” مهداة الى صديقي الفنان المسرحي والشاعر الدكتور جواد الأسدي مع اجمل المحبة وخالص الود “
مشهد 1
( عقرب في سقف خشبة المسرح بحجم السقف … هيمنة لظلها على عموم المكان .. وجزء من ذلك الظل يرين على الجمهور … الموسيقى انين القصب .. والآهات تتأجج صعودا ونزولا في تماوج حزين وكسير .. سمفونية مرافقة للنص )
شخصية اولى
رجل ذليل المظهر يخاطب اشباحا واخيلة وتهويمات تتراقص في باحة ٍ امامه وتنساب على البوح الموسيقي المرافق .
يااودن … يااودن … يااودن … يارب البأس، انجدني من هذا الجبروت الرابض في القمة ، من هذا البحر المتماوج بالسُمّ ِ ، من قيح نغالة ْ ! …. من سقف يمطر بالغثيان وبالحمى ، بجذام لاناصرة العشق تمر بها ، لا ظلَّ يسوعيا يشفي قتلانا من احياء او اموات. يتوغل فينا الوجع الباسل دمعا ، حناء وضفائر شعرٍ نبويةْ . مااحوجنا يارابعة العدويةْ ، لنطاسي يفتح اجفان الموتى، من رمد يتوارث فينا ، ماأبكانا حتى بسمات الاطفال جراحات تلثغ بالقهر . وبطاقات العيد مبللة بالأدمع . ياتوغا، ياجوبيتر ، يالاتاً .. ياعزى.. ياهبلاً … ياكل زناة المعمورة جودوا بالومضة . انزل سطوتك الممهورة بالسجيل وبالجمرة يارب ، وصوب بابابيل كل تقاويم بداوتنا الممسوسة . انجدنا يارب ففي سقف جميع الحجرات تهيمن عقرب . لاتُقتل لاتُهزم لاتُطعن لاتُقلب .
( ينسحب ليقف في باب خشبة المسرح تحت اضاءة صفراء .. يقف كسيرا حائرا . تتجمع حوله الأخيلة والتهويمات والاشباح في شكل اطياف لساحرات وشيوخ وطواطم ) .
شخصية ثانية
” امراة قوية الشخصية متشحة بالأسوَد وذات وجه قاس وصوت مجلجل ” :
آهٍ من خطل التفكير البارد ، من زيف هو انتَ ، من أقبية لحداد ، لسديم أسود ، من ليل الليل ومن قطران مكتض بالسجف الرثة . لسحالى القبر ودود الارحام المليونية من فمك الأدرد هذا من أكعب احذية ٍ بتلافيف ٍ منقلبة ْ… من أدمغة ٍ رطبة ْ !. آه من أدعية الوهم المحضة ! قال الرب بأن للأنسان وما يسعى فلتخسأ دروشةٌ أبخرةٌ وكهوفٌ عليا ، والايمان الكابي بالشمع المصنوع من الوحل الخابي . خسأ للجبناء الملتفين بأردية التعويل على سفسطة ومجرد غيب . لن يهبط توغا بالمطرقة الفذة ، للريح قوانين للأمطار طقوس لا لن تتكور شمس من دون اصابع … لا لن نبصر الأ بمصابيح ديوجين الحكمة والبحث ، من يكنس عن ظهر التنين ؟ ومن يفتك بالعقرب ؟ من وضب اسطبلاتك يا اوجيانوس سوى هرقل … فلنبحث لا عن درويش لا يقوى ان يخطو بل عن هرقل .
( المرأة والرجل يختفيان وصوت المرأة مستمر ) :-
فلنبحث .. فلنبحث .. فلنبحث
شخصية ثالثة
” شاب يافع مع بندقية مكسورة وسيف عتيق “:
هرقل . هرقل .. هرقل . كان أبي أكثر نبلا من هرقل ، كان نزيل الصهوة . كانوا احتفلوا في ليلة عيد الميلاد بأثنين أبي والسيف . كان صديق ظباء البرية ، كان الأنكيدو الطالع من أصداف ينابيع جبلية . كان أبي مجرورا بالكحلة فوق رموش البر وشط البحر ومرسوما في عنق الورقاء ، له عين ثاقبة كالزرقاء ، يرى أبعد مابين جليد القطب وجمرته ، كان فنارا لمنائر من ذهب ، لكنائس حب وسلام … كان أبي هابيل بقابيل قبيل الدم ، وحاما في سام قبل التمييز المعلوم ، أبي ومضة حب ألأشياء الأولى ، وابي ليس سوى جذر الكينونات الأقدم ، كان الماء تدفق من كفه لكن جاؤوه وكان جليس الأشجار سليل الانهر مضطجعا يغفو كالوردة في غبش الصبح وفي الدفء الساحر من موسيقى الليل ،” وضعوا السُم بأذنه ” ! قتلوهُ وألقوا السيف على عاتقيَ الطفلي ، على صدري .
ها انذا موْكوُلٌ بالسم الموروث وبالعقرب تلك الرابضة المرفوعة في السقف كقحف للجمجمة الكونية ، والعالم يقطر بالمطر الحامض ، بالأسلحة الكيميائية من أحشاء العقرب ، آهٍ اما كهف لننام به الاعوام كما الاجداد القدماء واما سيف بمواجهة النار ، سيف يتقدم ضد التيار الى حيث الذنب الشبقي فمن يقدر ؟ من يقوى ان يقطعه ، ان يرقى بضفائر قطر ندى ، بغصون من نار ، اعمدة لدخان ! من يسمو عن ذات منحطةْ . من يصعد مدرجه لفضاءات رجولةْ ؟ .
( تعتيم على اليافع … الأنارة على بقعة أخرى من خشبة المسرح )
مشهد 2
الجوقة
( رجل بملابس فولوكلورية الى جانب امرأة مع قيثارة … الرجل يغني ، المرأة تعزف .. هناك امراة أو اخرى ..)
هكذا مابين خمر ونساء…….. باكيا اشرب كأس المحن ِ
ليتني والنعش في دفقة ماء……. قارب ’ مس ضفاف الوطن ِ
كلما اصحو أرى العقرب في ……. سقف بيتي ، وثنايا بدني
( تعود الانارة لتظهر يافعا يحمل بندقية وسيفا …. )
اليافع بعتاب مرير :
غافيا قد أخذوني من جفوني ، ووسادي لم يزل يعبق بالعطر الطفولي ، نفضوا جلديَ عني … مزقوا مستقبلي مثل لفافات الجريح ، ثم القوا فوق كفيّ اليتيمين بقايا بندقية .
فتنكبت سلاحا … كان لابد على كتفي ان يمتشق الابيض والاحمر في الغور العميق . فوق سفح الثلج في الكهف وفي القمة بل فوق الغيوم ، وعلى الهامات انياب طيور من حديد .
كان لابد بان ارقد مفتوح الجفون ، فوق راسي شجر اغصانه مليون افعى تتدلى، انها غابات أنصار الكفاح ، انها اشراك قطاع طريق ولصوص وجحوش وصعاليك ارتزاق ، انها غابات احرار وقوادين امجاد وانذال ، وكان البدر مرسوما على خد الطريق ، كنت أسري : قامتي أطول مني ، حزني الشامخ أعلى قمة بين الجبال . كنت استشهد محمولا الى أجمل شامة . وابتسامة ؛ ائتلقت في فم أُمي .
ثم جاء المجرمون ، بجحافيل وافيال وسجيل وويل وثبور وخيول ورماح وتروس وبزحف بربري ودخان وبنيران تعالت للقمر ….. كان قلبي وحده في وحشة الليل ، تنكبت بقايا بندقية . قلت ياصحبي انجدوني برصاصات سأرمي كل مااملك في وجه جهنم ، كل أثوابي وقفازي وجلدي ، سأدوي في خضم الموت حتى ارتوي من مائه ، لكنهم صحبي نسوا او قد تناسوا ان يضيئوا خطة او بوصلة .
( تختفي الأنارة عن اليافع لتتسلط فجأة على امرأة بثياب مخملية ، تبدا الرقص بينما يستمر العزف والغناء ، ويمكن ادخال أكثر من شخصية ثانوية لتقوية مشهد حانة تعج بالدخان والشرب والقهقهات …
نحن رفاق السفر المساكين ……..لم نستطع قطع شفاه التنين
لم نمتشق سيفا ولم نقتلع …… ضرسا له او ريشة من جبين
نحن قتلنا قبل بدء السنين …… . بخيبة الحب وموت الحنين
نحن بقايا زمن مارق ……… من الحثالات من المعدمين
فلتتخذ حانتنا ملجأً ………. بيتا لمنفيين او مبعدين
واشرب لكي ننسى جراحاتنا …… صهباؤنا البلسم للخائبين
يقعد اليافع مع الشلة مستنكرا الكلام الشاعري المغنى رافضا تناولَ كاس ٍ .. يتحدث :-
لما أورثني قلب ابي عشق الاوطان ، ماعلمني ان هناك وراءً ورجوعا او نسيان. ان النسيان نغالة … وانا ابن أبي …
( تستل احدى النسوة البندقية والسيف من جانب اليافع لتخبئها في مكان آ خر او وراءها وهي تقول :
لن ننسى لكن ذاك السيف وتلك الفوهة ماعادت تصلح للسفح ، هناك نسور الكيمياء ، طيور الموت ، افاعي اخوتنا الأعداء ، هناك التفاح المسموم ، الزهر المر، الشجر المسحور ، هنالك تهرب اخت من اخت ، واخ من كف اخيه ، ويعتلج المقت ولايبقي الحقد ولا يذرُ ، فاقعد في حومتنا المنفية لا أبهى من ومضة دفءٍ في قطب القطب ولا ادفء من شمل الأحباب .
اليافع :-
أن دفئي صلاتي ومعتزلي وطن لو أنرت الكلام الجميل ، سأسكن بيت اللغةْ . واحلم بالنهر لو سورتني الرمال . فراشي قاموس حلم وغطائي العبارة . أنسى ؟ وهذي دمائي التي في عروقي ذاكرتي ، وهيهات اني اسمم نسغي .
صوت امي أذان وجبيني المنارة . هيهات اهبط من ظل منفى ، ومن ثم اقبع تحت حذاء المدينة ….. هيهات .
نحن قتلنا قبل بدء السنين …… بخيبة الحب وموت الحنين
نحن بقايا زمن مارق …… من الحثالات من المعدمين
يعود اليافع ليقول :
أي كلام هذا ؟ تخريب الاولاد وسلخ الاكباد ، وتفتيت النسغ من الساق الى الجذر، هذا دود فوق تويج اللهفة ، هذا صلب لحنين ووفاء ، سُتُرسوداء ، بحر حداد ورماد ، هذا السم بعينيه ، نعلكه بالأسنان , نلوك ذعافته بلسان متآمر …
( صوت امرأة أو رجل ) :-
آه من اخيلة الصبيان ، خواء الجمل الرنانة … ياقرة عيني هذا المنفى حبل يتصاعد فينا حد الاعناق فلا جدوى من اوراق خريف سقطت او نفخ البالونات المثقوبة ، من تحديق العين العمياء … ( الصوت يرتفع ) ظلام لا متناهٍ مثل سديم لاحد له …
اليافع : – كلا لو حدقت مليا بالوجدان ، لو سرت قليلا في الظلمة او نقبت مليا في اسرار الكلمات وناموس الاشياء لأدركت بأنْ للنملة حفرتها ، للطائر عشه ، للأنجم مكمنها والأبراج ، ولابد اذن من أُم نتشبث من بين اصابعها بالعطر ، ومن ذيل عباءتها بوصيد الدار ، لابد من الأُم .
( الرجل يضع يده على رأس اليافع قائلا بنفاد صبر ) :-
وانت الست مقام ابي ، ألست القادم من طلع النار وبسملة الاشجار النابع من دجلة ، من ورد الدفلى الاحمر ، هل تتذكر ام تتنكر للنخل ، لضفاف الغرين والماء لحمامات الزاجل … ومنارات الذهب الأبريز ، لصوت الفجر ، صلاة الديكة … الارغفة الحلاّويات ، القيمر والكاهي ، الافياء البغداديات ، عباءات حنان وحنين وهلال أخضر فوق رؤوس القبب القدسية او اصداغ النسوة … هل تتذكر ام تتنكر للروح المرفوعة فوق الاجنحة الآشورية ، من حدباء الحب الى نيران النوروز الى قزلر والبيارات ببعقوبة ، من باب معظمنا السابح في النسمة حتى رايات النجف المرفوعة فوق جراح التاريخ ، الى ألاسد المتربع في بابل والحي وحتى الزقورة ، ذاك المهد المولودة فيه الشمس كنهد من ماء جمريٍ رضعت منه عثوق التمر شفاه الانجم ، ناي البدء ، والبصرة قد حملته على الاذرع بالطيبة ، بالرعشة بالمجداف بفانوس القارب ، أنغام الأهوار واحزان المعدان وادمع جلجامش .
الرجل :- عد لو شئت لبيت أبيك ، لجلجامشك الضالع بالآثار الميتة الآمال،المدفونة بالكافور وبالاشعار
اليافع: -أحرى بك أن ترسم بالسيف طريق العودة ( يحاول ان يسلمه السيف ) ….
– اذن اختلف الدم … وانفصمت كل عرى الفكرة : لن يعرف في المفترق العقلي أخ وجه اخيه .
الرجل: – كلا فالدمُّ من الفكرة أقوى
اليافع :- كلا علمني الاحرار بان الفكرة فرقان الدم .
امراة ( بتبجح ) : – الدم لا الفكرة
اليافع :- الفكرة لا الدم .
جميعهم :- الدم…. الفكرة….. الفكرة …. الدم …
( ضجيج وتعتيم تدريجي )
يهبط صوت قوي مع ظل العقرب التي تبدأ بالحركة على حجم المسرح مع ضحكة متهدجة متهكمة .
يتعالى الصوت بقوة :- احذر….احذر هذا الظل الحارق مبثوث في أرجاء الأرجاء، عبر شعاب الكينونة ، كالليل المدرك أعتى الفرسان وكل الظانين بأن ملاذا ما يأويهم دون ظلال العقرب … لا .. لاتهرب من اسمك من ظلك فالعقرب فيك ..
( الجميع في حركة خوف وحيرة يتضامنون مع بعض ضد الظل )
صوت ما – انتبهي من كيمياء الظل
صوت -انتبهي المشنقة…. السجن… الغل
صوت -انتبه الجدري …. التيفوئيد….. السل
صوت – انتبهوا انتبهوا .
صوت امرأة متشحة بالسواد – انتبهوا في ظل العقرب سبعة أسرار .
( تهبط العقرب ، يعم الظلام رويدا رويدا )
( الأنارة على المرأة المتشحة بالأسود …. وجسد العقرب واضح في الظلام السائد على مساحة الخشبة المسرحية .)
تبدا المرأة بالهمس :- ان لهذي العقرب من يعليها او يدنيها ، أي رجل من خلف بحار الأرض ، رجل بنكوتي الطلعة ذو قبعة ذهبيةْ ، وملابس كاكيةْ ، وله تاريخ في سفن القرصنة البرية والجوية والبحريةْ ، ما ابقى هنديا احمر او أسود الا شرب الخمر بجمجمته !
” يظهر وبشكل مريب وغير متوقع رجل – يانكي – بملابس كاكية ، يقف هناك متطلعا الى المكان والجمهور وتجهم واستعلاء “.
والسر الثاني، تستمر المرأة بالهمس :- ان هنالك كرسيا في جوف العقرب . ( يذهب الرجل اليانكي لكي يزيح قماشا احمر عنه ويجلس هناك )
السر الثالث ( تستمر المرأة بالكلام ) ان اخوته المبثوثين هنا وهناك هم الجيل المشبوه المغتال المسموم هم الشؤم الكالح والقيح القادح ، هم دراكيولا ،،، يمتصون الدَمَ كي يزرق في أعضاء العقرب ( ينهض الاولاد من بين الجمهور أي انهم اساسا كانوا يجلسون هناك كمتفرجين يرتدون ملابس على هيأة عقرب ، يتوجهون الى خشبة المسرح ! ويتمسحون بها كما لو تكون امهم ) .( يرحب الرجل بهم بواسطة حركات اليد والوجه – الأيماء -)
السر الرابع ( تستمر المرأة بالهمس) :- السر الرابع ( وهنا تسكت ) … ( يدخل رجل ليجلس عند طاولة وشمعة وورقة وقلم ، ينحني الرجل في جلسته على الورقة ، يحاط عليه بالاسلاك والاسواط … يبدأ احد العقارب الصاعدة الى خشبة المسرح بضرب السوط على الارض مرة وعلى ظهر الرجل اخرى ،،، اغنية ذات ايقاع متهكم تصدر عن العقارب الصغيرة ):-
لا لن تجيئ الشمس لا …………..وليلكم لن يُجتلى
نذيقكم أبلى البلا……………نصيب منكم مقتلا
لا لن تجيئ الشمس لنْ.. ذوقوا المآسي والمحنْ
وطرزوا احلى كفن ْ……. …وانسوا بأن لكم وطنْ
لا لن تطل الشمس يوما ….. لا تمنحوا الأجفان حلما
ففارس الفرسان أعمى …..ولتعلنوا موت الزمن
لا لن تجيئ الشمس لن
يتحول المشهد من اسود معتم ( مشهد غرفة التعذيب ) الى حلم رومانسي ملون اذ تدخل مجموعة اطفال تحمل أواني مليئة بالشموع والياس وقندومات ماء الورد . ( يحاول اليانكي هنا ان يضربهم او يشتمهم- بانتوموميا )
هنالك خلف الشمس المقتولة أضواء …… هنالك خلف الأنهار المسجونة ماء
هنالك ، خلف رمال البرية ميناء ……… هنالك رغم جحيم الجلادين سماء
فتقدم في الفصل القاتل من طقس التدمير ….الوردة لا تورق الأ بجراحات أمير
فالفينيق يشد الشمس الى قدميه ويطير …الجسم هو الفاني والفولاذي هو التفكير
فكر بأن تنقذ خلانك
فكر بأن تغسل ادرانك
فكر بأن تنقذ اوطانك
فالوطن الذروة في التفكير
الغناء موجه الى الجمهور تارة والى البطل الصامد في حجرة التعذيب تارة اخرى ( اليانكي في جوف العقرب يتحرك ويبدي السخرية وعدم الرضا ايمائيا ، وهو يتمنى للرجل الذي يجري تعذيبه ان يسقط وينهار وكذلك تفعل العقارب الصغيرة اذ تعطي السجين فرصة تفكير ’’’’ لكن السياط في حركة مستمرة وترهيبية ).
يكتب الرجل على الورقة شيئا ما … يركض الطرفان لقرائتها ، يأخذ أحد العقارب الورقة ، يتطلع الجميع ، واذا بهم يصرخون :- – قد اوصى بالميراث جميعا للعقرب … للعقرب … للعقرب ..
أصوات :- من أثر الضرب ، من أثر الضرب ، من أثر الضرب
ينهض اليانكي من جوف العقرب ليضع ملابس عقرب على الرجل السجين .
ذات المراة المتشحة بالأسود تقول بينما يشرع أصحاب الاواني بأطفاء شموعهم والمغادرة ، تقول وقد خطفت شمعة ماتزال مؤتلقة :-
والسر الخامس ان جميع صغار عقاربهم سيعودون مع المنقذ والمشرف والحارس والخازن والسادن والمسؤول عن الآبق والمارق من أشباه رجال انذال وجواسيسٍ ، من عشاق المال من واشٍ خرتيت ووضيع شرطي قذر دجال آفن .
ان جميع صغار عقاربهم يرتفعون الى السقف بقصد التدريب علىتشتيت الاهل …. واتقان فنون القتل ، وغسل العقل .
( يرتفع العقرب ثانية للسقف بعد ان صعدوا جميعا فيه / الرجل ذو الكاكي +العقارب الصغار + الرجل الموقع على الورقة )
ضحك وسخرية قادم من جسد العقرب وهو في حالة ارتفاع .
مشهد 3
” عرش على جانب المسرح ولوحات للآلهة اودن وامرأة مع شمعة وتوغا الحالم “
تقول المرأة : اما السر السادس :
( اثناء ذلك يهبط اشعاع شفيف مع “توغا ” الآلهة السائر ليلا ، أمامه المراة المتشحة بالأسوَد وبيدها شمعتها للدلالة على انها ملاك المسيرة الحارس ) .. يقول توغا : انا توغا ابحث عن مطرقتي … انا توغا جرحي شفتي . وانا المقتول على غيمة …. والممطر بالاشواق على بيتي وعلى فانوس الدرب ونافذتي …
وانا سر الاسرار …. نجوم الليل رفيقاتي ، والقمر أُمي والجبل الصامد في وجه الهليكوبتر أبتي .
وانا الفأس النابت في صدر العقرب وهي الذنب المرسوم على ظهري .
فاما قاتلها او قاتلتي .
وانا القافل بالفولاذ على السر السابع ، والمفتاح بأعماق البحر … السر السابع في قلبي .
يردد بحيرة ومرارة : سري السابع سري السابع … سري السابع …..
يحاول توغا ان يكشف لنا السر السابع فيتقدم ماشيا بارتباك ٍ مع المرأة الى الجهة المعتمة من خشبة المسرح الى حيث يجلس ذو الحكمة على العرش وهو شيخ بملابس بيضاء ولحية بيضاء ومهابة ” يخاطبه توغا :
– ياذا الحكمة : حكمني أيوب على ذلي ونفاد الصبر ، وزادي في البرية أكياس فرغى ، وجفوني اليابسة التمثالية لاتبصر غير سراب من جنات لايجري فوق سواقيها البجع المقتول . ياذا الحكمة لم تسعل الاّ مزقا من خيبتها رئة المسلول ، ومازال على العاشق ان يهزل والزاهد ان يذوي ويزول ، العشق هو السر السابع، من يعشق يحفر اخدودا من دمع في خديه ، وليس الاحياء بعشاق ، شرط العشق هو الموت ، واجمل ما اوفيليا جثتها في الماء .
شيخ الحكمة :- كيف اقول وعمن اتحدث : بلواك هي القاسم والفرقان ، هي التمييز ألأستئناف ، هي المحكمة العذرية للأشياء ، هي الفصل المذموم ازاء نواميس وقوانين ، وهي المقصلة المرفوعة بين اخ واخيه ، وهي المعضلة الطبقية مابين مسلاّت ماهادنت الظالم ، من كنت المقتول ام القاتل ؟
” اضاءة على اللوحات المنتصبة على جانب المسرح وكلها للآلهة اودن “
توغا – اني ابن اله يدعى اودن …. انظر هذا هو اودن
توغا ( مستمرا بالشرح ) :
– رجل لا ياكل بل يحسو خمر العسل
– يرفع رمحا كي يرميه ويعلن بدء الثأر .
– يحمل اطيارا في الكتف الأيمن والايسر
– يطير على أنبل صهوة
وانا كيف تراني ؟ مطرقتي تمحق أعدائي … وبمطرقتي انشر عدلا وسلاما ونظاما وأُعين الآلهة المحبوبة …. اشيع الدفء انا …. احمي الزوج وزوجته . ها اني اقتل افعى الكون الجبارة …. انظر .. الافعى تلدغني لحظة مقتلها ! .. هااني اتضوّر والسم معي الآن … يسري في اوصالي … هااني افقد مطرقتي …. لكن أبقى رمزا للدفء وللهيبة .
( توغا يواصل حديثه … بعدما يتأمل الشيخ الصور جميعا ويتفكر ) :
– ياشيخ الحكمة ان الشجن الشاهق كهف الابطال وان سكاكين الليل فراش المغتربين ، نجوم الافق دموع الشهداء ، وها اني المسموم بانياب الافعى ، هااني قطعت الجسد الاملود الارقط لكن القاتل يأخذ مصلا من ذنب المقتول وعدواه ولديغه …. ! … وبما اني والموت على وعد او اجل غير مسمى ، فلا ضير اذن أن اتوسل شيخ الحكمة كي يهديني لمطرقتي ، انا ضيعت المطرقة السحرية ….
( المرأة المتشحة بالاسود تتدخل قائلة ) :-
– لا ياتوغا …. لا ياتوغا
الابطال يقاسون بصبرهمُ حتى الموت فلا تتوسل ، ابحث وحدك عن مطرقة ضاعت او فلتصنعها يدك الفولاذية .
الشيخ – سمعت بأن الرجل المقتعد الكرسي بجوف العقرب ذو القبعة الذهبية ليس براض عن عقربه وهو يروم استبعاد الكرسي ، ازاحة ديناصور وديكتاتور العصر ِ ، لا داع اذن للبحث عن المطرقة المعنية .
توغا – لكن هو صانعها والنافخ فيها الروح ، والصاعد والنازل فيها ، هي بايلوجياه التجريدية ، السذج من يعتقدون بفصل الأظفر عن اصبعه ، او خفاش الليل عن الليل .
الشيخ – كلا … هذي كلمات بالية ، بائدة ، فهناك ملايين تبحث عن ذرة خبز مابين الاسنان لتأكلها ، وبكاء الرضع سمفونية جوع ، وملاحن تقطع كل مساء عرض البحر .. لكن التمثال الرافع مشعله لايتحرك قيد انملة …. وضمير العالم لايتململ .
توغا – والحل اذن ؟
الشيخ – لا داع للمطرقة الطروادية ياتوغا … والعقرب ماعادت تصلح للزمن اليانكي ، اليانكيون يرون بأن بكاءا طفليا ما ، وانين ارامل او موت الرضع احرى بالانقاذ … اليانكي يتفكر والعقرب عبد مأمور ، اليانكيون جميلون …اذا حاورتهمُ رفعوك الى دست الحكم … حقا سيغيظون العقرب في ذلك ، لكن لاضير فأنت الشرك المنصوب بوجه الأذناب ، وانت شهادة حسن سلوك اليانكيين ، وتعلم ان العقرب شاخت ، فتقدم كي تكنس من مقعدها ماضيها الأسود … ( يهمس ) : اليانكيون يريدون وجوها يغمرها الحب ، والحبّ ُ اوراق رابحة في السوق ، وان البسمة تعني تمرير البركة ! … والهدأة جسرٌ محضٌ لعبور بضاعتهم ، العقرب ماعادت مفتاحا سحريا لجميع الابواب ، اليوم همُ المجترحون المأثرة الكبرى ، ترتيب البيت بلا عنف ، حسبك ان تفتح قلبكَ ، وتمهد أرضك من أوشاب اذ انهمُ سيحلون ضيوفا كرماءً ويشيعون عدالة بيع وشراء … المجد لهم … بل أٌقسم ان الشاحنة المملوءة بالذهب الاصفر قادمة .
( بعد ان يتم شيخ الحكمة مقولته هذه ، يندفع أشخاص الى خشبة المسرح من أجل ان يتحدثوا مع اليانكي .. يسبقون توغا الوقور في وقوفه … والمستغرب لهجومهم )
ذو الحكمة ـ انظر ياتوغا .. قد سبقوك .
صوت – ياذا القبعة الذهبية ، خلصنا من اوحال مدينتنا ، ياذا الوجه اللآمع انظر صدأ الروح بل رمد الأعين . اولادي يتوغل في اجسادهم السل .
صوت – بل الجدري
صوت – ولدي سيموت
صوت-ياذا القبعة الذهبية مائة الف من اطفال مدينتنا ماتوا
صوت – لادر باثداء النسوة
صوت – لارضع …لاأمل بولادات
صوت – ارض بالمقت احترقت
صوت – انهار عطشى للماء
صوت – صلاتي لاتصل الرب فمن اين أُصلي ؟
صوت – أجبنا ياذا القلب الطيب
صوت – اجبنا يامنقذ هذا العصر الهابط
صوت – هل تسمعنا ؟
صوت – كلا لا يسمعنا
يتوقف الرجال والنساء هنا عن الحديث مستغربين .. يقول أحدهم :-
– آهٍ من ورطني وأتى بي كي اتحدث للخانق عن مخنوقين وللسارق عن مسروقين وللحارق عن محروقين ، لغنيِ ٍ عن فقراء الدنيا ، للرافع في كفيه مفاتيح التجهيل ، وشفرة كل عميل .
يأتي شخص غريب ليدخل الى خشبة المسرح ويفاجئ الجميع قائلا :
– احترموا الكلمات ولا تصغوا لأراجيف ودعايات او اعلام متوارث ، الرجل الذهبي الموفور الجانب هذا ذو الاصل وذو الفصل المتربع فوق الابراج ، الساطع واللامع ، القادر والفاعل والمتجبر ، هذا الرجل الدرة ! وافق !
جميعهم :- وافق ؟ …. وعلى ماذا ؟
الرجل :- وافق ان يتحث مشكورا معكم !
جميعهم : وافق لقد وافق ( يبدؤون الغناء ):
” وافق شن طبقه ” ….. كي لاتعاد المطرقه
توغا هنا مستسلم ……. احلامه ممزقه
مجوّعٌ محاصَرٌ …… تحل فيه الصدقه
جاء لكي يرفعها …….. دماءنا في ورقه
شكوى الى منقذنا ….. فشعبنا في محرقه
ياليته يفتحها …….. بلادنا المطوقه
( الرجل يصفق باليدين قائلا مرة اخرى )
– اسمعوني … اسمعوني …. ( صمت وترقب )
– سيأتي لبلادكمُ يفتحها ويخلصكم من آثار العقرب ، سيرصع أرغفة الحلم كواكب في سقف بلادكمُ . أن بلادكمُ لكمُ . لكن للرجل الدرة هذا شرط واحد :
– ماهو ذا ؟ ماهو ذا ؟ ….
– شرط واحد … هو ان الرجل المجبول على الرأفة والمفطور على توزيع النعمة بل جمع الشمل ودقة ميزان العدل لا يقوى ان يتحدث او يبصر انسانا دون الكاكي, يحبذ هذا الرجل الزاهد أن يبصركم في زيه في أثوابه .. كونوا مثله ( يدفع لهم بصرة كبيرة من الملابس والاحذية والقبعات ) … (يهرعون لأرتداء الملابس بل يتسابقون ) .. ( توغا آخر من يرتدي ملابسه حزينا .)… ( انهم يلغطون أثناء الارتداء ) : –
– وماذا الآن…. ماذا الآن .. هل يهبط سيدنا ؟
– كلا فالسيد مشغول بمواعيدٍ شتى وعليكم انتم ان ترتفعوا لمقامه .
( يأتي بسلم خشبي ذي ذراعين ويثبته واقفا )
– هيا
– ( يجري التدافع بأتجاه السلم والصراع فوقه وجر بعضهم البعض وضربهم لبعضهم البعض الى حد استعمال الآلات الجارحة . يأتي الرجل بعد ان يتفرج على عراكهم الدامي ، ليوبخهم ويضعهم واحدا بعد الآخر ويلقي عليهم درسا قاسيا ) :-
يقول :- اواه كم خالجني توضيبكم في نسق البعد الحضاري ، لم تكونوا أول السلم لا بل أسفله .. انتم الخلف ، الوراء ، الوهدة ، النسيان ، ماأنتم سوى سقط متاع .. انتمُ ياأردأ العملات في سوق النخاسة ، انتمُ ياجهلةْ … انتمُ لاتحسنون العد للعشرة بل لاتفهمون المعضلةْ … خسرت كف الذي يكتب عن تاريخكم ، اسمائكم، مستقبل الذئب الذي يقبع فيكم ، لستمُ الأ نفايات العصور المقبلة ، بل ودون كيشوت اغبى مهزلة ! انتمُ عشرون مليون فم ، لم يُطق اسكات بعض السفلةْ … انتمُ لم تعرفوا ان تنطقوا اسماءكم ، ان ترتدوا أثوابكم ..قد ترتدون النعل لكن مثلما الافكار بالمقلوب ، سحقا شاملا للساكت الثرثار ! للمجهول في الأنساب ، مفعول به في النحو والاعراب ، هاانتم بلا هذا الذي فوقكمُ محض ( تحتٍ ) أبدي وظلام قبوي وسراديب الى مالانهاية .. اشكروا هذا الذي أهدى الى اسنانكم فرشاة أسنان … الذي لولاه ماكنتم رأيتم عجلةْ …. ياجهلةْ .. ياجهلةْ…ياجهلةْ .
من هنا خطوا طريقا صاعدا من دون ان تستعجلوا قتل الخيولْ أو تذيقوا بعضكم بعضا حنان المقصلةْ … ( يوقفهم واحدا بعد الآخر ، قائلا ) :-
-هيا ياأحبائي اصعدوا اشجارنا الخضراء نحو المشمس العين الأنيق الاشقر الجذاب ، هذا الآخذ الشقرة من تبانة الأنجم والزرقة في العينين من أسنى البحار، الآخذ الحمرة في خديه من نافذة الجوري … اصعدوا هيا اليه ، اعتصموا بالعطر مابين يديه ، ان كفيّه موسيقى انتظار ….
( يصعد الواحد بعد الآخر … موسيقى ساخرة عند الهبوط من الجهة الأُخرى ) ( تتوقف الموسيقى فجأة … يكتشف الجميع بأن السلّم لم يفض الى أحد بل الى خواء .)
– يادليل الدرب .. انجدنا لقد جئنا الى محض خواء .
– سامحوني ربما أدعوكمُ بالبلداء … ان تقييمكمُ عنديَ رغم الحب والتقدير أغبى الاغبياء … من هنا البدء .
( يوجههم الى الصعود من حيث نزلوا ) ..
يتأوه توغا مترنحا بينهم ( اذ كان قد صعد ونزل معهم السلم ، ينتبهون لتأوهاته . لحظة ثم يتركونه راكضين على السلّم ) ..
توغا يتأوه ساقطا على الارض من أثر السُم ، يصغون له بعدم أكتراث وهم في حالة صعود .. يناشدهم قائلا :
– لدغة الأفعى ، زعاف النار ، هذا الوجع القاتل ، هذي البيئة الحمراء ، هذا الطعن من أرض وماء وسماء كله خط ّ بأنياب المنايا قدري …
بطلا كنت هلالا فوق أمطار دم ، غيم ، مجازر . يارفاقي اصعدوا فوق نجوم الأفق لا فوق السلالم ، ارتقوها ببساط لعلاء الدين ، هبوا ، انفذوا منها بسلطان ولاتتخذوا الغربان للفجر أدلة .
( يحركون ايديهم مستغربين من هذه اللغة … يتركونه ويصعدون مرددين ) :
– ياقمر الأقمار .. ياقدس الأقداس .. يابهجة نيسان ، يازهرة آيار … امطر للناس، خبزا اوعسلا ..احلاما خضراء ، عطرا بل حناء .. امنحنا الأغفاء … ارفعنا كرماءً نحوك ، نحو العدل .. نحو جمال السلم .
– ها نحن جئنا مرة اخرى الى الخواء ( همس ): الخواء …. الخواء …. الخواء … الخواء .
الرجل الدليل على جانب القاعة يضحك ويظل يضحك بسخرية …
توغا الذي ظل يئن طيلة الوقت :
– قلت لكم اياكمُ … اياكمُ … لتحذروا الغربان . ( يهوي رأسه على الأرض كأنه ميت )
تدخل المراة المتشحة بالسواد لتخبرنا بينما الآخرون في حالة جمود… تقول :
– قال الهواء الماء والنار وهذا الكلأ الاخضر ان البذرة الاقوى هي الحبلى بآلاف البساتين ملايين الشجر .. والازاهير التي يعشقها توغا كحلم منذ آلاف السنين….. هي أطياف الشموس السندسية…انها المخمل للحب ودفء الأُم….. توغا رغم أيام الحداد العابرات … سوف يأتي عبر وردة . سوف يجتاز دهاليز الوفاة … نحو مليارات شمس من طيور وبراعم …. انه بسمة اطفال المجرات الوضيئة … انه اغرودة الماء على الشلال والضفة والنبع الفراتي الأصيل ، انه النار التي تخلد في اولمب ارواح الحضارات ، ومعزوفة كونٍ راقص لامتناهِ ، فلترن الكأس وليصدح عطر النهد بالعشق الألهي . ولنمزق كل الوان الحداد .
( تمزق المرأة ثوبها من جهة الصدر … موسيقى مجلجلة … دخول أطفال بملابس ملائكية ، انهم يركضون ويرقصون ، تخلع المرأة ثوبها الاسود ، تندمج معهم في الرقص ، الاضاءة هي قوس قزح على خشبة المسرح ، الزهور توضع على جسد توغا المسجى )
يبدا الاطفال بالغناء :
توغا غابات جثته ……. توغا ما مات
وبكل ربيع مزهرة ……… تلك الغابات
وبكل صباح تمنحنا …….. شمسا وصلاة
وجبين الأم نقبله ……… أغلى القبلات
ميلاد الفجر شريعته ……… والموت حياة
عندها يكررون ( الموت حياة ) ، يعملون ساحة دائرية كبيرة ، يتقدم الأطفال لرفع توغا عن الأرض ، يتقدم هو معهم بخطى شبه مشلولة ، يتحول المشهد جميعا الى حركة بطيئة ، يتغير الايقاع حسب الحركة الجديدة .
يصعد السلّم ويقف عند نهايته مادا يديه على شكل بندقية باتجاه العقرب ، نسمع أصوات رصاص وهلاهل …
تعود الأغنية مع الموسيقى المجلجلة ترافقها اصوات الاطفال الذين ينزل بعضهم لأصطحاب الجالسين وبالتالي تحويل خشبة المسرح الى حفلة راقصة … بعض الجالسين يتقدمون بالاوراد والشموع وكؤوس الشراب .
يجري الاتصال بالاحتفال الراقص عبر المايكرفون .
– سماع … سماع … سماع ….
هذا توغا الواقف قدامكمُ الآن على السلم . . اضغاث من أحلام … اضغاث من أحلام … اضغاث من أحلام .
ان العقرب مازالت بينكمُ حية … مازالت ترزق … انتبهوا اياكم والاحلام . هيا نخرج من دائرة الاحلام جميعا !.
” يدخل الأطفال ( العقارب ) بالاسواط لتفريق الحفلة “
” ينزل الجمهور ليجلس على كراسي القاعة … يظهر اليانكي لينزل العقرب ، يؤشر بسبابته باتجاه الجمهور وهو يقوم بانزالها رويدا رويدا”
– لا تحلموا كثيرا … لاتحلموا كثيرا ….
تستقر العقرب نهائيا على الأرض …. يذهب ليوقد اضواء القاعة الرئيسية وينادي على مجموعة من الرجال :
” تتقدم مجموعة من الصباغين لتقوم بصبغ العقرب بلون أسود والخياطين للف وتغطية بعض اجزائها بقماش رمادي واسود .. والخطاطين بكتابة كلمات من قبيل : سم جديد بعسل … لدغ أخوي مُجَرّب … موت ٌ شاف ٍ مضمون … “
“الموسيقى المرافقة جاز ساخر …”
ينزل الستارة وهو يتطلع بغضب كبير الى الجمهور حتى يُحجب وجهه . لحظتها ومن وراء الستارة ، تسمع ثانية اصوات الرصاص واصوات ضجيج تعبر عن الاستغراب بما ولما حدث … بعد لحظات يظهر الشاب اليافع ليقول :
ـ انتبهوا … انتبهوا … هناك اصوات وهناك اضواء . هناك اغان ٍ أيضا …
تبدأ ثانية اغنية تغمر القاعة : ” ( توغا غابات جثته … توغا مامات ) ، تستمر الاغنية ومعها يظهر الممثلون امام الستارة للتحية .
بعد ان ينتهي الجمهور من تحية الممثلين يتحدث المخرج ..
ـ شكرا على حضوركم … الف شكر … الا ان المسرحية لم تنته ِ ! لأنها لو انتهت حقا لخرجتم من الباب الرئيسي … لقد اغلق الباب لا بالمزلاج او القفل او اي نوع من انواع الحديد … انظروا لاتوجد باب .. لقد غدت الباب حائطا …ولعل احدكم سيستفسر .. كيف سنخرج ؟ اطمئنوا … اطمئنوا تماما … ستخرجون ولكن بعد ان تشاهدوا الطريق الى المستقبل … وما اروع ان يرى الانسان ما يفضي الى المستقبل … لقد استمعتم الى اطلاق رصاص التغيير … والاغاني وصعادات الضوء الا ان هذا لايعني بالضرورة ان التغيير يتم نحو حياة افضل وان الغد هو الامل الاخضر … وان القادم هو الفردوس … الآن ستخرجون من باب خلفية لتشاهدوا دروب الآلام التي هي اشد ضراوة من حاضركم . ان قدركم هو الحداد التاريخي والمستقبلي .. ان التركة التي ورثتها اسطبلات اوجيانوس لهي تركة متواصلة كأنها ابدية … نحن المظلومين في حالة من نفير عام وسام .. وما علينا الا ان نرى … تفضلوا وانظروا بام اعينكم . ولكن تذكروا ابدا ابدا بأن لامناص من هرقل لو شئتم تنظيف اسطبلات اوجيانوس .
يخرج الجمهور من على خشبة المسرح ليمر بالكواليس والممرات المؤدية الى الشارع وبعد ان يرى اكياسا سوداء عديدة …اكياس متراكمة على بعضها .. مكتوب عليها بالصبغ الابيض كلمات للارشيف .
ـ مائة الف كيس قمامة لم تـُحمل .. اضابير تقاعد لم تنجز. اسماء شهداء مؤرشفة. جثث عثر عليها في النهر .. حنطة قديمة سامة … ادوية منتهية المفعول .. اسلحة صدئة … ملابس عسكرية قديمة . لقطات .. شعارات سقطت . صور رؤساء ماتوا . اضابير لاسماء عاهرات . عرق مغشوش .. أزبال انسانية …ازبال حيوانية …ازبال نباتية … عملة نقدية ساقطة . شكاوى … اسماء ابناء شوارع .. مرتشون … عاهرات جدد … ايتام وملاجيء … فاسدون … اضابير هيئة نزاهة … صور تخريب … ملفات محترقة .. اضابير المصالحة … اضابير الديموقراطية التوافقية … اعادة مفصولين ومجتثين .. مخالفات قضائية. اعتقالات سكارى .. اختلاط وميوعة .. تحريض ضد الحجاب … قتل غسلا للعار .. لواط… اضابير نغالة … اسماء قوادين قدماء وجدد .. سماسرة وباعة دم … مهربو نفط … مزيفو شهادات … مخدرات .. نكاح محارم . عبوات مصادرة … كواتم صوت ..احزاب ارهابية .. قصائد ضد الطائفية … مثقفو العهد البائد … نقاد ضد السلطة … مخالفة قانون منع المشروبات الكحولية .. نوادي عراة غير مرخصة .. قتلى مسيحيون … شيوعيون وشعراء وملاحدة … قوائم بمواد كنائس محروقة .. عوائل مهجرة … اسواق ومساجد مفجرة … وعشرات وعشراوعشرات من الاكياس ومئات ومئات ومئات من الاضابير الساقطة على الارض وفوق الطين وتحت المطر وفي دهاليز لاتنتهي من الركام والحطام .
20/4/1996 ـ 12/1/2011
كتبت في الفترتين اعلاه مع تنقيحات واضافات . ” خلدون جاويد ” .
احيانا كثيرة حينما يكتب المرء وهو لوحده يتصور بأنه هو وحده من يتقن فواعداللغة ويمتلك زمام الامور ولكن حينما يقرأ لرائع مثل خلدون جاويد يرجع ليراجع نفسه مرات ومرات وقول اين انا واين اللغة دمت يا استاذ ووفقك الله
احيانا كثيرة حينما يكتب المرء وهو لوحده يتصور بأنه هو وحده من يتقن فواعداللغة ويمتلك زمام الامور ولكن حينما يقرأ لرائع مثل خلدون جاويد يرجع ليراجع نفسه مرات ومرات وقول اين انا واين اللغة دمت يا استاذ ووفقك الله