رسالة المجلس البابوي للحوار بين الأديان لمناسبة عيد الفطر السعيد
رسالة المجلس البابوي للحوار بين الأديان لمناسبة عيد الفطر السعيد
Sat, 08/04/2012 – 22:18
الفاتيكان – إذاعة الفاتيكان
مع اقتراب عيد الفطر الذي يحتفل به المسلمون حول العالم في ختام شهر رمضان وجه المجلس البابوي للحوار بين الأديان كعادته في كل سنة رسالة إلى المسلمين بعنوان “تربية الشباب المسيحي والمسلم على العدل والسلام” وجاء في الرسالة التي حملت توقيع رئيس المجلس الحبري الكاردينال جان لوي توران ما يلي:
إلى الأخوة المسلمين الأعزاء،
كل عام و أنتم بخير،
1. يعود عليكم في كل عام شهر رمضان وختامه بعيد الفطر السعيد. وإننا ننتهز بكل سرور هذه المناسبة لنقدم لكم تهانئنا القلبية باسم المجلس البابوي للحوار بين الأديان. يغمرنا السرور معكم في هذا الزمن المميز الذي أتاح لكل مسلم أن يصوم ويقدم لله أعمال البر والتقوى، ويتعمق في طاعة الله سبحانه، وهي من الفضائل التي نثمنها عاليا. ومع تهانينا بالعيد في هذا العام، رأينا أن نوجه فكرنا إلى الشباب المسلم والمسيحي على السواء وإلى أهمية تنشئتهم على العمل من أجل العدل والسلام، ومن أجل الحقيقة والحرية، فالأمران مرتبطان معا.
2. كلنا يعلم أن المجتمع كله مسؤول عن مهمة التربية ولكنها بصورة خاصة من مسؤولية الأهل والعائلة والمدارس والجامعات، وهي مرتبطة ارتباطا وثيقا بالحياة الدينية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية وبعالم الإعلام. مهمة التربية أفضل المشاريع وأصعبها، إذ تقوم بمساعدة الشباب لأن يكتشفوا وينمّوا القدرات التي وكلها الله الخالق إليهم وأن يُقيموا في ما بينهم علاقات إنسانية مسؤولة. قال قداسة البابا بندكتس السادس عشر في كلام له عن التربية والمربين: “إننا بحاجة في هذه الأيام أكثر من أي وقت مضى إلى شهود صادقين وليس فقط إلى معرّفين بالقوانين والتعليمات. والشهود الصادقون هم الذين يعيشون أولا ما يقولون ويسيرون على الطريق التي يرشدون إليها”. (رسالة ليوم السلام العالمي 2012). ولا بد من أن نضيف أن الشباب أنفسهم هم أيضا مسؤولون عن تربية أنفسهم وعن تأهيلها للسير في سبل العدل والسلام.
3. يُعرَّف العدل أولا بالنسبة لهوية الإنسان كإنسان بكل مقتضيات إنسانيته، ولا يمكن أن يُعرّف فقط بعملية تبادل الخيرات وتوزيعها بين الناس. وكلنا يعلم أنه لا يمكن تحقيق الخير العام ما لم يكن بين الناس تضامن ومودة أخوية. والمؤمنون يعترفون بأن العدل الصحيح المرتبط بمحبة الله سبحانه يرسخ علاقة الإنسان مع نفسه، ومع الآخرين ومع الخليقة كلها. ويعرفون علاوة على ذلك أن أساس العدل هو الله سبحانه الذي خلق كل الناس متساوين ودعاهم إلى أن يكونوا أسرة واحدة، هي الأسرة نفسها لكل واحد منهم. هذه الرؤية للأمور، التي تحترم العقل وتسمو في الوقت نفسه إلى المطلق، تتوجه كذلك إلى كل إنسان صاحب نية صالحة وتمكّن من الجمع المتناسق بين الواجبات والحقوق.
4. تربية الشباب على السلام في عالمنا المعذب اليوم أمر ملح. وللشروع فيها لا بد من الفهم الصحيح لطبيعة السلام الحقيقة. لا يقوم السلام فقط بغياب الحروب، ولا بتعادل القوى المتخاصمة. إنما السلام هبة منه تعالى وثمرة جهد إنساني دؤوب وعملية بناء دائمة. السلام هو “ثمرة العدل ونتيجة المحبة”، كما أكد على ذلك قداسة البابا بندكتس السادس عشر في رسالة يوم السلام العالمي المذكورة آنفا. من واجب المؤمنين أن يكونوا أعضاء فاعلين في مجتمعاتهم، فيمارسوا فيها العطف والتضامن والتعاون والأخوة فيسهمون كذلك في مواجهة التحديات الكبرى الراهنة وأهمها، لذكر بعضها فقط، النمو المتناسق، والتنمية الشاملة، وتدارك الصراعات وحلها.
5. وفي ختام رسالتي أود أن أقول للشباب المسلمين والمسيحيين أن ثابروا في البحث عن الحقيقة والحرية لتكونوا روادا صادقين للعدل والسلام وبناة لحضارة تحترم حقوق كل مواطن وكرامته. الصبر والإصرار أمران لازمان لمن أراد أن يحقق هذه المثل، من دون أن يلجأ إلى تنازلات مشبوهة أو حلول مبتورة كاذبة أو إلى وسائل تمتهن كرامة الإنسان. الرجال والنساء المقتنعون بهذه المتطلبات هم وحدهم القادرون على أن يكونوا بناة لمجتمعات يصبح العدل والسلام فيها حقيقة.
ملأ الله بالصفاء والرجاء قلوبنا وبيوتنا وجماعاتنا كلها الطامحة في أن تكون أدوات سلام!
وكل عام وأنتم بخير.
لماذا مسحتم التعليق