سلسلة دروس تخص تاريخ الكلدان في بلاد بين النهرين دجلة والفُرات وأيضاً تاريخ الشعوب المُجاورة. إذن لا يحُق لأي أثوري (كلداني نسطوري) من الذين جَلَبَتْهم بريطانيا (في أحداث الحرب العالمية الأولى) من هكاري/ تركيا وأورمية/ إيران أن يُعَلّق على نصوص هذه الدروس بأي شكل لإنهم ليسوا عراقيين.
الدرس الأول: المقدمة وبديهيات تاريخية:ـ
مع بداية البشرية على سطح الارض إن كانت حسب التاريخ الديني من آدم و حواء أو حسب نظرية التطور الطبيعي، في كلتا الحالتين من المنطقي جدا ان نتصور ان الجماعة البشرية الاولى كانت صغيرة ومحدودة العدد وتكلمت لغة واحدة بدائية ومحدودة الكلمات. الإنسان البدائي لم يكن له مكان سكن ثابت (عنوان) بل عاش مُتَنَقّلا في الغابة أو في السهول بحثاً عن حيوان يصطاده أو بحثاً عن مصدر للماء له ولحيواناته.
في بداية حياة الإنسان على هذه الأرض، كان الإنسان أيضاً ساذجاً في ذهنه لأن الحياة البدائية كانت تحتاج الى إستعمال القوة العضلية وليس الذهنية. وهكذا كان الإنسان البدائي بسيطاً في تفكيره وفي استيعابه للظواهر الطبيعية مثل الليل والنهار، والمطر والرعد والبرق والفيضان ما شابه ذلك. وكانت هذه الظواهر تثير الخوف والرعب في نفسه. ولما عجز الإنسان البدائي عن تفسير هذه الظواهر عزاها إلى قوة خارقة تتحكم فيها وفي حياته. هذه القوة الخارقة لم تكن حسوسة ولا مرئية لديه، وبالتالي اعتقد الإنسان البدائي بوجود “كيان روحي غير مادي” يتحكم في الظواهر الطبيعية وفي حياة الإنسان. هذه كانت بداية فكرة التَدَيُّن الطبيعي الوثني عند الإنسان البدائي. أي إن الإنسان البدائي آمن بوجود قوة غير بشرية وغير مرئية تتحكّم وتُسَيطِر على الظواهر الطبيعية.
الاعتقاد ب”الكيان الروحي” هذا تطَوّرَ من خلال التأمّل في الأحلام أثناء النوم وفي الأشخاص الذين يراهم الإنسان في حِلمه من الأموات ومن الأحياء. هذه التجارب جعَلَت الإنسان الأولي يعتقد ان الكيان الروحي منفصل عن الجسم ويمكنه أن يعيش حياة مستقلة تماماً ويتراءى في أوقات مُعينة. وبالتالي أصبح الإنسان الأول يعتقد في ألأشباح والخيالات.
وعبد الإنسان الأوّلي الكواكب والنجوم وإعتبروها رمزاً مرئياً للقوة الخارقة الغير المرئية التي تتحَكّم باالظواهر الطبيعية. وهكذا المُجْتَمعات البدائية ألّهتْ وعبَدَت الشمس والقمر وبعض النجوم. وقد كانت الشمس والقمر أول الأجرام السماوية التي لفتت أنظار البشر لما في الشمس من اثر بارز في الزرع والأرض وفي حياة الإنسان بصورة مطلقة. كذلك القمر لأثره في نفس الإنسان بما يبعثه من نور يهدي الناس في الليل. وهكذا خرجت هذه الكواكب حقيقتها الطبيعية (الفيزيائية) المادية، وصارت مظهراً لقوى روحية لا يمكن إدراكها.
ولما تقدم الإنسان البدائي في حياته وأصبح مزارعاً، صارت مياه الأمطار والأنهار مصدر رزقه وقوته، فأصبح يستقر ويعيش بالقرب من الانهار (مياهها عذبة وليست مالحة). وهكذا تم بناء المدن الاولى في تاريخ البشرية حول ضفاف الانهار في ميزوبوتامية وفي مصر (فرات، دجلة، النيل). إذن يصح ان نقول ان الواقع الاجتماعي للتجمعات أو المدن أو الحضارات الانسانية الاولى كان عبارة عن قبائل وعشائر تتمركز في هذه المدينة او تلك وتعيش على اراضي مجاورة وكان مناخُها وإسلوب عيشها متشابهاً. وكانت المدن الاولى في تاريخ البشرية تبتعد عن بعضها فقط بضعة عشرات أو مئات من الكيلومترات ولم تكن تعيش في دُوَل متباعدة كما هي الحالة في الوقت الحاضر حيث ان أوروبا وأمريكا وأسيا يفصل بينها البحار والمحيطات وأن الشعوب في الوقت الحاضر تختلف من حيث جغرافية ارضها ومن حيث مناخها وروافد اقتصادها و…الخ. كلمة الحضارات فيها تضخيم كبير إذا أطلَقناها على تلك المُدن الأولية ولذلك المُختصّون في علم الأجناس البشرية وتاريخ الإنسان ، يستعمِلون عبارة دُويلات المُدن عند الكلام عن سومر وأكد وأشور وبابل في العراق، ونفس الشيء قديماً في بلاد الأناضول (حِثّيون، كَشّيون و ليديا) وفي بلاد فارس بِرثيا.
ولما كان اعتماد الإنسان الأولي على فيضان الأنهار كبيراً، نجد أن قدماء المصريين، مثلاً، قدموا القرابين من العذارى لنهر النيل لكي يرضى عنهم ويفيض عليهم بالخيرات. وكذلك فعلت مجموعات أخرى من البشر. وقد ارتبطت فكرة خصوبة الأرض بخصوبة الأم التي تنجب أطفالا كثيرين، ونتج عن هذا فكرة الإله الأنثى أي آلِهة. ونحت النحاتون الأصنام على هيئة امرأة حبلى وعارية. وقد وجُدت هذه التماثيل في عدة أقطار في أوروبا والشرق الأوسط والهند. وقد سميت “الالهة الأم” بِعّدة أسماء، فكانت “إنانا”في سومر وعشتار في بابل وعنات في ارض كنعان (فلسطين) وايسيس في مصر وافرودايت في اليونان.
الإنسان البدائي لم يكن يعرف القراءة والكتابة ولذلك كل ما تعلمه كان عن طريق التلقين من آبائه وأجداده وبالتالي أصبح علم وحكمة الآباء والأجداد كنزاً قيماً يحفظه الأشخاص ويُلَقّنونه للأطفال من جيل ألى جيل. وكان الشخص الأكبر في العمر يكون رئيساً للقبيلة، وطبيباً يعالج أمراضهم بما تعَلّمَهُ من الأسلاف، وكان رئيس القبيلة يحكم بين أفراد قبيلته بما يراه عدلاً رغم إنه لم يكن هناك أي مقياس (إمتحان) لمعرفة حكمة رئيس القبيلة من عَدَمِها.
ولا شك أن موت رئيس القبيلة كان يمثل خسارةً كبيرة للقبيلة، لذلك حاولت القبائل تعويض الفراغ الناتج من موت رئيس العشيرة بأن تتخيل أن روح الفقيد ما زالت تعيش بينهم وتحاول إرشادهم إلى ما فيه خيرهم. وبالتدريج أصبح لمثل هذه الروح مكانة عظيمة في تاريخ وتراث هذه المجموعات من البشر، ونتج عن هذا ما يسمى ب “عبادة الأسلاف”. فكان إذا أصاب هذه المجموعة شر أو مرض، عزوه إلى أن روح احد الأسلاف غاضبة عليهم ولذلك وجب عليهم إرضاءها من خلال زيارة قبر المَيّت وتقديم الهدايا والقرابين له.
وأرواح الأسلاف هذه كانت في العادة مرتبطة بأماكن معينة مثل صخرة أو شجرة كبيرة في وسط القرية، فأدى هذا إلى تقديس هذه الأحجار والأشجار، إذا تصوروا وجود قوى روحية كامنة فيها فعبدوها، وبالتدريج أصبحت هذه الصخرة أو الشجرة رمزاً لروح احد أسلاف تلك القبيلة.
إستفادت البشرية الاولى من مياه الانهار للشرب وللزراعة. في ميزوبوتامية وبين نهري دجلة والفرات وجدت ارض خصبة للزراعة وصالحة لبناء المدن الاولى في تاريخ البشرية، ارض خصبة في تُربَتها لانتاج الغذاء وسط منطقة تحيطها صحراء قافرة تمتد بين شبه الجزيرة العربية وجنوب الشام لا ينبت فيها شيئاً. ولنفس السبب كانت المنطقة هدفا للهجوم وللاحتلال من قبل الشعوب المجاورة: شعوب الانضول من الشمال، العيلاميون أو الفرس من الشرق، الروم اليونانيون من الغرب، والعرب المسلمون من الجزيرة في الجنوب. ارض ميزوبوتامية إستمدت خصوبتها من طبيعة الجغرافية المحيطة بها، فإلى الشمال من ميزوبوتامية في جنوب شرق تركيا الحالية تمتد سلسلة جبال طوروس، هذه السلسلة الجبلية تنزل في منطقة المثلث الحدودي بين العراق وإيران وتركيا، نحو الجنوب الشرقي بمحاذات الحدود الشرقية للعراق مكونة ًسلسلة جبال زاكروس في أيران الحالية وهي تنزل الى مُسْتوى مدينة كوت على الحدود الإيرانية الحالية. ميزوبوتامية تعني الاراضي الواقعة بين النهرين دجلة والفرات. روافد دجلة تبدأ في جبال طوروس في تركيا وجبال زاكروس في ايران لكن روافد نهر الفرات تجري فقط من جبال زاكروس في تركيا. دجلة يجري من تركيا ويدخل في الاراضي العراق عند نقطة ابراهيم الخليل الحدودية بين تركيا والعراق في شمال زاخو. أما نهر الفرات فهو يجري من تركيا عبر شرق سوريا ليدخل العراق في منطقة القائم غرب محافظة الانبار.
وكان في بداية الزمان كلما ازداد عدد البشر، انتشروا وتوزعوا وبنوا مدنناً جديدة بالقرب من مصدر ماء (نهر أو بحر) للشرب ولسقي المزروعات. لذلك نرى إن المدن العريقة في القدم هي قريبة من ألأنهار أو شواطئ البحار. إذ نقرأ في سفر التكوين 10 الآية11 من بابل خرج نمرود البابلي الجبار وبنى نينوى ورحبوت وقالح في أشور على ضفاف نهر دجلة. هذا النص يعني بوضوح ان نينوى- أشور كانت بمثابة فرع او توسُع عمراني من بابل، أما اليوم يحاول الأثوريون المُفْلِسون سياسياً أن يُزَوّروا هذا التاريخ ويزعموا بأن الكلدان هم لون طائفي من التركيب الأثوري وإن بابل كانت جزءاً من أشور.
الجماعات البشرية الاولى في ميزوبوتامية وإن إختلفت في تسمياتها من سومر، اكد، بابل وأشور لكن كلها إشتركت في حقيقة ثابتة واحدة هي انهم عاشوا على ارض ميزوبوتامية = بلاد بين النهرين = بلاد الرافدين وإنه كان لكل تلك الجماعات اسلوب بسيط ومُشابه في الحياة وهو إن مصدر رزقهم كان على الزراعة والصيد وثم تربية الماشية، الاختلاف الكبير كان في طبيعة الآلهة والاصنام التي تعبدها تلك الجماعات.
وفي حوالي العام 4000 قبل الميلاد ظهرت حضارة عظيمة في منطقة ما بين النهرين (دجلة والفرات) أسسها السومريون، بنوا مدن مثل “أور وكيش وبنوا معابد ضخمة لآلهتهم. وجاء بعدهم “الكلدانيون “والاكديون وبنوا أعظم مدينة في ذلك الحين وسموها “بابل” وتعني هذه التسمية باب أيل أي باب الإلاه وكلمة “أيل”أستُعمِلت فيما بعد من قِبَل الشعوب السامية في ميزوبوتامية.
تميزت الحضارة البابلية كمثيلتها الاغريقية بالسمو والبحث عن القُـوّة الغير المرئية التي تتحكم بحياة البشر على الكرة الأرضية وتتحكم بالمناخ وبالكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والجفاف، وأيقن البابليون إن مِثِـل تلك القوة تسموا فوق االعقل البشري وتعيش في”السماء”. لذلك تَـوَجّـه فِـكِـر البابليون نحو السماء وإنشغلوا بعلم الفلك ومتابَعة حركة النجوم. فالأغريقيون آمنوا بالآلهة (إله الجمال، اله الخير، إله الحب ـ ـ ـ الخ). أما البابليون فأن إسم بابل يتكَوّن من مقطَعَين باب إيــل (باب الأِلاه)، الباب الذي منه ينطلقون للألتقاء بالله. لذلك بنى البابليون برج بابل العالي وكانت الغاية منه الصعود للألتقاء بالله. لاحظوا منذ البدئ كان فِكْرِ البابليون يسموا نحْوَ العُلى بينما سياسة الأثوريون تَمَحْوَرَت حول النظر أُفُقَياً شرقاً وغرباَ، شمالاً وجنوباً لإحتلال اراضي الشعوب المجارة.
وكانت مدينة بابل مشهورة بالجنائن المعلقة التي بناها الملك نبوخذنصر لزوجته، وتعتبر هذه الجنائن من عجائب الدنيا السبعة. وكان الكلدانيون يعتقدون ان للآلهة في السماء قصوراً ضخمة وحدائقا، ولذلك بنوا بابل بحَسَبْ تَخَيّلِهم للقصور السماوية. وكان في اعتقادهم ان كل الآلهة اتحدوا مع بعضهم البعض وتغلبوا على قوى الفوضى التي كانت تسيطر على العالم. ولذلك كانوا يقيمون احتفالاً سنوياً يستمر احدى عشر يوماً يلقي فيه رجال الدين الأشعار الدينية مثل قصيدة “إنيوما إليش” التي تمجد انتصار الآلهة على قوى الفوضى وتحكي قصة خلق الكون. وتبتدئ القصة بخلق الآلهة أنفسهم. واكبر ثلاثة من الآلهة كانوا: أبسو إله المياه العذبة، وزوجته “تيامات” إلهة المياه المالحة، و”مومو” إله الفوضى. ثم تكاثرت الآلهة بأن خرج إلاهان من كل إله قبلهم. فظهر “لاهمو ولاهامن، إله الماء وإله الأرض. ثم ظهر”أنشر” و”كٍشر”، اله السماء واله البحر. وأخيرا ظهر إله الشمس “ماردوخ”، الذي تغلب على الالهة “تيمات” وخلق كل القوانين التي تحفظ توازن العالم. وأخيرا خلق “ماردوخ” الإنسان.
ولكي يُقرّب الإنسان البدائي كل هؤلاء الآلهة إلى ذهنه تخيّل لهم أشكالا معينة ونحت أصناما تمثلهم على الأرض، بعض الأصنام كانت على شكل بشر ومجاميع أخرى تَخَيّلت معاني القوة في آلِهَتِهم، لذا صنعت أصنامها على شكل ثور أو نسر أو أسد. الإنسان البِدائي إحتفض بآلهته في حُجرة خاصة أصبحت فيما بعِد مَعْبَد.
إبتكار الكتابة السومرية:ـ
ولأن المعابد الوثنية للشعوب البدائية كانت مركز استقطاب ديني وأجتماعي، إرتأت الشعوب ان تعيش بالقرب من المعابد الوثنية. وكان الناس يقدمون جزأً من منتوجاتهم الزراعية هدية للمعبد كي يرتزق منها كهنة المعبد ومن تلك الحبوب المهدات أيضا كان يتم مساعدة الفقراء. وكان الكاهن الوثني هو اللذي يستلم الحبوب المهدات من الناس الى المعبد ويسجل إسم المتبرع ومقدار الحبوب المهدات ومن هنا ظهرت الحاجة الى إبتكار الحروف والكتابة من أجل تسجيل الناس الساكنين حول المعبد وتسجيل واردات الحبوب المهدات الى المعبد. وهكذا كان السومريون أول من إبتكر فن الكتابة التي كانت في البداية صور ترمز الى شيء ما، مثلا صورة القدم كانت تعني ذهب أو مشى، صورة عين كانت تعني نظر او رأى وهكذا. فيما بعد تطورت الغة السومرية الى الصيغة التي تسمى بالكتابة المسمارية لأنها كانت تتكون من مسامير مرسومة باتجاهات مختلفة. اللوحات التي كتبت عليها حروف وكلمات اللغة السومرية حافظت على شكلها بدون تلف لانها نقشت على الواح من الطين الذي تم تجفيفه ثم حرقه تحت درجة حرارة عالية حيث تحولت لوحات الطين الى لوحات فخار.
ولأن الإنسان البدائي إعتقد أن لهذه الأصنام قوة في التأثير على حياته سلباً وإيجاباً، أصبح الإنسان البدائي يُقدم للأصنام قرابين وذبائح كي تفعل الأصنام الخير له وتُلحق الضرر بأعدائه. ولكن الأعداء هم الآخرون كانت لهم أصنامهم. وبينما يدعو الرجل أصنامه لتضر أعداءه، راح يشعر بالقلق إزاء ما قد تفعله أصنام أعدائه له ولأهل بيته. واضطر الناس إن يفكروا في شئ يحميهم من أصنام أعدائهم، فوضعوا حول أعناقهم تماثيل صغيرة لأصنامهم لحماية أنفسهم من قوة الأرواح الشريرة التي تُحارب في صفوف الأعداء.
الجماعات البشرية الاولى كانت تعيش بدافع غريزي يجعلها تتصارع في حروب مستمرة فيما بينها من اجل االبقاء وتوسيع نفوذها للسيطرة على ارض ومياه ميزوبوتامية. وكان كلما إزداد نفوذ إحدى الجماعات، إستعملت الجماعة القوية نفوذها وجبروتها للسيطرة وإحتلال اراضي الجماعات. وكان كلما تفوقت جماعة واحدة مدنياً او عسكريًا او سياسيا اصبح العصر يسمى باسمها. مثل هذا التفوق هو اللذي جعل من العصر الفلاني سومريا والاخر اكديا (سِماته الاساسية اللغة الاكدية) او بابليا (سماته الاساسية العاصمة بابل وإدخال اللغة الارامية) او اشوريا (سماته الاساسية التفوق العسكري وإحتلال الاقاليم المجاورة)، دون ان يعني ذلك بانه كلما صعدت مجموعة واحدة الى السلطة تلاشت وانتهت المجاميع الاخرى. (لهذا السبب يُقال في التاريخ إن الشعوب البدائية عاشت وفق مبدأ شريعة الغاب، اي القوي يأكل الضعيف).
حالة شبيهة حدثت في العصر الحديث عندما إحتل العثمانيون البلدان العربية واراضي كردستان ومدن الكلدان والاثوريين، حيث كان يُطلق على كل تلك الاقاليم الواسعة التي إحتلها العثمانيون إسم واحد هوالامبراطورية العثمانية، دون ان يعني ذلك ان القوميات التي شملها الاحتلال العثماني (من العرب والاكراد والكلدان) ذابت او إنقرضت بفعل الاحتلال العثماني. الامبراطورية الاشورية ايضا في عصورها الوسطى والاخيرة تميزت في الافراط في استعمال القوة العسكرية واحتلال مدن الكلدان وبلاد ارام والفينيقيون (لبنانيون القدماء) ومصر غربا وبلاد القوقاز شمالا، دون ان يعني ذلك ان الكلدان وغيرهم انتهوا من الوجود تحت الاحتلال الاشوري. لو كان كلدانيو اور تلاشوا وإنتهوا امام الاحتلال الاشوري، من اين اتوا وكيف صعد الكلدانيون الى الحكم في مملكة بابل الثانية بعد ان كانت بابل إحتُلت مرتين من قبل اشور؟ كيف استطاع الكلدان اسقاط الاشوريين وتدمير العاصمة نينوى؟ كيف نستطيع ان نقطع التواصل التاريخي بين اور الكلدانيين والكلدان في بابل الثانية؟
بديهيات وحقائق تاريخية قبل الدخول في تفاصيل تاريخ القومية الكلدانية والاثورية:
عند الكلام عن تاريخ ميزوبوتامية هناك بديهات ومراجع تاريخية يجب الرجوع اليها. وان لا كيف نتكلم ونقَيم عصراً يبتعد عن عالم اليوم الاف السنين. لو اهملنا الكتب التاريخية واهملنا الحقائق المحفوظة في المتاحف، عندها كل طرف يستطيع تحريف التاريخ لمصلحته والقول ان الواقع التاريخي لم يكن هكذا بل كان بشكل اخر! هذا ما يحصل اليوم عند الاثوريين عندما يرفضون الاستعانة بكتب التاريخ لمعرفة تاريخ الكلدان وجذورهم في ميزوبوتامية الاف السنيين قبل الميلاد، ويصرون على القول ان مُصْطَلَح الكلدان تم إختراعه من قبل المبشريين الفرنسيين بعد القرن 16 ب.م. ولم يكن موجودا قبل ذلك.
1. الكتاب المقدس بقسميه العهد القديم والجديد يعتبر المرجع الاقوى والاكثر ثباتا (طُبع باستمرارعبر كل القرون) في سرد الوقائع والصراعات بين الشعوب القديمة السومرية والبابلية والاكدية والاشورية في ميزوبوتامية والشعوب الارامية في سوريا والفراعنة في مصر، ولا يوجد كتاب اخر ينافس الكتاب المقدس في سرد تلك الاحداث بتفاصيلها الدقيقة.
2. الدليل الوحيد على وجود لغة معينة في مرحلة تاريخية معينة هو المؤلفات والكتب التي كتبت بتلك اللغة في ذلك التاريخ. المؤلفات التي تركها لنا التاريخ القديم عن ميزبوتامية من اسفار العهد القديم هي مكتوبة اما بالارامية (سفر دانيال وعزرا) او بالعبرانية (باقي اسفار العهد القديم). بمعنى ان اللغات الحيوية التي استعملت في تلك العصور هي الارامية والعبرانية وثم الترجمات اليونانية بعد دخول الامبراطورية الرومانية اليونانية الى الدين المسيحي بعد القرن الميلادي الثالث. وهي تعتبر اليوم اللغات الثلاثة الاساسية في تلك العصور ولا يذكر التاريخ اطلاقا شيئا اسمه * اللغة الاشورية* لان لغة الاشوريين ايام عظمتهم كانت الاكدية والبابليون الكلدان اتخذوا اللغة الارامية – كلدانية “سوادايا المحكية الى اليوم في جميع قرانا ومدننا) ان تكون لغتهم، واما اللغة الارامية القديمة – كوشما (سريانية) كانت لغة مدرسية فقط في مدينة اورفا (اورها) ولم تكن يوماً لغة محكية ولغة شعب)” (كلدايا نت). والملاحظة العملية في هذا المجال هي ان طبعات الكتاب المقدس في اللغة العربية مثلا تذكر على الصفحة الاولى من الكتاب بانه ترجم من اللغات القديمة الاصلية العبرانية والارامية واليونانية.
3. عالم اليوم يسير ويتطور بمقاييس وقوانيين سياسية ليست مصاغة من الدين رغم التائقها مع الدين في الحفاظ على القيم الانسانية. لكن في العصور الوسطى وما سبقها فان الانتماء الديني للفرد كان هو المهم ويذكر قبل الانتماء القومي بل في كثير من الاحيان كان الفرد يُسَمى حسب انتماءه الديني كي يفهم من خلاله الانتماء القومي لذلك الفرد. كان الدين هو يحرك الحياة ويحرك تفكير الناس وعواطفهم. من تعليمات الدين كانت تصاغ نصوص القوانين ومناهج التربية والتعليم. اليهود مثلا ذكروا غالبا باسم الدين (يهود) ونادرا ذكروا باسم القومية العبرانية. اليوم المسلم التركي او العربي او الفارسي ايضا يطرح نفسه كمسلم دون ان يذكر انتماءه القومي، لكن هذا لا يعني ان هذا المسلم التركي او العربي او الفارسي لا قومية له لانه لا يذكرها عندما يتكلم عن نفسه، بل السبب هو ان مثل هؤلاء يعتزون بانتمائهم الديني اكثر من انتمائهم القومي. هذا بالضبط حصل مع الكلدان اذ ذكروا من باب انتمائهم الديني الكاثوليكي لان الخصوصية الدينية هي التي حافظت على هويتهم القومية وان لا كانوا قد انتهوا وانقرضوا امام هجوم الفرس والعرب. لكن هذا لا يعني ان الكلدان نسوا يوما قوميتهم بل بالعكس لولا جهود الكلدان في طباعة الكتب الكنسية وتعليم لغتهم للاطفال من جيل الى جيل لكانت اللغة الكلدانية قد انقرضت وزالت عن الوجود. هنا يجب ان لا ننسى ايضا دور الاثورين في الحفاظ على اللغة من خلال الغناء والرقص. ليس فقط الكلدان تم تسميتهم احيانا حسب انتمائهم الديني، الاثوريون ايضا ذكروا مباشرةً بعد الانشقاق النسطوري من باب انتمائهم الديني كنساطرة ولا يوجد أي نَـص في التاريخ بين الانشقاق النسطوري والحرب العالمية الاولى (تاريخ 17 قرنا) يستعمل كلمة اشور واشوريون عند الكلام عن النساطرة.
4. لغات الحضارات القديمة: إقرأ التفاصيل تحت عنوان
ARAMAIC AND ARABIC
5 القومية هي عبارة عن شعور الانسان بالانتماء الى هذه القومية او تلك اكثر من كونها تُفرض او تُغَيَر عن طريق الاغراء او الامتيازات أو راتب من الزوعة. في تاريخ البشرية حصلت بإستمرار أمثلة واضحة على تفرع قومية واحدة الى تسميات فرعية (كما تفرعت نينوى من بابل)، وحصَل أحياناً إن الفئة المُـتَـفَـرّعة إفتَـخَرَت بإسْمها الفرعي أكثر من إسم القومية الأم التي إنحدروا منها. مثلا الشعب الكويتي والإماراتي والسعودي والقطري والبحريني و… ليسو إلا مجاميع أو عشائر يرئسها شيخ اللذي هو في نفس الوقت أمير او ملك او سلطان. رغم هذه الحقيقة المطلقة، فأن كل تلك الفروع القومية تعتز بتسميتها الفرعية (الكويتية والإماراتية والسعودية والقطرية والبحرينية و ….) اكثر من إسم قومية الأم العربية. لكن هل ذلك يعني إن هؤلاء هم عدة قوميات او قومية واحدة عربية. هكذا أيضا أهل نينوى لم يَكُن لهم قومية ولا لغة خاصة بهم. نفس الشئ يحصل اليوم وحَسَب السياسة التي يرسُمُها الفرس في العراق، نرى إن بعض الزرازير أصبحت تطير في سماء السياسة العراقية من أنصار الكنيسة الفارسية وتَـوَهّمت بأنها صارت شوااهينا تُـحَلّل لنفسها ما تُحَرّمُهُ للكلدان. نسمع من بعضهم يقول وبدون خجل إن الكلدان هم مجموعة دينية كاثوليكية تابعة للقومية الأشورية؛ نقول لهؤلاء هل كان أبينا إبراهيم كاثوليكيا عندما يقول عنه الكتاب المقدس بأنه خرج من مدينة أور الكلدان.
أحسنت وبارك الله فيك أخي العزيز
السيد لؤي فرنسيس المحترم، أؤيد الاخوة اعلاه واريد اضافة شيء الا وهو ان منطقة سهل نينوى التي يكثر فيها المسيحيين…
الأعزاء أودا و فرج اسمرو المحترمين نعزيكم بوفاة المرحومة المغفور لها شقيقتكم إلى الأخدار السماوية، أسكنها الله فسيح جناته الرحمة…
الراحة الابدية اعطها يا رب و نورك الدائم فليشرق عليها. الله يرحم خلتي مكو الانسانة المحبة طيبة القلب. مثواها الجنة…
Beautiful celebration Congratulations! May God bless Oscar and bless his parents and all the family and relatives