قاد الإنتفاضة التصحيحية المُباركة ضِدَّ تصلُّب البطريرك شمعون برماما وتعسُّفِه ثلاثة من الأساقفة ذوي الإرادة الصلبة هم: اسقف اربيل واسقف سلامس واسقف اذربيجان. دعا الأساقفة الإكليروسَ والشعبَ الى عقد مجمع عام وشامل لغرض استطلاع الآراء، فكان أن عُقِدَ اجتماع تمهيدي في الجزيرة أسفر عن قرار بعقد اجتماع موسَّع في مدينة الموصل، فتوافد إليه عددٌ كبير من منتسبي الإكليروس والعلمانيين من كافة المناطق مزوَّدين بوثائق تخويل من قبل الشعب المؤمن الذي اعتبرهم مُمثِّلين له. فتقرَّرَ في هذا الإجتماع اختيار شخص ذي مُمَيَّزات جديرة تؤهله لتحمُّل أعباء الرئاسة العليا للكنيسة والقيام بها على أكمل وجه. وعند البحث عن الشخص المؤهل لينتخبوه، توجَّهت أنظارُ الأساقفة نحو دير الربّان هرمزد القريب من القوش، حيث رأوا في رئيسه الأنبا يوحنان سولاقا الشخص الأنسب والأجدر لهذا المنصب الرفيع لِما يتمتع به من درايةٍ وحكمةٍ وعلمٍ وتقوى، وايَّدهم المجتمعون بالإجماع. فمَن هو سولاقا؟
إنَّه أحدّ إبنَي دانيال الذي ينتمي الى عائلة بلو من سكّان مدينة عقرة التابعة للموصل، وُلد سولاقا عام 1513م، ونما وترعرع في أحضان عائلته المسيحية المتميِّزة بالتقوى والفضيلة والرصاتة في الحياة. وبحسب تقرير للمطران ايليا أسمر الذي رفعه الى الكرسي الرسولي عام 1581م، يُشير المطران أسمر بأنَّه كان لسولاقا بالقليل اخ واحد يُدعى يوسف، وبعد الكهنوت منحه البطريرك عبديشوع خَلَفُ سولاقا الدرجة الأسقفية، وأرسله والمطران ايليا وآخرين الى الهند. توفَّر لدى سولاقا ميل الى الحياة الرهبانية وهو يافع صغير السن، فانخرط في دير الربّان هرمزد، وكان عدد الرهبان فيه آنذاك بحدود الخمسين راهباً.
واظب سولاقا على ممارسة التقوى والفضيلة، وبعد فترة رُسم كاهناً، ولم يلبث أن انتُخِبَ من قبل الرهبان رئيسا لهم عام 1540م وله من العمر سبعة وعشرون عاما، وما دفعهم الى انتخابه كان ما لمسوه فيه من روح انجيلية وقابليةٍ إدارية ونكران ذاتٍ فريدة. استمرَّ على رئاسة الدير طوال إثني عشر عاماً، مؤدياً واجباته بدِقةٍ متناهية هادفاً أن يتخذ منه رهبانُه قدوة ومن إرشاداته وتوجيهاته فائدة. وكان سولاقا مغتبطاً بحياته الرهبانية، يقود رهبانه في طُرق الخلاص، وفجأةً يُناديه الروح القدس ليترك خلوته اللذيذة ويعهد إليه بمسؤوليةٍ كنسية كبرى، يخوض من خلالها مُعترك الحياة العامة بكُلِّ تداعياتها. فلما أسفرت آراء الأساقفة ومراتب الإكليروس والمؤمنين العلمانيين المجتمعين في الموصل عن انتخاب سولاقا بالإجماع، اوعز الآباء الأساقفة بتشكيل وفدٍ لإحضاره الى الموصل، وجرى ذلك في أوائل عام 1552م.
سولاقا يتفاجأ!
كان وصول وفدِ مجمع الموصل الى دير الربّان هرمزد مفاجأة مذهلة لسولاقا، صعق لها حين أبلغه الوفد بقرار المجمع. فأخذت الصفنة من سولاقا وهاله تحمُّل هذه المسؤولية الجسيمة وأحسَّ بخطورة الوضع وهو الإنسان الذي لم يخطر بباله أيَّ شيءٍ عدا الحياة الرهبانية ذات الجو الهاديء البعيد عن صخب العالَم ومساوئه، والتي هفا إليها بكُلِّ جوارحه ومنذ نعومة أظفاره. وبعد مشاورة الذات ابلغ سولاقا وفد المجمع رفضه للمهمة وطلب من الوفد نقل موقفه الرافض الى المجمع. بيدَ أنَّ المجمع تمسَّك باختياره لسولاقا، وبعث إليه بوفدٍ آخر لإقناعه بالنزول عند رغبة الشعب المسيحي. وكرَّرَ سولاقا رفضه وناشد الوفدَ نقل رجائه الى المجمع بإعفائه من هذه المسؤولية الضخمة. وكان الرفض الثاني هذا مدعاة لزيادة القناعة لدى آباء المجمع بعُمق فضيلة هذا الكاهن العظيم وتواضعه، فازدادوا بدورهم إصراراً على قرار انتخابهم له، وأرسلوا إليه وفداً ثالثاً ليأتوا به، وخوَّلوا أعضاء الوفد في حالة رفضه عليهم الإتيان به عَنوةً. وفور وصول سولاقا عقد المجمع جلسة، وما إن دخل المُنتخب حتى تعالت الهتافات تأييداً وترحيباً. فلم يكن بوسع سولاقا إلا الإذعان للمشيئة الإلهية. تُرى، ألم يكن انتخاب راهبٍ بسيط للسُدَّة البطريركية بُرهاناً ناصعاً لنزاهة هذه الإنتفاضة المباركة وصُدق نوايا القائمين بها خالية من المصالح الشخصية وإنما لخير الكنيسة وتقويم مسيرتها!
بدء مهمة سولاقا
عمَّ الفرحُ الجميعَ بقبول سولاقا باختياره لمنصب البطريرك، وبحسب الخطة المرسومة تقرَّرَ إرسالهُ الى روما، ليُرسمَ اسقفاً ثمَّ يُقام بطريركاً ويُزوَّد بالتأييد والتثبيت من قبل الحبر الأعظم البابا يوليوس الثالث الجالس سعيداً آنذاك. فشكَّل آباء مجمع الموصل وفداً من ثلاثة أشخاص ذوي الجاه هم: توما وآدم وخلف لمرافقة سولاقا في رحلته الى روما، وكان خلف أحد وجوه الجزيرة. وقام آباء المجمع بتزويد سولاقا بوثائق ثبوتية رسمية تتضمَّن إحداها شجباً لقانون توريث المنصب البطريركي والثانية التماساً الى الحبرالأعظم ليرسم لهم سولاقا بطريركاً شرعياً تنضوي تحت سلطته كنيسة المشرق بأسرها، ويُخوِّله حقَّ منح الرتب الكنسية، وسلطان الحل والربط وفق أحكام الآباء والقوانين الكنسية. ولدى مغادرة سولاقا والوفد المرافق له الموصل في شهر آذارعام 1552م خرج جمهور كبير من المؤمنين لتوديعهم، وكان يُرافق الوفد سبعون رجلاً من الكلدان أرادوا الحجَّ الى اورشليم ومن ضمنهم كما ذكر شموئيل جميل في (رسالة السبعين ص 476) عددٌ من الكهنة والشمامسة.
إنَّ قول بعض الآباء بأنَّ غاية قادة التيارالإصلاحي لم تكن الإتحاد مع روما بل الحصول على أبٍ ورئيس صالح وشرعي، لا يمُتُّ الى الحقيقة بصلة، فلو كان هدف لجوئهم الى روما لرسامة مبعوثهم سولاقا لتبريرعملهم وإضفاء الشرعية القانونية عليه لاستعانوا بأقرب كنيسةٍ شرقية من كنائس أنطاكيا ليحصلوا على هذا الأمر ويتجنبوا مصاعب السفر وأهواله، أما استناد هؤلاء الآباء الى فحوى الرسالة التي وجهها قادة الإصلاح الى بابا روما، فكانت بحد ذاتها غير واضحة ومُبهمة انطلى فهم منطوقها على المسؤولين في روما، وخاصة ما يُشير الى وفاة شمعون برماما الذي كان يُقصَد بها وفاةً روحية وليس جسدية. إذاً نقول: بأن هذه الحركة كانت تتويجاً للحركات العديدة التي دعا إليها الكثير من العلماء والآباء الكنسيين للعودة الى المُعتقد القويم والإتحاد مع كنيسة روما الجامعة بدءاً من مُبادرة العالِم الكبير واللاهوتي الشهير حنانا الحِديابي رئيس مدرسة نصيبين الشهيرة في الربع الأخير من القرن السادس، ومروراً بمبادرتي البطريرك سبريشوع الخامس المسيحي 1226-1256 والبطريرك العظيم مار يَهبَلاها الثالث 1282-1317.
يذكرالبطريرك عبديشوع خَلَفُ سولاقا في معرض وصفه الرحلة الطويلة لسولاقا ومرافقيه، ولا بدَّ أنَّه استقى معلوماته من سولاقا نفسه أو من مرافقه خَلف الوحيد من بين المرافقين الثلاثة الذي وصل بمعيته الى روما. أما الإثنان فقد مات أحدُهما في الطريق وتعذَر على الآخر مواصلة السفر بسبب المرض فتُرك في إحدى محطات الإستراحة. ومن خلال سرده يُعدِّد الأماكن التي زارها الوفد في فلسطين، وفي فترة مكوث الوفد في القدس التقى سولاقا بحارس الأراضي المقدسة الفرنسيسكاني وكان ايضاً ممثلاً للكرسي الرسولي في الشرق واستحصل منه على رسائل توصية وعلى رسائل اخرى من الأب بولس رئيس دير الرهبان الفرنسيسكان. ويسترسل عبديشوع في سرده، بأن سولاقا أمضى فترة عيد القيامة في القدس، ثم غادرها مع مرافقيه الثلاثة، وكان الحجّاج السبعون الذين قدموا معه في توديعه وزوَّدوه برسالةٍ الى الحبر الأعظم تضمَّنت التأكيد على مطالب الشعب في اجتماع الموصل.
وصل سولاقا ومرافقوه الى ميناء يافا بعد مسيرة امتدَّت يوماً كاملاً، وواصلوا مسيرتهم بحراً الى دمياط ومنها الى بيروت وفيها أمضوا عيد العنصرة. ثمَّ واصلوا رحلتهم الى قبرص، رودس، كريت ووصلوا اخيراً الى مدينة البندقية الإيطالية فمكثوا فيها عشرة أيام زاروا خلالها كنائسها الشهيرة. ومن هناك غادروا عن طيق البحر ثمَّ عن طريق البر مجتازين مدناً عديدة وكانت المرحلة الأخيرة الوصول الى روما يوم الجمعة 18 تشرين الثاني عام 1552م. وقد أعِدَّ لسولاقا استقبال حافل في روما وبالغوا في العناية به وخصَّصوا له مكان إقامة قريب من الفاتيكان. فزالت عن سولاقا الحيرة التي كانت تساوره بالتشجيع الذي تلقاه والإكرام الذي أحيط به، فنسي التعب الذي تجشَّمَه خلال رحلته التي أخذت من الزمن نحو ثمانية أشهر، فشكر الله طويلاً وأمام ضريح القديس بطرس رفع الدعاء الى الرب مُلتمساً مساعدته في تحقيق نجاح العمل الذي أقدم عليه وقدِمَ الى روما من أجله.
مكوث سولاقا في روما
يروي شموئيل جميل في (رسالة السبعين ص 477-479) بعد إعطاء سولاقا وقتاً ليأخذ قسطاً من الراحة امتدَّ ثمانية أيام، بدأ دور اتخاذ الإجراءات القانونية، فجرى التحَرّي الدقيق عن شخصه ومُعتقدِه والهدف من مجيئه. ولكون سولاقا يتحدَّث بالعربية فقد استعين بترجمان لنقل كلامِه وأجوبته الى اللغتين الإيطالية واللاتينية. واستغرقت عملية التحقيق والتدقيق شهرين ونصف أي الى 15 شباط عام 1553م حيث قام سولاقا بتقديم صورة ايمانه للمرة الأولى. وارتأى الكاردينال”مافي” أن يُعرضَ الأمرُعلى المجمع البابوي “كونسيستوار” وتمَّ ذلك في 18 شباط، لكنَّ المجمع رأى الأمرَ بأنه يُمثِّل مسألة خطيرة فأجَّل البتَّ فيها.
عودة يوحنان سولاقا الى المشرق
بعد انتهاء البطريرك يوحنان سولاقا ” شمعون السابع حسب تصنيف روما” من مهمته الرسمية في روما، مَدَّدَ بقاءَه فيها فترة إضافية قصيرة رغبة منه في زيارة كنائسها ومعالمها الأثرية، ومن ثمَّ يُسرع في العودة الى بلاده دون أن يدري ما يُخبئُه له المستقبل. ولم يفُت سولاقا أن يُعَزِّز اواصر الصداقة مع عددٍ من المسؤولين الكنسيين الرسميين الكبار. وقيل بأنَّه فكَّر مَليّاً بزيارة لشبونة عاصمة البرتغال ما دام قريباً منها في ايطاليا ليلتقي بالملك البرتغالي ويتفاوض معه بشأن الكلدان الملَّباريين، ويُمهِّد لزيارة يقوم بها للهند في وقتٍ لاحق. غير أنَّ حراجة الوقت وغيابه الطويل عن الوطن اضطرّاه للعدول عن الخطة وتركها لوقت آخر في المستقبل، وفي تلك الأثناء التقى سولاقا السفيرَ البرتغالي في روما “الفونس لانكستر” وحصل منه على رسالة توصية الى نائب ملك البرتغال في الهند بهذا الشأن.
وفي شهر تموزعام 1553م غادر البطريرك سولاقا ومُرافقوه روما، بعد قيامه باستئذان قداسة البابا وتوديعه، فشكره على الحفاوة التي أحيط بها من قبل المسؤولين الكنسيين، فأكرمه الحبرالأعظم يوليوس الثالث، واسبغ عليه هدايا نفيسة، من ضمنها تاج بطريركي مذهَّب وحُلَّة التقديس مذهَّبة وكأس وصينية مطليتان بالذهب، وبحسب قول شموئيل جميل نقلاً عن المطران ايليا أسمر (كتاب العلاقات ص 485) بأنَّ الهدايا كانت أربع حُلَل تقديس كهنوتية عدا مصاريف السفر. ثمَّ ودَّع لفيفاً من الكرادلة وأصدقاءَه الذين حضروا لتوديعه. ضمَّت القافلة البطريرك سولاقا ومرافقه خلف، وامبروسيوس ممثل الكرسي الرسولي ومساعِدَيه انطونيو زاهرا ومتي الكاهن. واتخذوا طريق البَر، حيث وصلوا مدينة البندقية ومنها عبروا الى بلاد الصرب متوجِّهين صوب القسطنطينية، تخلَّلت الرحلة فترات استراحة عديدة.
ولما وصل بهم المطاف العاصمة العثمانية رغب البطريرك سولاقا بمقابلة السلطان سليمان الأول القانوني ليبحث معه في شؤون شعبه. وإذ لم يكن السلطان في العاصمة في تلك الأثناء، أخذ الوفدُ طريقه الى مدينة آمد “دياربكر” التي عزم البطريرك سولاقا جعلَ مقرِّه البطريركي فيها. وكان وصولُهم صباح الأحد الثاني من تقديس البيعة المصادف في 12 تشرين الثاني 1553م. دخل البطريرك مدينة آمد دخول القائد الظافر، وقد أُعِدَّ له استقبال حافل وكانت بهجة المستقبلين لا توصف، بحيث لم يسع البطريرك إلا أن يبعث بعد فترة من حلب رسالة الى البابا يوليوس الثالث، وصف فيها سرور الشعب بمقدمه والإستقبال البالغ الروعة الذي هُيِّءَ له في آمد. وتُليَت رسائل البابا على الشعب فتقبَّلها بفرح كبير، وباشرت جميع الكنائس التابعة لسولاقا، تذكر اسم البابا واسم البطريرك الجديد سولاقا في صلاة المناداة الطقسية.
مؤامرة بَرماما الخبيثة
كان عام 1552م مفصلياً في مسيرة الكنيسة الكلدانية النسطورية، فيه عَمَّ الفرحُ الآلافَ المؤلفة مِن أبنائها، وانتاب الحزن والهلعُ البطريرك النسطوري شمعون السادس بَرماما وزُمرتَه الضئيلة المتزمتة التي ارتضت العبودية للعشيرة الشمعونية والتقوقع في بودقة الهرطقة النسطورية، إذ أحدثت الحركة التصحيحية المباركة التي ولدت من رحِم الكنيسة ثورة هادئة وحاسمة، نالت تأييداً وقبولاً واسعاً من قبل الشعب الكلداني باختلاف فصائله، كما لقيت تأييداً من السلطات العثمانية الحاكمة. ارتعدت فرائس برماما خوفاً من قوة هذه الحركة، ورأى فيها خطراً كبيراً وجاداً يكتسح كُلَّ مشاريعه المصلحية ويقوِّض دعائم إدارته الإستبدادية الغاشمة، حيث كان الشعبُ المسيحي كُلُّه مستعبَداً ومسخَّراً لخدمة عائلته ومصالحها، استمرَّهذا البطريرك على نهجه الجائر وازداد التململُ بين الشعب حتى تحوَّلَ الى استياء دفع الأساقفة الذين انضموا الى الإتحاد الإيماني مع روما لشجب تصرفاته التعسُّفية علناً، واتهامه بالسيمونية(شراء المنصب بالمال) والإستيلاء على اموال الأديُرة وعدم رسم رعاة للأبرشيات، وقد أشارت قصائد البطريرك عبديشوع خَلَفِ شمعون سولاقا الى بعض انتهاكات إدارته السيئة، ومن الأمور التي استهجنها بشدة الأساقفة والشعب، قيامه بمنح صبيَين يافعَين من أبناء عشيرته درجة المطرانية، أحدهما لم يتعدَّ عمرُه الخمسة عشرعاماً والآخر عشرة أعوام، علاوة على إخلاله بالشرعَين الطبيعي والكنسي عن طريق سماحه بعقد زيجات غير قانونية.
إنَّ الهواجس المخيفة التي سيطرت على البطريرك بَرماما، جعلته هيستيرياً فصمَّمَ على مُحاربة مسيرة الإتحاد بكُلِّ السبل والوسائل لإعاقة تقدمها ووضع العراقيل في طريقها، فهدَّدَ الداعين إليها والإنتقام من قادتها وفي مقدِّمتهم البطريرك شمعون سولاقا لولب الحركة الذي لا يهدأ، فدبَّر له مكيدة شنيعة لا يُقدم عليها اكبرُ محترفٍ للإجرام عن طريق تقديمه رشوة مُغرية جداً لباشا العمادية للقضاء بتصفيته جسدياً بعد إذاقته أمَرَّ العذاب.
استشهاد البطريرك سولاقا
كان للبطريرك بَرماما معرفة وصداقة بباشا العمادية، بحكم نقل بطاركة الكنيسة الكلدانية النسطورية من آل أبونا مقرَّ إقامتهم الى القوش منذ بدايات القرن السادس عشر، ولم يلبث بعد ذلك إلا فترة قصيرة حتى نقلوه الى دير الربّان هرمزد القريب من القوش. وموقع هذا الدير كان ضمن المنطقة التابعة لولاية باشا العمادية إدارياً، وفكَّر بَرماما بأنَّ الطريق الأضمن للتخلُّص من غريمه البطريرك سولاقا هو التفاوض بشأن القضاء عليه مع “حسين بك الكردي باشا العمادية 1543-1574م” فرشاه بمبلغ كبير من المال قدره 10.000 دينار (بطرس نصري/ذخيرة الأذهان ج2 ص 143). فعمل الباشا على استدراج البطريرك سولاقا للقدوم الى العمادية لكي يؤديَ زيارة لكلدان تلك المنطقة، فاعتذر لإنشغاله بأمور اخرى مهمة ولكنه وعد الباشا بالقيام بالزيارة بأقرب فرصة. وعندما أوفى بوعده ووصل الى تلك المنطقة، تفاجأ بإلقاء القبض عليه وزَجِّه في السجن، قبع فيه لمدة أربعة أشهر قاسى خلالها الأمَرين من صنوف العذابات نفسياً وجسدياً (شموئيل جميل/ ص 486) ويعزو شموئيل جميل في (الصفحة489) بأنه لا يُستَبعَد أن يكون الهدف من وراء هذا العذاب القاسي والطويل، هو للتأثير عليه وحمله للعدول عن حركته والقبول برئاسة برماما. وإذ وجدوه صامداً في ايمانه بقناعةٍ وثبات، قاموا برَميه في بئر وتركوه فيها طوال أربعين يوماً، ووصل به الحال من السوء الى درجة كاد فيها يقضي نحبَه. ويُضيف شموئيل: وفي النهاية أمر الباشا الجائر زبانيته أن يُخرجوه من البئر ويُصعدوه الى الجبال القريبة من العمادية، وبسرِّيةٍ تامة يقضوا عليه خنقاً، ثمَّ يُشيِّعوا عنه بأنه قد هرب من السجن. ونفَّذوا أمر الباشا وأخرجوا سولاقا من البئر وربطوه بحبل ووضعوه في كيس، والبعض قالوا لَفّوه بعباءة، ونقلوه الى جبال وعرة منعزلة تقع جنوب شرقيِّ العمادية ورموه في بحيرة موجودة بين تلك الجال وهو لا زال فيه رمق من الحياة، والبحيرة قريبة من دير مار ساوا.
بهذا الشكل الوحشي قضى الوحوش البشرية على هذا البطريرك الجليل بتحريض إجرامي وإغراء مادي من قبل الزعيم العشائري البطريرك النسطوري شمعون السادس بَرماما، وذلك في 12 كانون الثاني عام 1555م، لم تتعَدَّ مدة قيادته الفعلية للكنيسة الكلدانية العام الواحد وشهرين. وفي نعيه للبطريرك الشهيد، كتب المطران أمبروسيوس بوتيكيك الى البابا يُنبِئُه بوفاة البطريرك سولاقا فقال ما يلي: <إنَّ بطريركنا شمعون سولاقا قد مات… لقد استُدرج البطريرك سولاقا المسكين للوقوع في ايدي أعدائه، فأساموه من أنواع العذاب ما لا يُذيقه الجلادون لأعدائهم، إلا أنَّه، وإن فقد جسده، فإننا نأمل وبعد أن أضحى شهيداً للمسيح، أن تتمتَّع نفسه في السماء…> أما المطران ايليا أسمر فيؤكِّد <إن أعاجيب قد جرت في موته كما يشهد الأتراكُ أنفسُهم>. للمزيد عن حياة سولاقا واستشهاده إقرأ كتاب (شهيد الإتحاد ط. الموصل 1955م) للمطران راقائيل ربّان مطران كركوك الأسبق. طُبِعَ بمناسبة مرور 400 سنة على استشهاد سولاقا. والى الجزء الثاني والثلاثين قريباً.
وبعد استشهاد البطريرك شمعون يوحنا سولاقا، اعتقد البطريرك النسطوري شمعون بَرماما، بأنَّه أصبح الوحيد في الميدان لكي يكون رئيساً أوحد على الكنيسة الكلدانية النسطورية بعد عودة المياه الى مجاريها المُلوَّثة كالسابق، ولكنَّ اعتقادَه هذا كان في غير محلِّه ولم يكن إلا أضغاض أحلام لا غير. إذ فور انتشار خبر اغتيال البطريرك سولاقا، عقد أساقفة الكنيسة الكلدانية المتحدة مع روما اجتماعاً في مدينة آمد”دياربكر” وقرَّروا انتخاب خَلَفٍ له، فانتخبوا عبديشوع مطران الجزيرة باسم عبديشوع الرابع مارون. 2– البطريرك عبديشوع الرابع مارون 1555-1567م
هوعبديشوع بن يوحنان من آل مارون، البطريرك الثاني للكنيسة الكلدانية الكاثوليكية بعد استشهاد بطريركها الأول مار يوحنان سولاقا. كان راهباً في دير الأخوَين أحّا ويوحنا الواقع بالقرب من قرية المنصورية في منطقة الجزيرة. رسم كاهناً في الدير، ثمَّ رسمه البطريرك سولاقا في 27 كانون الثاني 1554م مطراناً على الجزيرة في كنيسة مار فثيون. يقول بطرس نصري عنه (ذخيرة الأذهان ج2 ص 143) بأنَّه أدار شؤون أبرشيته بقدر كبير من الهمَّةِ والنشاط، وكان يُتقن بمهارةٍ اللغتَين الكلدانية والعربية. في السنوات الأخيرة من عُمره، اتَّخذ البطريرك عبديشوع من دير مار يعقوب الحبيس القريب من مدينة سعرد مقرّاً لإقامته بدلاً من مدينة آمد تجنُّباً من مُضايقات ومؤامرات خصومه الكلدان النساطرة، وتوفي فيه عام 1567م.
إن الكلدان النساطرة الذين استمرّوا في خدمة بطاركة أل أبونا ويُطيعونهم طاعة عمياء، استمالوا إليهم الأكراد بطريقةٍ وباخرى، وأوغروا صدورهم بالحِقد على الكلدان المتحدين ايمانياً مع روما، وتعاونوا معاً على معاداتهم بشتى الطرق والأساليب، فكان على البطريرك عبديشوع أن يجابه الصعوبات التي يتعرَّض لها رعاياه بكُلِّ حكمةٍ وجرأة، الى جانب صِدامه مع البرتغاليين في الهند الذين كانوا يبذلون جهوداً كبيرة لإحباط مساعيه في إقامة أبرشيةٍ كلدانية متحدة في ملَّبار الهندية، حيث كان البرتغاليون يسعون الى صهرالكلدان المتحدين مع روما ايمانياً فقط وإخوتهم الكلدان النساطرة في بودقة اللاتين عن طريق تغيير طقسهم الكلداني الشرقي وفرض طقسهم اللاتيني عليهم. ويروي الأب بطرس نصري في (ذخيرة الأذهان ج2 ص147) بأن البطريرك عبديشوع قام برسم شخص يُدعى ابراهيم اسقفاً وأرسله الى ملَّبار ليسد الفراغ الذي تركه سفر اسقفها يوسف سولاقا في مهمَّةٍ الى روما. ولدى عودة يوسف سولاقا الى الهند وقع خلاف بين الأسقفين يوسف وابراهيم، فاحتاج الأمرُ الى تدخل روما، فأوعزت روما الى البطريرك عبديشوع أن يُحدِّد لكُلٍّ من المطرانين أبرشية خاصة به لكي يُحسم النزاع. وجاء في (خلاصة تاريخية للكنيسة الكلدانية/ للكاردينال تيسيران/ ترجمة القس سليمان الصائغ ص 111) بأن يوحنا باتيست ممثل الحبشة في روما، اوفد الى الشرق كزائر رسولي، وقد اخبر البابا بيوس الرابع البطريرك الكلداني عبديشوع الرابع بذلك في رسالته إليه بتاريخ 23 شباط عام 1565م، ولكنَّ شيئاً لم يُعرف عن قيامه بزيارة فعلية للشرق أم لا. وإنما عُرف بعد فترة مطراناً على الجالية الحبشية في قبرص.
أحسنت وبارك الله فيك أخي العزيز
السيد لؤي فرنسيس المحترم، أؤيد الاخوة اعلاه واريد اضافة شيء الا وهو ان منطقة سهل نينوى التي يكثر فيها المسيحيين…
الأعزاء أودا و فرج اسمرو المحترمين نعزيكم بوفاة المرحومة المغفور لها شقيقتكم إلى الأخدار السماوية، أسكنها الله فسيح جناته الرحمة…
الراحة الابدية اعطها يا رب و نورك الدائم فليشرق عليها. الله يرحم خلتي مكو الانسانة المحبة طيبة القلب. مثواها الجنة…
Beautiful celebration Congratulations! May God bless Oscar and bless his parents and all the family and relatives