الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن / الجزء الخامس والعشرون
البطريرك وأرَغون
وكان أرغون قد إستمَرَّ على انتهاج مُعاملةٍ جيدة نحو المسيحيين، كما كان أيضاً البطريرك يَهبَلاها بدوره على اتصال مستمر مع الملك والأمراء وكانت ثقتُه بهم وطيدة، وساعدت هذه الأجواءُ البطريرك أن يقوم بهدم كنيسة مار شليطا في مراغا وتشييد اخرى جديدة ذات جلال وابَّهة وشيَّدَ بجانبها مَقرّاً لإقامَته. وكانت فكرة الإستيلاء على سوريا وفلسطين تُراود الملك أرغون، وفي أحد لقاءات البطريرك به كشف له عن رغبتِه هذه وطلبَ إليه أن يجد له رَجلاً حكيماً وقادراً على القيام باداءِ مهمة الوفادةِ الى ملوك الغرب المسيحيين بجدارة، لإقناعِهم بمُـساعدته، فلم يَرَ البطريركُ أفضلَ مِن الربان صوما للقيام بذلك. وسُـرَّ الملك بإختيار البطـريرك، فزوَّدَ الربان صوما بالمال والهدايا للملوك، وكذلك فعل البطريرك حيث حَمَّله رسائل وهدايا للبابا، واُحيط الربان صوما بحاشيةٍ كبيرة مِن الأشخاص لتُرافقه في رحلَتِه.
رحلة الربّان صوما
بدأ السفرُعَن طريق البَر حتى البحر المتوسط، ثمَّ عن طريق البحر وصولاً الى القسطنـطينية وفيها حَظيَ الربانُ صوما بمقابلة الملك “اندرونيقس الثاني”. قام الربّان صوما بزيارة الكنائس ومِن جُملتها كنيسة “آياصوفـيا” التي أذهلته برونقِها وجمالِها الهندسي. ثمَّ قصد نابولي عن طريـق البحر ومِنها انتقل الى روما، ولما كان البابا قـد وافاه الأجَل في تلك الأثناء، فقد إستقبله الكرادلة وشرح لهم الهدف مِن زيارته. وفي اليوم الثالث مِن وصوله إستدعاه مجلسُ الكرادلة، وبعد أن أظهر الكرادلة إستغـرابَهم بالقول كيف أن راهباً مسيحياً يضع نفسَه في خِدمة ملكٍ مغولي، فرغبوا في فحص الإيمان الذي يُقرُّ به سفيرُ امَّةٍ إرتعـدَ العالمُ مِنها. فوَجَّهوا إليه عِدة أسئلة مِنها: مَن هـم الرُسُل الذين بشَّروا منطقة الشرق، فكان جوابه مُفعماً بالبـساطة والعفوية <إنهم مارتوما ومارأدي ومارماري، ولا زلنا متمسكين بالطقوس التي أسلموها لنا> وسرد لهم كيف انتشرت المسيحية بين مختلف الأمم الشرقية ووصلت الى بلدان الصين الداخلية، ثمَّ طلبوا مِنه أن يتلو صورة ايانه، ففعل ومِما أورده أنَّ <في المسيح طبيعتين واقنومَين لشخصٍ واحد>. ولم يبدُر من الكرادلة اعتراضٌ على ايمان الربّان صوما بخصوص المسيح رغم غموضِه بالنسبة اليهم، إلا أنهم وبسبب انشغالهم بالجدال مع الروم المنشقين حول انبثاق الروح القـدس. جاء رفضُهم للإقرار الذي تلاه صوما وشجبوه بسبب هذه النقطة. ولما أرادوا الإسترسال في الأسئلة عَن عقائد اخرى مثل عقيدة انبثاق الروح القدس وغيرها. أجابهم قائلاً: ما قدِمتُ مِن تلك البلاد النائية مِن أجل الجِدال ولا للوقوف على الشؤون الإيمانية، وإنما جِئتُ مِن أجل نيل بركة البابا والتبَرُّك بمراقد القديسين، ونقل كلام الملك والبطريرك.
وقد انتهز الربّان صوما شغور الكرسي الرسولي ولا سيما أنه لم يلقَ جواباً من الكرادلة حَول هذا الشغور، فقام بزيارة معظم الكنائس وأشهرالأماكن هناك. ثمَّ اصطحبَ حاشيتَه وشدّوا الرحال الى منطقـة طـوسكان ومنها الى جنوة ، وكانوا يُـستَقبَلون بحفاوةٍ وإكرام في كُلِّ مكان. وغادروا جنوة متجهين الى فرنسا، وفي باريس استقبلهم فيليبس الرابع ملك فرنسا، وسلـَّمه الربّان صوما رسائل الملك المغولي وهـداياه، وأبلغه بهدف مجيئه، فوعده الملكُ خيراً. وبعد أن انتهى الربّان صوما وحاشيته مِن زيارة أضرحة القديسيـن والمواضع الشهيرة في فـرنسا، كانت وجهتُهم التالية بلاد الإنكليز، فوصلوها وقابلوا ملكَها “إدورد” وأبلغوه بالمهمة التي قدِموا مِن أجلها، فأعـربَ لهم عن سروره بمقدمهم، ووعـدهم بإبداء الدعم والمُساعدة . وطلب الملكُ إدورد مِن الربّان صوما أن يُقيم الذبيحة الإلهية “القـداس” أمامه وبحضور حاشيته، وعند المناولة، تقدَّم الملكُ وتناول مِن يَده. ومن الجدير بالذكر بأنه في روما وفي باريس لم يـُؤذن للربّان صوما بإقامة القـداس. وكالعادة قام الربّان صوما وحاشيتُه بزيارة كافة المراقد المقـدسة والأماكن الشهيرة. وغادر الربّان صوما ومُرافقوه إنكلترة عائدين الى جنوة ليقضوا فصل الشتاء فيها، وقد مضى على رحلتهم عاماً كاملاً والكرسي الرسولي لا زال شاغـراً. وفي النهاية تمَّ انتخابُ بابا جديد وهو المطران الذي كان على رأس مُفاوضي الربّان صوما في روما. اقيمَ حَبراً أعظم في شباط 1288م واتخذ اسم “نيقـولاوس الرابـع”. وكان استقبالُ الربّان صوما مِن قبل البابا الجديد مشوباً بالإكرام والتقدير. وقام الربّان صوما بدوره بتسليم البابا رسائل وهـدايا كُلِّ مِن الملك المغولي أرغون والبطريرك النسطوري يَهبَلاها الثالث التي حَمَلها إليه. وجرى ذلك في منتصف الصوم الكبير ، فطلب البابا مِن الربان صوما أن يبقى بضيافته الى ما بعـد القيامة. وفي أحد الأيام مِن أيام الضيافـة وكان أحد السعانين، طلب البابا مِن الربّان صوما أن يُقيم الذبيحة الإلهية “القـداس” أمام الجمهور الذي كان حشداً كبيراً مِن المؤمنين، فلبى الطلب وشمل الفرحُ والإعجابُ جميعَ الحاضرين وقالوا: <كانت اللغـة مُختلفة أما الطقـس فواحدٌ> ورغب الربّان صوما أن يتناول مِن يد البابا، فناوله البابا، وكان قد قام قبل التناول بالإعتراف بخطاياه، وبذلك لا شكَّ في اعتباره كاثوليكياً. وقد أدهشت الربّانَ صوما الإحتفالاتُ الفصحية التي اقيمَت في روما مِن حيث رونَقها وجمال تنظيمِها.
وبعـد خِتام الإحتفالات الفصحية بعيد القيامة، إستأذن الربّان صوما قـداسة البابا بالرجوع الى بلاده. فعَرضَ عليه البابا أن يبقى ضمن حاشيته، فردَّ عليه معتذراً بأنه موفدٌ، وإنَّ رجوعَه الى بلاده هو أكثر فائدة ًلمسيحيي الشرق. فـزَوَّدَه البابا بذخائر كثيرة ومتنوعة، وحَمَّله تاجَه الخاص هدية ً للبطـريرك يَهبَلاها الى جانب حُلل ٍ كنسية نفيسة، ورسالة ٍ تضَمَّنت صورة الإيمان. وأصدر مرسوماً بابوياً يُخول فيه البطريرك النسطوري يَهبَلاها السلطة على كافـة مسيحيي المشرق، كما خوَّل الربّان صوما بمرسوم آخر ليكون زائراً رسولياً على كافـة المسيحيين في تلك الديار الشرقية، ومَنحَ بركاتِه للملك أرغون وأوصاه بحَملِها إليه. وأمرَ البابا بتزويد الربّان صوما وحاشيته بمال ٍ وفير يَسُدُّ تكاليف عـودتِهم، ودَعا لهم بسلامة العـودة.
وفور وصول الربّان صوما الى المشرق قابل الملكَ أرغون وسَلَّمه رسالة البركات البابوية والهدايا التي جلبَها له مِن البابا وملوك الغرب، وقصَّ عليه ما جرى له مِن ترحيب وحَفاوة مِن قبل البابا والملوك الغربيين، وعن موقفهم الإيجابي مِن المطالب التي نقلها إليهم، كما عبَّر عن إعجابه بالمعالِم العظيمة التي شاهدها في كُلِّ الأماكن التي زارها. فأبدى الملك أرغون انشراحاً كبيراً لشرح الربّان صوما لنتائج رحلته، وشكره وطلب إليه أن يبقى عنده ليقدِّم الخدمات في كنيستِه المتنقـلة، إلا أنَّه اعتذر ويرى أن قيام البطـريرك نفسه بهذه المهمة هـو الأفضل.
فأمرَ الملكُ بنصب كنيسةٍ متنقلة على مَقربةٍ مِن خَيمتِه وبجانبها مسكنا للبطريرك، كما أمرَ أيضاً بإقامة وليمةٍ كبرى دعا إليها البطـريرك والأساقفة والكهنة والرهبان وعلى مدى ثلاثة أيام. ومِن حيث تِلاوة الصلاة طلب أن تكون متواصلة في كنيسته وطنين الناقوس مستديماً. وفي شهر أيلول مِن عام 1289م أتى الملك أرغون الى المَقر البطريركي في مراغا لزيارة البطريرك، وقد سبق للملك ان عَمَذ إبنَه “خدَبندة” في شهر آب وسمّاه “نيكولاوس”تَيمُّناً باسم البابا، وتناول نيكولاس القربّان المقـدس. وكان لوفاة الملك أرغون عام 1291م وقعٌ أليم على كافـة المسيحيين.
كانت الرسالة الحَبرية والهدايا التي جَلبها الربّان صوما للبطـريرك مِن الحبر الأعظم نيكولاوس الرابع مصدرَ تشجيع ٍ له، فزاد مِن حُسن معاملتِه للمُرسَلين اللاتين عَملاً بوصية البابا بخصوص الإخوة الصغار في رسالتِه المؤرخة 13 نيسان 1288م. وعند نزول مار يَهبَلاها الى بغـداد عام 1290م وجد فيها “ريكولدو دي مونتي كروجي” وقد وصلها حديثاً قادماً مِن الموصل عن طريـق النهر، وشرع بإلقاء مواعظه في الكنائس النسطورية، وكان الإقبال الى الإستماع إليه عظيماً، وفي إحدى مواعظه نادى بمريم امِّ الله، فاغتاظ الجمهور وأخرجوه مِن الهيكل، ثمَّ قاموا بتطهير الهيكل عن طريـق غسله بماء الورد. بيد أنهم لم يمنعوه مِن إقامة الذبيحة الإلهية في إحدى كنائسهم بدون أن يقوم بالوعظـ. وعلى إثر هذه الحوادث كان وصول البطريرك يَهبَلاها الثالث الى بغـداد، فاستدعى ريكولدو، ودعاه للكلام أمامه وبحضور جمهور كبير مِن الرؤساء والإكليروس. فأعطاه الحَقَّ وصَرَّحَ بأنه شخصياً ليس نسطورياً وقد نبَذ تعاليم نسطور. وبعد أيام جرت مُناظرة جدلية بين ريكولدو واللاهوتيين المحليين النساطرة، وقد إنتصر عليهم بقوة براهينه، فأذن له البطريرك بإلقاء المواعظ. ولأنَّ إقامة البطريرك لم تكن دائمية في بغـداد، فكان الإكليروس يعود الى مُخاصمة هذا المُرسَل العالِم القدير، والكثيرون مِن سامعي مواعظه كانوا يتجنبون الإقرار بإيمانه القويم خوفاً مِن اضطهاد الإكليروس النسطوري المتزَمِّت.
وضع ريكولدو للمُرسَـلين اسُساً جديرة بالإعتبار للأخذ بها، تُعطي فوائد لمجهوداتهم وفي كُلِّ الأحيان ومِن هذه الأسُس النصحية:
1 – إنَّ الوعظ أو المناظرة مع الغـرباء الذين لا يـَفهمون لغة الواعظ او المناظر والتي تجري بواسطة المترجم هي غير مُجدية، وعلى المُرسَل أن يُتقِن اللغات المحلية.
2 – على الإخوة المُرسَلين أن يكونوا متضلعين مِن نصوص الكُتُب المقـدسة، لأنَّ الشرقيين واسعو الإطلاع على نصوص عَهـدَي الكتاب المقـدس القـديم والجديد.
3 – مِن الضروري أن يكون لديهم إطلاعٌ وافٍ على العقائد والمذاهب المُختلفة وعلى ما تحتويه مِن ضَلال وأن يـُركزوا على وحدة الإيمان وليس وحدة الطقس، لأن الإيمان يجب أن يكون كاثوليكياً لكافة المسيحيين فهو ايمان شامل وليس ايمان الغـرب أو الكلدان.
4 – مِن الضرورة أن تَجري المُناظرة مع رؤساء المذاهب وليس مع البسطاء والعامة الذين قد يُذعِنون ولكنهم لا يمتلكون قوة المقاومة، وبسهولةٍ يتبعون أساقفتهم ورؤساءَهم. وعند بحث العقائد الإيمانية يجب التركيز على ما هو الأسهل للشرح، فالمعروف عن الشرقيين بأنهم يُؤثرون الخوض في المسائل الإيمانية العـويصة، وعليه فمِن المهم جداً عدم التسرُّع بالجواب على هذه المسائل بالإضافة الى إقران كلامنا بالإحترام والتـواضع، إذ لو أحَسّوا بنا أننا نُساجلهم بتَرفُّع فليس مِن المستبعد أن ينفروا مِنا . وعلى هذا المنوال كانت تسير العلاقات بين البابا والبطريرك.
يـَتحـدَّث بطرس نصري (ذخيرة الأذهان ج2 ص 11 ، 12 ، 13 ، 14) بأن رسالة البابا نيكولاوس الرابع للبطريرك يَهبَلاها الثالث التي جلبها له المطران الربّان صوما، كانت مليئة بالثناء على غيرتِه وتَقواه وعَضدِه للمُرسَليـن الى بلاد الشرق، وأرفـق فيها صورة الإيمان التي عليه تعليمها للشعوب الخاضعة لرئاسته، فهي بذرة الإيمان الكاثوليكي الواجب أن تَنمو وتُثمر في الشرق، وكان للبطريرك عزيمة على عقد الإتحاد الإيماني، ومن أجل هذه الغاية بعث برسائل عديدة الى الحبر الروماني عن طريق السفراء. كما أن الملك أرغون كان مستمراً بتبادل الرسائل بينه وبين ملوك الغرب منذ عام 1285م وحتى عام وفاتِه 1291م.
4 – كيخاتو 1291 – 1295
كان الأمراء الإيلخانيون هم الذين يُقرِّرون توريث العَرش وتنصيب الإيلخان (الملك) أو عزله عَن طريق الإتفاق فيما بينهم وخير شاهدٍ على ذلك ما جرى في تنصيب وعزل تاكودار، فبعد موت أرغون وقع خلاف بين الأمراء وتمَّ حَسمُه بإجماعِهم على اختيار شقيقـه كيخاتو الذي كان حينها في منطقة الروم، فأرسلوا إليه لإطلاعِه على وفاة أخيه، وفي ذات الوقت إبلاغه بالحضور إليهم، فوَلَّوهُ العرشَ فور وصوله في شهرآب كرابع إلخان أوسلطان للدولة الإيلخانية، وفي نفس العام الذي تُوفي فيه أخوه أرغون 1291م. إنتهج كيخاتو سياسة أسلافه في تَثبيت السلام. ونَنقـل بتصرُّف عـن كتاب (كلشن خـلـفا ص 156) رأى كيخاتو بأن الناس يُعانون مِن الظلم والعَوز لإفتقاد العدل، فباشر بفتح باب خزينة الدولة باسطاً العدالة والرأفة بين الشعب، مُعطياً الكثيرَ وبسخاءٍ كبير، وكما جاء في (الحوادث الجامعـة ص 475) <أوعز الى سكورجي والي العـراق بإزالة ما جُدِّدَ على الرعية مِن الأثقال>. إلا أن كيخاتو وكما ذكر إبن العبري (التاريخ السرياني ص 259) <وقع أسيراً للخمر ومُعاقرته بكثرة الى جانب مَيله العارم للنساء والغـِلمان وبات لا يعرف الحلال مِن الحَرام الأمر الذي حدا بالأمراء الى عدم السكوت على تصرُّف إيلخانهم كيخاتو وقـرَّروا عـدم طاعته، فأبلغوا نِيتهم الى الأمير بايدو وكان في داقوق ، مُعـلنين له استياءَهم مِن كيخاتو وإجماعَهم على توليته هو المُلكَ بدلاً مِنه، فأبلغهم موافقته ولا سيما أنه كان يحمل حقداً على كيخاتو إذ كان قد رماه في السجن بحسب ما ورد في (الحوادث الجامعـة ص 476) لقيامه بنهب أهل عين التمر والكبيسات وأسره لثلاثين ألفٍ مِنهم . فتحَرَّكَ الأمراءُ بقيادة قائد الجيش “تاغاكار” وألقوا القبضَ على كيخاتو وقتلوه عام 1295م ولم يكن قد تجاوز الثلاثين عاماً. وقيل بأن هؤلاء المتآمرين هم أنفسهم الذين تآمروا على أرغون وسمَّموه وألقوا التهمة على وزيره اليهودي سعد الدولة ليَتخَلَصوا مِن الإثنَين معاً.
البطريرك وكيخاتو
ولم تختلف معاملة كيخاتو عن خطة أخيه أرغون في تعامُله مع المسيحيين، وفي باكورة مُلكِه وبمناسة عيد انتقال العذراء الواقع في 15 آب، حضر الملك الجديد الى الكنيسة التي كانت قـد أقامتها الملكة المؤمنة أرملة هولاكو خان وجَدة الملك كيخاتو “دقـوز خاتون” في المعسكر الذي كان آنذاك في الجبل المعروف بـ “الاداغ” وأقامَ البطريرك يَهبَلاها الذبيحة الإلهية “القـداس” بحضور كيخاتو الملك، ففرح جداً بهذه المناسبة، وأنعـم على البطريرك بعطاءٍ وفير، وغدت الكنيسة ذات شأن كبير. وتقدَّمَ الربّان صوما بطلبٍ الى الملك كيخاتو لمنحه أمراً بالمُواقة على بناء كنيسةٍ في مراغا والسماح بنقل كُلِّ ما كان في الكنيسة المتنقـلة مِن ذخائر وأثاث إليها، فشيَّد كنيسة ً فخِمة على إسم مارماري وماركيوركيس، وفي السنة التالية لتشييدها، قدِمَ الملكُ كيخاتو في موسم الصيف مرتين الى مراغا لزيارة البطريرك وأمضى عِنده ثلاثة أيام مُجزلاً له العطايا. ولم يَرُق للمسلمين تعامُل كيخاتو الوُدي نحو المسيحيين، فأرادو خلق المشاكل له، وبدأوا بالتآمر عليه مُحرِّضين ضِدَّه الأمراء .
كان الربّان صوما مسروراً جداً بالكنيسة التي شيَّدها في مراغا ، لا يَكلُّ عن العَمل فيها مُطوياً النهار والليل في تزيينها وتجميلها، ومُواظباً الصلاة وإقامة القداديس فيها، وما أشَدَّ كانت سعادتُه بالصومعة التي أقامها لنفسِه بجانب الكنيسة، لم يكن يتوانَ عن قضاء الخدمات التي يُكَلفه بها البطريرك. رغبَ الأمير بايدو وهو إبن طورغاي أخي الملك أباقا خان إقامة وليمة كبرى على شرف البطريرك يَهبَلاها، وفي شهر تشرين الأول لعام 1294م دعا كبار الدولة لحضورها في شهرزور. ولم يمض بعض الوقت على هذه الوليمة حتى داهم المرض الربّان صوما ولم يُمهِله طويلاً، فتوفيَ في بغـداد حيث كان نازلاً إليها لقضاء خِدمة كَلَفه بها البطريرك، ودُفنَ في دارالروم. كان لموت الربّان صوما وقعٌ أليم على البطريرك يَهبَلاها وحزن عليه جداً ،لأنه كان رفيق صباه ومُعَلمَه وايضاً ساعِدَه الأيمَن في كُلِّ ما كان يحتاجه. مكث البطريرك في بغـداد طوال شتاء عام 1294م ولدى حلول عيد القيامة سافر الى المعسكر والتقى بالملك كيخاتو فكان موضع إكرام الملك وعطفه الى جانب غمره بالهدايا والعطايا. وما إن عاد مِن لدن الملك الى مقرِّه في مراغا حتى قام بوضع اسُس ٍ لدير مار يوحنا المعمذان في موضع يقع الى الشمال مِن مدينة مراغا، وكان ذلك في الشهر السادس مِن عام 1294م. والى الجزء السادس والعشرين قريباً.
5 – بايدو 1295- 1295م
هـو حفيدُ هولاكو لإبنه طورغاي، إستقدمَه الأمراءُ ليُجلسوه على عرش المُلك بدلاً مِن كيخاتو كما تقدَّمَ ذِكرُه آنفاً، فتولَّى الحُكمَ بعـد مقتل كيخاتو في مطلع عام 1295م، لم يستَتِبَّ لـه الحُكمُ إلا خمسة أشهـ كالإيلخان الخامس للدولة الإيلخانية، حيث نازعه الحُكمَ إبنُ عَمِّه الأميرُغازان بن أرغون مُطالباً بالعرش، حيث ثقلَ على الأخير ما جرى لكيخاتو خان أولاً، ولإعتباره ذاتَه الأولى مِنه بالسُلطة، ويفوقُه كفاءة ً ومَقدرة، فتطوَّر النزاع ليتحوَّلَ الى صـراع ٍ عسكري، والتقى جيشُ غازان بجيش بايدو في 21 أيار 1295، ودارت بينهما مَعـركة طاحنة، وإذ رأى بايدو بأن كفة القتال تَميل لصالح غازان سعـى الى طلب الصلح إلا أن غازان واصل الحرب وقتِل بايدو وهو في ربيعه الأربعين، ويقول المؤرخ ريجَرد فولتز <غازان تعَـمَذ ونشأ مسيحياً ص 128) وإن الذي ساعدَ غازان عسكريا ضِدَّ إبن عَمِّه بايدو كان عدوُّه السابـق الأميرُ المنغولي المسلم “نوروز” تحت شرطـ أن يعتنق الإسلام إذا انتصر وهذا ما ذكره صاحب كتاب (الحملة الصليبية في القرون الوسطى المتأخرة ص 256 A. Atiya ) وبالفعل تحوَّل غازان الى المذهب الشيعي في 16 حزيران 1295م، وحصل غازان الدعـم أيضاً مِن قائد الجيش “تاكاغار” بيد أنَّ غازان كان يَرتابُ مِنه ولم يَحظ بثقته، فنفاه الى الأناضول وأمرَ بقتله سِـرّاً. يقول إبن العبري (التاريخ السرياني ص 593) تمَيَّزَ بايدو بسيرةٍ حسنة ومَيل ٍ نحو المسيحيين، كانت ترافق معسكرَه كنيسة متنقلة، إلا أنه لم يكن يُجاهر بمسيحيتِه، بل كان مُسلِماً بالظاهر مجاراة ً للمغول الذين كان معظمهم قد تحَـوَّلوا الى الإسلام. أما في الباطن فكان يتعاطف مع المسيحيين ويعتمد عليهم. يُعَلِّق صليباً في عنقه ولا يُشارك المسلمين بصلاتهم، وإنما يُرسل إليها إبنُه.
البطريرك بعد مقتل بايدو
وكان مقتل بايدو إيذاناً للبطريرك ماريَهبَلاها والمسيحيين ببداية هبوب عاصفةٍ مِن المصائب والمِحَن، فبعد مَقتلِه قام الأميرُ الشيعي المتزَمِّت المدعو “نوروز” الذي ساعد غازان ضِدَّ بايدو مشترطاً على غازان اعتناق الإسلام في حالة انتصاره. قام بإصدارأمر بهدم الكنائس وقتل رؤساء الدين المسيحي واليهودي، وتنفيذاً لهذا الأمر تَمَّ إلقاءُ القبض على البطريرك يَهبَلاها في مراغا، وعُلِّقَ مُنَكَّسَ الرأس وضُربَ بالعصيِّ وطولِبَ باعتناق الإسلام، وإزاءَ عدم تجاوُبِه طولِبَ بدفع مبلغ مِن المال فدية، فذهب تلميذ مِن تلاميذه واقترض 15 الف درهم أعطاها لهم فدية. وقام الرعاعُ الغوغائيون بنهب المقر البطريركي وهدم كنيسة مار شليطا الكبيرة، أما كنيسة مارماري وماركوركيس التي شَيَّدها الربّان صوما فلم تطلها أيديهم المُجرمة، حيث كان قد حَلَّ فيها ملكُ الأرمَن “هيثم” الذي يقول عنه إبن العبري (التاريخ السرياني ص594) هو ملك قيليقية وكان قد بلغه بأن بايدو قـد انتصر ويكُنُّ محبة ً للمسيحييين، فرغب أن يُقابله شخصياً. وبعد خروجه مِن بلاده التقاه نوروز حليفُ غازان الذي كان يُلاحق بايدو، فأوعز إليه نوروز بالتوجه الى مراغا وينتظره هناك ريثما يتسنى له مقابلته. فبدل أن يقابل بايدو قابله غريمُه غازان، وكان استقبال غازان للملك الأرمني شيِّقاً، وأمر أن يُصدر له مرسوماً تلبيةً لرغبته، يقضي بالحفاظ على الكنائس مِن التدمير لأنها بيوت الله. وكان البطريرك قد تمكَّن مِن الهرب والإحتماء عند الملك الأرمني، ولما قدِمَ في اليوم التالي رسولٌ مِن قبل نوروز مطالباً بتسليم البطريرك، أرضاه الملك الأرمني برشوةٍ فغادر مراغا. وما لبث الملكُ الأرمني أن غادر مراغا متوجها الى تِبريز واصطحب معه ماريَهبَلاها متنكِّراً، وكان الملك غازان قد وصلها قبله، فاختبأ البطريرك عن الأنظار لمدة اسبوع، وفي هذه الفترة قابل الملك الأرمني الملك غازان وأعلمَه بقصة البطريرك، فاستدعاه غازان وسأله سؤالين: مَن أنتَ ؟ وما إسمك؟ فأجاب البطريرك على سؤاليه وباركه، لكن البطريرك لم يتلقَّ منه شيئا غير نظرةٍ تجهُمية. فما كان مِنه إلا الرجوع الى مراغا مُحبَطاً. وظل المجرمُ نوروز يلاحق البطريرك حيث أرسل رجاله بعد عيد ميلاد عام 1296م ليُطالبوه بمبلغ عشرة آلاف دينار كان قد أخذها أيام الملك كيخاتو حسب زعـمِهم، فدفع مبلغ ألفي دينار المتيسر لديه في حينه وفي الليل غافلهم وهرب. والى الجزء السادس والعشرين قريباً
الشماس د. كوركيس مردو
أحسنت وبارك الله فيك أخي العزيز
السيد لؤي فرنسيس المحترم، أؤيد الاخوة اعلاه واريد اضافة شيء الا وهو ان منطقة سهل نينوى التي يكثر فيها المسيحيين…
الأعزاء أودا و فرج اسمرو المحترمين نعزيكم بوفاة المرحومة المغفور لها شقيقتكم إلى الأخدار السماوية، أسكنها الله فسيح جناته الرحمة…
الراحة الابدية اعطها يا رب و نورك الدائم فليشرق عليها. الله يرحم خلتي مكو الانسانة المحبة طيبة القلب. مثواها الجنة…
Beautiful celebration Congratulations! May God bless Oscar and bless his parents and all the family and relatives