الى كاميران يونس اودو
رسالتي الاولى لك تعقب حادثاً جللاً فاجأنا وآلمنا، في رحيل والدك العزيز يونس، الذي اخالُ انه يفارقنا وهو في الثلاثينات من عمره، لانني لم احظ بلقائه منذ خروجي القسري من العراق قبل قرابة الثلاثين سنة.
عرفت والدك منذ صغري وكان مثالاً اقتدي به، وقد جلب انتباهي تلميذاً في معهد يوحنان الحبيب بالموصل في النصف الاخير من خمسينات القرن الماضي، اتذكر عندما كان يخرج واقرانه من كنيسة مار كوركيس في البلدة امثال: يوحنان جولاغ، عابد اسحق بدي، ابلحد عيسى غازي، وجلال متيكا حداد( حجي) وهم يعتمرون قلنسوات تلائم قميصهم ذي المربعات الطويل ويتوسطه حزام جلدي، لكنه لم يتواصل فخرج في صيف 1959 ليعود طالباً في ثانوية القوش. اتذكر عندما قام مع اصدقائه يونان حبيب طعان و جوزيف رحيم دمان بتحويل كهف صغير مجاور للكهف الاحمر( ﮔپا سموقا) الى غرفة صغيرة لها باب وعليها قفل وفي داخلها مساطب للجلوس وفيه معدات عمل الاكل والشاي وفي احدى الزوايا يركن مصباح نفطي، كانوا يبتعدون عن الضوضاء في محلة اودو الصغيرة! ليعدّوا دروسهم هناك. واتذكر عام 1963 عندما اعتقل بطرس اسخريا، حاول الرفاق الحيلولة دون ارساله مخفورا الى الموصل، فبادروا الى قطع الطريق امام السيارات بين الموصل والقوش وكذلك قطع اسلاك الهاتف الذي كان يخترق عقار القوش الى مدينة الموصل، مجموعة بطلة من الطلبة بقيادة الشهيد فؤاد شمعون ديشا، وكان والدك يا كاميران مع تلك المجموعة وقد تجمهروا امام بيت الشهيد فؤاد مقابل بيتنا في محلة التحتاني، في تلك اللحظات الفاصلة وامي كرجية تراقب الوضع، نادته ليأت اليها وبعد تردد اقبل، وما ان دخل البيت حتى اغلقت الوالدة الباب واحكمت اقفاله، وبذلك منعته من الخروج، فصعد الى السطح منزعجاً وهو يشاهد استعداد اقرانه لمواصلة المهمة، لقد كان ذلك سببا لعدم اعتقاله او هروبه الى الجبل، اذ ربما كان مستقبله ياخذ مساراً آخراً…
هكذا واصل طريقه النضالي بتعقل وحذر في فترة دراسته الجامعية وقد تعرض فيها الى ضغوطات شتى حتى وصل الامر الى تهديده بالقتل، وقد حدثني في حينها كيف حمّل احد افراد عصابات البعث عن اي سوء يلحق به وبحوزته صورة تجمعه مع ذلك العنصر وقال له: انه ابلغ اهله ان حدث شيء له فالذي في الصورة يتحمل كامل المسؤولية، وبذلك نجا من شر وشيك. تشاء الصدف ان يتعين مدرسا للرياضة عام 1968- 1969 في نفس الثانوية التي تخرج منها ، لقد اتصل بي العديد من تلامذته متأسفين على استاذهم بل صديق الجميع، فقد كان محبوبا في البلدة لما اتصف من دماثة الخلق وخفة الدم والاندفاع، فغداة اعلان بيان 11 اذار 1970 كان يونس في مقدمة مستقبلي مسؤول انصار القوش(انذاك كان اشعيا ايشو من سرسنك) كنت شاهدا عندما ناولهم النصير الراحل سالم اسطيفانا بندقيته ليتعاقب مع الاساتذة نجيب اسطيفانا ونوري سورو وسعيد نونا واندراوس قيا، في رمي اطلاقات الفرح بوصول مجموعة من المقاتلين الابطال ضد النظام البعثي المقيت.
في فترة السبعينات توالت ضغوطات البعث عليه، فنقل من مكان الى اخر حتى اجبر في نهاية السبعينات على انهاء دوره السياسي، بعد ان شن البعث حملته الشاملة على التقدميين في طول العراق وعرضه، ولكنه ظل محتفظا بأفكاره ومبادئه ما اسعفه ذلك، وتواصل ذلك الانسان الطيب النقي حتى انتهى به المطاف في النرويج وتمكن ان يزور الوطن مرتين خلال العقد الحالي، وكان يحلم بالعودة اليه حتى اخر مخابرة لي معه بانه يتوق العودة الى الوطن الحبيب.
كان والدك رياضيا بكل معنى الكلمة، فعندما كان طالبا في الثانوية كنت ارقبه لاعباً جيدا في كرة الطائرة، وعندما كان طالبا في كلية التربية الرياضية بمنطقة الوزيرية اعتاد ان يعمل في نادي جمعية المهندسين بساحة الاندلس، وتراه يعود بعد منتصف الليل الى البيت مشياً لوحده او مع عزيز او نيسان، وبالمناسبة كان يصعب اللحاق به في مشي المسافات الطويلة، حتى كان البعض يطلق عليه اسم طائر معروف برشاقته وحركته.
كان للوالد احترام خاص عند الرفيق الراحل توما توماس فكان دائم اللقاء به في فترات صعبة كان النظام البائد يحذر ويعاقب بشدة حتى من يقترب من بيت ذلك المناضل.
في فترة السبعينات عندما كان مسؤولاً رياضيا في النادي عرف بميولي نحو لعبة الشطرنج فكان ان جلب لي من احدى سفراته الى اوربا قطعة شطرنج كانت موضع اعتزازي وكذلك كان يجلب من بغداد او الموصل الكثير من الادبيات لانها لم تكن تتوفر في القوش انذاك فنطالعها بشغف، ومن الكتب الهادفة التي طالعتها من كتبه القليلة كتابين : الاول بعنوان( زوربا اليوناني) وهي رواية نيكوس كازنتراكيس الرائعة، والثاني بعنوان( هكذا تكلم زرادشت) للفيلسوف الالماني فريدريك نيتشه.
يا عزيزي كاميران لقد فارقك واخوانك وانتم في اعمار الشباب وكان دائم الحديث عنكم والقلق عليكم فكونوا عند حسن ظنه بكم وكملوا مشواره في التحصيل والتطور في المجال العلمي والاجتماعي ونحن نتشوق وننتظر اخباركم.اردت في هذه الرسالة ان اعمق معرفتك بالوالد يا كاميران وان تحل محله وتحقق ما لم يستطع تحقيقه في حياته التي شهدت الكثير من التقلبات السياسية والاجتماعية، وانت في بلد الاغتراب مما يلزم عليك اعباء اضافية في الاهتمام بوالدتك جميلة واخوانك مروان وغسان واختك كارولينا وعمك عزيز، وان تبقى على اتصال بالوطن الحبيب تسهر معه وتفكر فيه اذ ربما سيعود جيلكم يوما الى احضانه، وكما قال الشاعر:
فإن يكُ صدرُ هذا اليومِ ولّى
فإنَّ غداً لناظرِهِ قريبُ
خالي يونس يا كاميران، عاش سنواته الاخيرة في نأي وفي منطقة تغطيها الثلوج اكثر ايام السنة، لم يألفها ابن المنطقة المعتدلة ومن فيض العلاقات الاجتماعية التي ربما افتقدها في منفاه، كان يعوضها في غرف المحادثة الالكترونية، شبهته بطائر في داخل القفص، يطل بين الحين والحين فيخاطب العالم وهو يتألم لما آل اليه وضع الوطن والاهل، حتى صبيحة الاربعاء المصادف 2-6- 2010 ، حيث غلق الكوة الى الابد …. وارتمى على ارضية القفص … بانتظار القيامة….
nabeeldamman@hotmail.com
June 14, 2010
الصورة في القوش عام 1961
الواقفون من اليسار: يونس اودو- ودي- فضيلة- جميلة- سورية – كرجية ووداد- جلال
الجالسون من اليسار: كاتب السطور- عزيز- فريال – سليمة – فاضل- فرنسيس- دليله- عبد الاله- منصور شاشا
في حديقة بيتنا ربيع عام 1990
من اليمين: يونس اودو- شمي منصور ﮔولا- وداد- اناهيد- سولين
أحسنت وبارك الله فيك أخي العزيز
السيد لؤي فرنسيس المحترم، أؤيد الاخوة اعلاه واريد اضافة شيء الا وهو ان منطقة سهل نينوى التي يكثر فيها المسيحيين…
الأعزاء أودا و فرج اسمرو المحترمين نعزيكم بوفاة المرحومة المغفور لها شقيقتكم إلى الأخدار السماوية، أسكنها الله فسيح جناته الرحمة…
الراحة الابدية اعطها يا رب و نورك الدائم فليشرق عليها. الله يرحم خلتي مكو الانسانة المحبة طيبة القلب. مثواها الجنة…
Beautiful celebration Congratulations! May God bless Oscar and bless his parents and all the family and relatives