الأربعون من الأعداد التي لعبت أدواراً هامة عبر مسيرة شعب الله الخلاصية. فقد هطلت الامطار في طوفان نوح (50) أربعين يوماً تباعاً. وتاه بنو اسرائيل اربعين سنة في البرية بعد خروجهم من ارض العبودية. وصام موسى اربعين يوما في طور سيناء قبل ان يستلم لوحي الشريعة. وصام ايليا اربعين يوماً قبل ملاقاة الرب في طور حوريب. وتاب اهل نينوى ولبسوا المسوح اربعين يوماً فصرف الرب غضبه عنهم. وحددت الشريعة الموسوية اربعين ضربة لمعاقبة المجرمين، وفرضت ايضاً على التائبين ان يُقيموا اربعين يوماً في الهيكل. واعتزال ابن البشر اربعين يوما في البرية وهناك جاء إبليس ليجربه بمكايده الذي وعده باللذة وحب المجد وعبادة المال. لكن يسوع انتصر عليه وقال له: اذهب يا شيطان فإنه قد كتب للرب الهك تسجد واياه وحده تعبد. فهرب خذلاً إذ لم يستطع الايقاع بيسوع، كما فعل في بدء الخليقة عندما أسقط أبوينا الأَولين. وقد افتخر ملافنة كنيسة المشرق الكلدانية بهذا الانتصار الباهر. وترنم مار افرام النصيبيني بهذا الحدث الرائع بقوله:”هلم بنا الى الاردن أيها الخداع الذي قتلنا في عدن، وانظر جسدنا المطهر من المعاصي بالمعمودية، وأصغِ مع الجموع الى صوت الآب الذي يدعونا أبناء حبه. أغويتنا في عدن بأن نكون آلهة، وها قد تم لنا ذلك بالمسيح. سخرت بنا لمّا أُلقي رئيس قبائلنا من الفردوس الى منفاه، والآن ما عساك أن تفعله وقد صعد الى السماء وارتكز في العلاء. خُيِّل إليك أنه أصبح أكلة للموت النهم لما أكل الشجرة، فلقد خابت آمالك وكذبت أفراحك بعد موت وقيامة إبن جنسنا. إن الباسل الذي ناوشك القتال هو واحد منا، وقد خرج الى العراء وناجزك القتال، وكشف عن خدائعك شهوة الجسد وحب المجد واسم السلطة، تلك أسلحتك الشيطانية. وفيما انت شاكي السلاح بحيلك، عاجلك الفناء والدمار بكلمة من فمه الطاهر”.
ومن المعلوم أن هذا الصوم كان جارياً في الكنيسة منذ الاجيال الاولى، ففي العصور الاولى كان المسيحيون الاولون يستعدون لعيد الفصح بالصوم في الاسبوع السابق لعيد القيامة، ومنهم من كان يصوم يوما أو يومين وفي المجمع النيقاوي (51) المنعقد سنة 325 تم تحديد الصوم الاربعيني وفرضه على مؤمني الكنيسة.
أما كنيسة المشرق فقد فرضت الصوم الاربعيني على ابنائها منذ البدايات، وهذا واضح من مجمع مار اسحق المنعقد سنة 410 حيث جاء في قراراته:”نصوم سوية وفي وقت واحد صوم الاربعين يوماً صوماً كاملاً”. ويتضح من هذا أن الصوم كان موجوداً سابقاً، إلا أن هذا المجمع حدد وقته وشدّد أن يُعمل به في سائر الأبرشيات الخاضعة لكرسي المشرق.
ويصف لنا المؤلف المجهول (52) عن أيام الصوم في كنيسة المشرق بالقول: “يدوم الصوم أربعين يوما لا أكثر ولا أقل، أي ستة اسابيع في كل اسبوع ستة أيام. لأننا لا نصوم أيام الأحد، ويصبح المجموع ستة وثلاثون يوما، ويضاف إليها أربعة أيام من أسبوع الآلام. ويوم الجمعة تمثل نهاية الصوم، لذا نحتفل مساء الجمعة بقداس الفصح. أن الجمعة والسبت هما أيام الاحتفال بآلام المسيح، وليس جزءاً من الصوم الكبير. لكننا نصوم فيها لأنها ذكرى صلب المسيح. فتُصبح ايام الصيام إِثنان وأَربعون يوما. منها أَربعون يوما إحياء لذكرى صيام ربنا يسوع، إضافة الى يومي الجمعة والسبت التي فيها تألم ربنا ومات”.
وتصف لنا الترتيبات الطقسية أَن الصوم في كنيسة المشرق يبدأ من الغروب الى غروب اليوم التالي، وكان الصائمون يأكلون وجبة واحدة في العشاء، وكما يتبين ذلك من صلاة السوباعا “الشبع” التي كانت تتلى بعد ذاك العشاء.
وقد رتب آباء الكنيسة لهذا الزمن أوقاتاً للصلاة. فيستيقظ المؤمنون في هجعة الليل ليغوصوا في بحر التأمل بصلاة الموتوا “الجلوس وهي صلاة التاسعة أي منتصف الليل” التي تدعو إلى الرحمة والمغفرة. بعدها تبدأ صلاة قالا دشهرا “السهر” شكراً للإله الذي أنعم عليهم بنعمة التوبة. ومع شروق الشمس يصلون صلوثا دصبرا “صلاة الصباح”. ثم تتوالى نوبات النهار وهي صلاة القوطاعا “القطع وهي صلاة الثالثة أي التاسعة صباحا”، وصلاة عدّانا دبَلكه ديَوما “صلاة منتصف النهار، الساعة السادسة أي الثانية عشرة ظهراً” وصلاة المساء “صلوثا درمشا” وتعقبها الذبيحة الالهية. وبعد الطعام يُصلّون صلاة السوباعا “الشبع” أي الصلاة قبل الرقاد”. ومن خلال هذا الترتيب نجد أن فرض الصوم يحتوي دورة صلوات الساعات السبع الرهبانية.
هذه الدورة اليومية لزمن الصوم ومن خلال عمق لاهوتي للصلوات المستعملة فيه، ومن خلال التراتيل الشجية الآخذة بمجامع القلوب، تجعل النفوس تتهافت لسماع تراتيل التوبة، والعيوم تفيض دموعاً لمعانيها الغنية، والصدور تنفجر عواطف الحمد لدى تلاوة أيات الشكر، وأوتار القلوب ترتجف لأَلحان الرجاء والفرح بخلاص العالم”.
ومن خلال التمعن بالصلوات التي تُتلى في كنيسة المشرق خلال هذا الزمن المقدس، نجد اهمية الصوم في حياة ابناء هذه الكنيسة:”هوذا الصوم البهي كالملك قادم، فليجعل كل منا نفسه كالمدينة المزينة، ولننقِّ طرقاتها وشوارعها من الادناس والاقذار، ولنجمع افكارنا صفوفاً، ولنُقِم العقل قائداً لها احتفاءً بالملك القادم، ولنصرخ جميعا بطلب الرحمة والغفران”.
ونصلي في الأحد الأول من الصوم: “يا رب إن محبة الصوم الطاهر عمل صالح، به استحق موسى أن يقتبل الشريعة، وإيليا صعد في مركبة مضطرمة، ويشوع بن نون(53) المظفر أوقف سير الشمس لأنه أحب الصوم والقناعة، ودانيال سدَّ أفواه الاسود، والفتيان الثلاثة(54) أطفأوا اللهبات في اتون النار، فلأجل ذلك نحن ايضا نتضرع اليك أن ترحمنا”.
ونصلي في الأحد الثاني من الصوم: “هلم بنا يا أهل بيت الايمان لنكون نشطين في الصوم، لنجتني منه ثمار المحبة والرجاء والايمان، فإن الأَبرار الذين صاموه بنقاوة إنتصروا به، وفي ختام صومهم نالوا اكليل الغلبة”.
ونصلي في الأحد الرابع من الصوم: “جميل هو وبهي وشهي الصوم المقدس، وهو معين الخيرات وكنز اللذات والعقل الحامل بتذلل تواضعه، يلبس زينة العفة وجمال الطهارة، وبالقداسة يضيء مصباحه بزيت الرحمة، وتلبس النفس والجسد بهاءً ومجداً نظير الملائكة. هلم يا إخوتي نحمل نيره الطيب، لنلبس المجد في ظهور ربنا له المجد”.
وهناك ثلاثة أنواع من الاحتفال الاوخارستي خلال زمن الصوم الكبير، يُحتفل فيها كالآتي:
– أيام الآحاد:
وفيها يحتفل برتبة القداس كاملة بكل اقسامها، لأن يوم الأحد ليس يوم صيام، بل هو قيامة الرب.
– أسابيع الاسرار:
وتشمل الأسبوع الأول والأسبوع الرابع من الصوم الكبير. والأيام الثلاثة من الأسبوع السابع، وأيام الجمع خلال زمن الصوم. ويحتوي الاحتفال الاوخارستي على سائر عناصر القداس ما عدا رتبة التقديس، لأنه احتفال خاص بالتناول.
– الأيام البسيطة:
وهي رتبة تناول بسيطة كانت تجري بين صلاة المساء وصلاة الرقاد، وذلك في سائر الايام البسيطة للصوم الكبير.
ويمتاز طقس كنيسة المشرق على ثلاثة عناصر هامة خلال نهاية هذا الصوم هي:
أ- إعداد المؤمنين للاحتفال بأعياد القيامة المجيدة.
ب- إعداد الموعوظين للعماد، حيث كانت تُمنح لهم عشية عيد القيامة.
ث- إعداد التائبين لنيل الغفران والمصالحة التي تجري مراسيمها في سبت النور، حيث كان التائبون يقومون بأعمالهم التوبوية من صوم وصلاة خلال قترة الصوم الكبير.
وفي المؤتمر البطريركي العام للكنيسة الكلدانية سنة 1998 حُدِّد الصوم الكبير على الشكل التالي: “يكون الصوم الكبير في الكنيسة الكلدانية بالإِنقطاع عن اكل اللحم في الاسبوعين الأول والأخير، وبالانقطاع عن أكل اللحم خلال أيام الجمع ضمن هذا الزمن، والانقطاع عن الزفرين والصيام حتى الظهر في اليوم الأول من الصوم الكبير ويوم الجمعة العظيمة. ولا يجوز الاحتفال بالزواج في الأسبوع الأول والأسبوع الأخير من الصوم الكبير وليلة العيد الكبير”.
أحسنت وبارك الله فيك أخي العزيز
السيد لؤي فرنسيس المحترم، أؤيد الاخوة اعلاه واريد اضافة شيء الا وهو ان منطقة سهل نينوى التي يكثر فيها المسيحيين…
الأعزاء أودا و فرج اسمرو المحترمين نعزيكم بوفاة المرحومة المغفور لها شقيقتكم إلى الأخدار السماوية، أسكنها الله فسيح جناته الرحمة…
الراحة الابدية اعطها يا رب و نورك الدائم فليشرق عليها. الله يرحم خلتي مكو الانسانة المحبة طيبة القلب. مثواها الجنة…
Beautiful celebration Congratulations! May God bless Oscar and bless his parents and all the family and relatives