أخـواتي إخـوتي أصدقائي جميعاً، سلام ربِّنا يسوع ومحبتـه تكون معكم أينما كُنتُم . قبل كُلِّ شيء أوَد أن أحييكم وأتمنَّى لكم كُلَّ الخير والبركة والمحبة والمُسامحة في هذه الأيام الأخيرة مِن الصوم الكبير ونحن نقترب مِن الأسبوع العظيم حيث إنَّ الأحد القادم هو يوم السعانين، أتمنَّى لكم اسبوعاً مباركاً مملوءاً مِن المسامحة واللقاء مع يسوع القائم من بين الأموات، المائت والقائم مِن الموت مِن أجل خلاصنا، أتمنَّى لكم اسبوعاً مباركاً مملوءاً من النِعم والبركات. هذه المقدمة رفعها المطران سعد سيروب الجزيل الإحترام بمناسبة اسبوع السعانين المبارك، وقبل أن يخوض ويُسهبَ في شرح التبشير ! وما وراء التبشير ولسيادتِه الشكر والتقدير.
ويسُرني جداً أن انقل لكُلِّ القراء الأعزاء بتصرُّفٍ صياغي لكلامِه المحكي المُسجَّل باللغة العربية الدارجة دون المساس بمعناه قيدَ أنملة ليطَّلع عليه الذين لم يستمعوا التسجيل وقد لم يفهمه المستمعون إليه حيث وضعه سيادة المطران سعد في إحدى وسائل التواصل الإجتماعي وهي ” الفيس بوك ” ولا أدري إذا قد وضعه في موقع تواصليٍّ آخر، وقد أعلِّق على ما ورد فيه مِن متناقضات أو قد أدع الفرصة أولاً لأيِّ راغبٍ في التعليق
عليه مِن السادة الأفاضل أساقفة الكنيسة الكاثوليكية او الأرثوذكسية أو كهنتهما.
يقول سيادة المطران سعد بأن بعض أصدقائه طلبوا مِنه أن يُحَدِّثَهم عن موضوع التبشير الذي ورد في خطاب البابا فرنسيس في المغرب ويُفسِّر لهم مقاصد البابا مِن ذلك الخطاب الذي هـزَّ مشاعر المسيحيين عامة وأقـلق أصحاب مواقع التبشير المسيحية العاملة على نشر بشارة الخلاص المسيحية ( الإنجيل المقدس ) والتعريف باسم يسوع القدوس لجميع الغافلين عن معرفتِه مِن الشعوب هذه المسكونة إضافةً الى إلقائه الحيرة في أذهان العابرين مِن ظُلمة الإسلام والإلحاد الى نور المسيح الساطع، وإليكم أدناه ما قاله بهذا الصدد.
وددتُ أن أُحدثكم عن الموضوع، فقد طلب مني بعض الأصدقاء أن أتكلم عنه وهو يخص موضوع التبشير الذي تطرَّق إليه البابا فرنسيس في خطاب القاه في المغرب قبل اسبوعَين مِن الآن لدى زيارته لمملكة المغرب وهي ثاني زيارةٍ لدولةٍ عربية خلال فترةٍ قصيرة بعد زيارتِه لدولة الإمارات العربية الرائعة، وفي فترة زيارتِه للمغرب القى عِدة خطابات حول علاقة الكنيسة بالدولة وعلاقتها بالأديان الأخرى، كما التقى بعدة مجاميع مِن
مسؤولي الدولة ومن المجتمع المدني ومن إيكليروس الكنيسة في المغرب وأجرى حِواراً مع بعضِها.
وفي الخطاب الديني المُوجَّه للإيكليروس المسيحي المتواجد في المغرب تَحدَّث البابا فرنسيس بكلام جميل جداً عن دور الكنيسة والإيكليروس في وضع أُسُس الحوار مع المجتمع الإسلامي والدين الإسلامي والأديان الأخرى مِما أثار الكثير مِن التساؤلات حيث تطرُّق فيه الى موضوع التبشير المسيحي، فاقتبست جزءاً منه وكالات الأنباء وشاشات التلفاز، وحاولوا أن يُثيروا نقطةً مُهِمة وهي أنَّ البابا قال: ” لا تُبشِّروا ” فاستُغِلَّ هذا القول وخرجت الكثير مِن المقالات تُعلن بأنَّ الكنيسة الكاثوليكية لا تُريد التبشير لمُسلمي الدول العربية، وإنَّ الكنيسة بالعموم هي ضِدَّ عملية التبشير وضِدَّ التبشير. وباعتقادي أنَّ هذا كان إخراجاً للنص مِن معناه العام وتشويه ما أراد البابا أن يقولَه بأنَّ التبشير هو واجبٌ مسيحيٌّ صحيح، والكثير من المعلِّـقـين على شاشات التـلفاز التبشير هو المأمورية العظمى على كُل مسيحي، وهذا ما قاله مار بولس الرسول مُبشِّر الأمَم ” الوَيلُ لي إن لم أثبشِّر ” والتبشير ايضاً هو وصية المسيح الرب ” إذهبوا وتلمذوا كُلَّ الأمم وعمذوهم باسم الآب والإبن والروح القدس ” متى28: 19 . فهناك إرسال كامل للكنيسة لتقوم بتلمذة وتعميذ الناس ودعوتهم او أن تُريهم طريق الخلاص طريق الله طريق المسيح الذي أراد أن يرسمَه في حياته وموته وقيامته وبه نخلص جميعا، والعمل هذا لا يُمكن للمسيح أن يتنصَّلَ عنه. بالعكس، التبشير هو جزء مِن حياتنا بأن نكشف محبة الله
ومسامحته وغفرانه، إنَّه واجب لا يُمكن التخلي عنه، الكنيسة واعية وداعية إليه منذ بدايتها ونشأتها.
فإذاً ما معنى الكلام الذي قاله البابا فرنسيس ؟ هناك فرق كبير ما بين التبشير وما بين اقتناص وحيازة الطرق لتحويل الى الديانة المسيحية. كلُّنا نحن الذين جئنا مِن البلاد العربية نفهم هذا الموضوع كثيراً، نعلم كيف أنَّ الضعف الإجتماعي، الضغط السياسي ، الحاجات الإجتماعية، هي مُسبِّبات لدفع الكثير مِن الناس الى تغيير ديانتهم وايمانهم وافكارهم والتحول الى ديانات اخرى. وكلنا نعي أن هذا الإيمان هو ايمان غير صحيح لأنَّه لا يقوم على الحرية ويقوم على الإختيار وليس ايماناً واعياً ذلك الإيمان الذي يتم على الضغط مهما كان نوع هذا الضغط سواءً كان اجتماعياً او عائلياً او سياسياً او قبلياً او عشائرياً. وإننا نعلم جيداً أننا قد عانينا من كُلِّ نوع مِن هذه الضغوطات نحن الذين عُشنا في مجتمعات الدول العربية ، ولا زالت الكنيسة تُعاني مِنه بأشكال شتى. ولكن ما نسميه الإقتناص والحيازة هو تضييق الخناق على الأفراد حتى يلجأوا للتحول الى الديانة المطلوبة، وهذا ليس مِن المسيح، والمسيح لم يعمل ذلك.. المسيح جاء مُبشِّراً ولكن لم يُثِر الناس على الإيمان، المسيح بَشَّرولكن لم يخلق فرصَ تضييق الناس على حياتهم حتى يأتون الى الإيمان، لم يستخدم المسيح التخويف او العنف ولا الترغيب لكي يجبر الآخرين ويجلبهم. عُنِّفَ المسيح ومورسَ عليه الكثير مِن انواع العنف والضعف ، ولكنَّه لم يرضَ وأبى أن يستخدم نفس الأسلوب في تخويف الناس وجلبهم إليه او اجتذابهم الى الآب، إنما اجتذبهم الى الآب بصلبه ” وانا متى ارتفعتُ أجذب الناس إليَّ ” هذا الإرتفاع هو ارتفاع الباذل
المائت مِن أجل خلاص الناس حُباً وغفراناً ومُسامحة.
التبشير عملٌ لا يُمكن أن نتخلّى عنه، إنَّه مغروس في وجودنا، متجذِّرٌ في حياة كُلِّ المسيحيين مِن خلال الطيبة والحب والعمل الصالح والخير. المجتمع المسيحي والكنيسة يُمثِّلان مثلاً صالحاً في علاقاتنا مع الآخرين وبهذا هو تبشيرنا. أما أن نُضيِّق الخناق على الآخرين بانتهاز الفرص لتحويلهم الى ديانتنا جالبين ما استطعنا منهم الى المسيحية ، هذا ليس مِن شِيَم الإنجيل ولا الكنيسة. لهذا أكَّدَ البابا فرنسيس في خطابه الموجه الى الإيكليروس في المغرب بعدم ممارسة ” الروتليتزم ” اي التحيُّن واقتناص الفرص فهذا مُجرد احتيال ايضاً وجودياً واجتماعياً على الآخرين حتى ندفعهم لكي يقبلوا او يظنوا أننا الأصح، وهذا لم يكن مطلقاً مِن المسيح. المسيح يملك الحقيقة لأنَّه هو الحقيقة ” انا هو الحق ” والحقيقة دائمة في حياته واعماله وموته وقيامته. نحن كمسيحيين مدعوون أن نعكس هذا في حياتنا مِن خلال محبتنا وغفراننا للآخرين. من خلال تعاملنا الطيب مع الآخرين وعلاقاتنا بهم نُنتِج تأثيراً عليهم. هذه العلاقات ليست مبنية او معمولة مِن اجل تحويل الآخرين الى ديانتنا لا. هذه العلاقات وهذا النوع مِن الوجود المسيحي الذي هو الوجود في الخير والطيبة ، هذا النوع مِن العيش لا يُريد مِنا تغيير الآخر. تغيير الآخر هو متروك إليه نفسه الى الله الهادي للجميع، فإنَّه يُهدي الإنسان الى طريق الحق والى اختيار الإنسان لحُريتِه. أما المسيحي فهو يعمل منطلقاً مِن هذا النبع الذي يملكه في
داخله، نبع الحب الذي اختبره في المسيح.
كلام البابا عن التبشير لم يكن ضِدَّ التبشير، وكان كلامُه عن التبشير صحيحاً وهو: أن نكونَ كنيسةً شاهدة ومعلمة ، يكون بوسعها إعطاء شهادة حقيقية، لا تُمارس ما يُمارسه الآخروون ضِدَّها ولا أن تجلب الآخرين بالقوة والتضييق الإجتماعي على الآخرين الى دينها، نحن لا تقبل شِيَمنا بهذا، يجب أن نترك الآخرين أحراراً، وعلينا نحن أن نعيش المسيح، أن نختبره، ان نُعطيه للآخرين عن طريق الحب من خلال علاقة الحب التي نعيشها. هذا هو معنى التبشير، الكثيرون سيقولون أنا هو في ذلك اليوم لا تُصدِّقوهم. بالكلام يقولون إننا للمسيح، لكننا بالفعل نحتاج الى مجهودٍ روحي نبذله على انفسنا وعلى علاقاتنا مع الآخرين، نحتاج الى توبةٍ ورجوع. كلام البابا يُعلمنا في النهاية مِن أننا كمسيحيين مدعوون أن نتشبَّه بالمسيح. المسيح لم يجبر أحداً، لم يُحاول حتى أن يُقنِع أحداً بالقوة والعنف ليدفعه أن يؤمن به، وحـتى تلاميـذه كان يُخيـِّرهم ويُعطيهم الفرصة دائـماً فـيما لو يرغبوا بالرجوع عن اتِّباعه، افـتـحوا انجيل يوحنا لتقـرأوا ما قاله المسيح لـرُسُلِه الإثني عشر الذين كانوا قد مكثوا معه وحدهم : ” أفلا تُريدون أن تذهبوا أنتم ايضاً ” يوحنا6: 67 . فيُجيبه سمعان بطرس
الذي يخلفه اليوم البابا فرنسيس ويقول ” يا ربُّ، الى مَن نذهب وكلام الحياة الأبدية عندكَ ؟ 68.
الكنيسة هي كنيسة مُبشِّرة : ولكنَّها مُبشرة بشهادة الحياة، بعملها، بتعليمِها، بالخير الذي تصنعه بالعالم. هي مُبشرة لأنـها تحملُ قوة كشف وجه المسيح للناس ليس بالقول، فإنَّ القول هو جزء مِن التبشير، والكلام الكثير يُمكن أن يُقال عنه كلام متناقض ايضاً. والكلام المسيحي الكثير يُمكن أن يُقال عنه بأشكال عِدة مِن على شاشات التلفاز وعلى الفضائيات. الكلام ليس إثباتاً ولا إقناعاً. الروح القدس هو الذي يُجري التغيير، فنحيا حياة المسيح ونعمل بوصاياه وهذا سيُعطي للعالم شهادة عن وجود وحضور في حياتنا. والله هو يُغيِّر الآخرين، الله هو يُغيِّر
الإنسان. نحن لن نصيرَ مثل الآخرين ولن نبتعِد عن المسيح هو وحده يتكلَّم عن الآخرين.
أجل، أنا أحترم كُلَّ العابرين واُقدر وأحترم ايمانَهم، ولكني احترم الإنسان وحُريتَه ايضاً، يجب علينا نحن المسيحيون ان يكون اسلوبُنا بالتبشير اسلوباً تعاضدياً مسالماً ” ها أنا أرسلكم كحُملانٍ بين الذئاب. الحَمَل صوتُه واطيءٌ، حياتُه متواضعة وايضاً مهضومة بسبب عنف الآخر، ولكنَّه بهذا النوع مِن الحياة هو يُغيِّر الذئب ويجعله يُصبح بالحقيقة أخاً وصديقاً. حتى نُغيِّـر الآخر، ليس علينا ان نُكلِّمَه عن المسيح، بل أن نعيش المسيح. الكنيسة الكاثوليكية هي مُبشِّرة وستُواصل تبشيرَها طيلة مسيرتِها الخالدة/ جامعات، معاهِد، رعاية الأيتام، اعمال خيرية . للكنيسة مؤسسات كاثوليكية في كُلِّ انحاء العالم، تقوم بالدور التبشيري، ولكن ليس ” بالروتليتزم ” الذي هو نوع مِن الإقتناص والإحتيال على الآخرين لـدفعِهم بطريقةٍ الى اعتناق الديانة المسيحية. هذا ليس مِن شِيَمِنا ولا مِن حضارتِنا ولا مِن ايمانِنا بالمسيح.
كيف اصبح مسيحيا