارك الله فيك أخي العزيز
السيد لؤي فرنسيس المحترم، أؤيد الاخوة اعلاه واريد اضافة شيء الا وهو ان منطقة سهل نينوى التي يكثر فيها المسيحيين…
الأعزاء أودا و فرج اسمرو المحترمين نعزيكم بوفاة المرحومة المغفور لها شقيقتكم إلى الأخدار السماوية، أسكنها الله فسيح جناته الرحمة…
الراحة الابدية اعطها يا رب و نورك الدائم فليشرق عليها. الله يرحم خلتي مكو الانسانة المحبة طيبة القلب. مثواها الجنة…
Beautiful celebration Congratulations! May God bless Oscar and bless his parents and all the family and relatives