وحتى نستكمل نقل ما سطره ماراسرائيل اودو مطران ماردين الكلداني كشاهد عيان على الإضطهاد العثماني البربري قبل عام من الآن ضِدَّ الشرائح المسيحية المتنوعة والأصيلة في بلادها الأصلية التي تعرَّضت لغزوها من قبل موجات شعوب غريبة قادمة من مناطق الشرق الأقصى وكان بنو عثمان آخرهذه الموجات وأشدُّها قساوة وعنفاً. فننقل ما رواه في متن كتابه في (الصفحات 136 – 146) وبتصرُّفٍ صياغي كعادتنا دون المساس بالمضمون.
نبذة عن حياة القس توما كربوش
وقبل أن نبدأ بسرد الوقائع، نود أولاً تذكير القراء الأعزاء بنبذةٍ قصيرة عن القس توما كربوش كاهن قرية”جاروخية” الذي قضى عليه السفاحون بطريقةٍ وحشية حيث قطَّعوا جسده إرباً إرباً كما أشرنا الى ذلك بالحلقة العاشرة. كانت ماردين مسقط رأس القس توما بن حنا كربوش حيث وُلِد في الأول من آذار 1860م، سُمِّيَ بالعِماذ كوركيس، تلقّى تربيته العامة في مدرسة مارهرمزد. تعلَّم اللغة العربية بالإضافة الى لغته الكلدانية والمقامات والألحان الطقسية. رسمه شماساً رسائلياً مطرن ماردين مارايليا ميلوس في 17/1/1898م وفي تشرين الأول من ذات السنة ذهب الى آمد لدراسة عِلم اللاهوت لكي يتأهَّل الى منحِه الدرجة الكهنوتية، فأخذت منه ثمانية أشهر، فرسمه كاهناً مطران آمد مارسليمان صباغ في الأحد الثاني من الرسل المصادف 29/5/1899م في كنيسة مارفثيون واتخذ اسم توما. فنسبه مارسليمان كاهناً لقرية بوشاط التابعة لأبرشيته، فخدم أبناء تلك القرية المسيحين العائشين بين غير المؤمنين بكُلِّ همةٍ ونشاط حتى نقل عام 1905م الى قرية الجاروخية ومع رجال وشباب هذه القرية نال اكليل الشهادة عام الإضطهاد العثماني الشرس عام 1915م.
نبذة عن حياة الخوراسقف حنا ميلوس
وكان الكاهن حنا بن عبدالمسيح ميلوس من مواليد ماردين أيضاً، وُلِدَ في 7/9/1859م، ودُعيَ اسمُه في العِماذ سعيد، رسمَه عمُّه مارايليا ميلوس اسقف ماردين شماساً لكنيسة مارهرمزد في 17/1/1894م. وفي زيارةٍ قام بها مطران آمد مار سليمان صباغ الى ماردين، رأى الشماس سعيد مواظباًعلى تأدية الخدمة والصلوات ومتمكناً من الألحان الكنسية والمقامات الطقسية. وبالإضافة الى ذلك كان يتَّصِف بأخلاقٍ جيدة وسجايا حميدة، فقرَّرَ أن يطلبه من اسقفه مارايليا ليرسمه كاهناً لبلدة ميافرقين رغم كونه متزوجاً. فنفذ فكرته وقام بتأهيله لنيل الدرجة الكهنوتية، وفي 25/9/1898م وبإذنٍ من الأسقف مارايليا، رسمَه هو نفسه كاهناً في كنيسة مارهرمزد بماردين، واتَّخذ اسم حنا في الكهنوت. وبعد فترة منحه رتبة الخوراسقفية، وأقامه وكيلاً له في ميافرقين، وقام في خِدمة الرعية بكُلِّ نشاط وهمة حتى عام الإضطهاد 1915م حيث فيه حاز هو ورفاقه على اكاليل الشهادة كما أوضحنا في الحلقة العاشرة.
قرية بوشاط
كانت هذه القرية تقع غربيَّ بلدة ميافرقين، مجموع عوائلها الساكنة فيها ستون عائلة، ولكن عدد نفوسها كان بحدود الفٍ وخمسمائة وستين نفساً من الذكور والإناث. هذا ما كان في الغالب يحدث في القرى، إذ مهما ازداد عدد نفوس العائلة يبقى الجميع يعيشون سوية في بيتٍ واحد. وكان لهذه القرية كنيسة واحدة مبنية على اسم مارتوما الرسول الى جانب مدرسة واحدة للأطفال، يقوم بخدمة اهالي القرية الروحية كاهن واحد هو القس جبرائيل السعردي الأصل. ولشدة تأثُّره بهول ما كان يتواتر الى مسمعه من أخبار الإضطهاد البشع ضِدَّ المسيحيين، استحكم عليه الخوف فداهمه المرض وأودى بحياته فرقد على رجاء القيامة في شهر آب من عام الإضطهاد 1915م. وإذا بعساكر السفاحين تُحيط بالقرية وتُلقي القبضَ على جميع رجالها، واقتادوهم الى خارج القرية وقتلوهم جميعاً باستثناء مائة وعشرة اشخاص انقذهم محرم بيك أحد اشراف ميافرقين وأخذهم الى إحدى قراه، فاضطروا لإعتناق الإسلام.
بعد وضع الحرب العالمية الأولى أوزارها، أرسل مارسليمان صباغ مطران آمد عام 1919م القس طيمثاؤس فضلي ليقوم بخدمة البقية الناجية من سيف الإرهاب العثماني في تلك المنطقة. ولما وصل القس طيمثاؤس الى تلك القرية التي أُسكِن فيها اولئك الأشخاص الذين أنقذهم المتنفذ الميافرقيني فأسلموا، ففرحوا برؤية القس فرحاً عظيماً، وعادوا من جديد بلا خوفٍ ولا خجل الى حضن الكنيسة المقدسة مستعيدين مسيحيتهم. ومنذاك اخذ القس طيمثاؤس بالتردُّد الى ميافرقين وضواحيها سنوياً فيقوم بتقديم الخدمات وبتقوية وتشجيع الباقين الذين لا زالوا غير جريئين للعودة الى مسيحيتهم، فكان النجاح يُحالفه في مهمته، حيث أعاد ما يربو على الخمسمائة نفس من الأرمن الغريغوريين الى حضن الكنيسة بعد أن كانوا قد هجروها عنوة. وبسبب جهوده الناجحة هذه، اتَّقدت نار الحقد عليه في صدور المُسلمين القتلة، فذاق على ايديهم العذاب والتنكيل والتجويع، وألقوه في السجن، إلا أن العناية الإلهية التي لا تقف أمامها قوة الشر أنقذته من أيدي اولئك الأشرار.
إنَّ اولئك الذين اضطروا لإعتناق الإسلام بدون إرادتهم، وأعادهم القس طيمثاؤس الى حظيرة الكنيسة، عزموا على مغادرة موطنهم وبدأوا يخرجون الواحد تلو الآخر الى البلاد المجاورة، والغالبية منهم اختاروا الذهاب الى سوريا. ولكنَّ ميافرقين والقرى المحيطة بها لم تخلو نهائياً من مسيحييها، ففي شهر آب 1928م توجَّهَ القس طيمثاؤس فضلي الى ميافرقين والقرى المجاورة لها ليقوم بواجب تقديم الخدمات لبقية المسيحيين الباقين فيها، ولدى دخوله الى قرية زيري، أرسل رئيس حاميتها في طلبه، ولما حضر أمامه ابلغه : بأنَّه غير مسموح له بالتجوال في هذه القرى التي تحوَّل مسيحيوها الى الإسلام، وأعادوه الى آمد عنوةً.
مدينة الرُّها. تركياً اورفا، غربياً أديسّا
كانت للكلدان عوائل كلدانية تعيش في مدينة الرُّها لم يكن عددُها يربو على الأربعين عائلة، ولما أنيطت مُهمة تقديم الخدمة الكنسية لها بكرسي مطرانية آمد، بادر مطرانُها مارعبديشوع خياط ( البطريرك عبديشوع الخامس لاحقاً) الى تشييد كنيسة في الرُّها لهذه العوائل على اسم “العائلة المقدسة”. والمعلوم تاريخياً بأن مَن بَشَّرَ أهالي الرُها بالرسالة المسيحية منذ بدئها كان مارأدّي أحد الإثنين والسبعين من تلاميذ الرب، حيث كانت البداية بإبرائه الملك ابكر الأسود من مرضه المُزمن وإعلانه فوراً اعتناقه المسيحية. ثمَّ ما لبثت جماهير المملكة تُقبل جماعات وفرادى لإعتناقها، فترعرت بقوة وبسرعة، فانتصبت في الرُّها كنائس جميلة وشُيِّدت مدارس ذاعت شهرتها في أقاصي العالم المعروف آنذاك.
(( وما دام موضوع الرُّها المدينة المباركة لدى الكلدان قد دخل ضمن مسلسل حلقاتناهذه التي تدور حول الإضطهاد العثماني البربري ضِدَّ الوجود المسيحي في وطنه الأصيل، أستميح القراء عذراً لأجنح خارج الموضوع قليلا لغرض تنويرهم بأسباب اضمحلال الوجود الكلداني في مدينة الرُّها الذي بفضله سَما شأنها علمياً وثقافياً عن طريق مدرستها الأكاديمية “مدرسة الرُّها”وإليكم قصتُها:
مدرسة الرُّها (363 – 489 م)
قام بتشييدها مارأفرام النصيبيني الملفان الكلداني الكبير والجليل ما بين عام (363 – 365 م) بمُساعدة زملائه ورفاقِه والكثير مِن نبلاء نصيبين الذين رافقوه في انتقاله الى الرُّها بعد غلق مدرسة نصيبين الأكاديمية الشهيرة، فأراد القديس مار أفرام أن يُعَوِّضَ شعبَه الكلداني وكنيسته بمدرسةٍ بديلة، بل بمدرسةٍ تكون امتداداً للتي فُقدَت، واستمراراً لإشباع النزوع الغريزي لشعبَ كنيسة المشرق الكلداني الى العِلم والثقافة منذ القدم. ذاك النزوع المتأصل الذي لم تستطع ايقافه اضطهاداتُ أعدائه والصعوباتُ التي اكتنفت كنيسته في مسيرتِها وإن عَرقلتها وأفقدتها الكثير مِن جُهدِها وإرثِها الحضاري. وغدت هذه المدرسة المركز الثقافي الأهم في منطقة الشرق لمدة قرن وربع القرن، أنجبت عدداً مِن علماء وادباء مشهورين ساهموا في نشر الثقافة الكلدانية في الشرق، والكثيرون مِنهم تَبَوّأوا كراسي اسقفية وكان لهم دور كبير في توجيه مسار الكنيسة .
لقد تبنَّت كنيسة الشرق الكلدانية نمطاً ثقافياً متمَيِّزاً ايماناً مِنها بالحكمة وتكريسها للإرث المُتواصل، فبذل رُعاتُها ورهبانُها جهوداً كُبرى في إنشاء مدارس كنسية ورهبانيةمُلحقة بالكنائس والأديُرة، ويُمكن اعتبارُها كليات وجامعات بالنسبة للزمن التي وُجدت به مُقارنة بكليات وجامعات زمننا الحالي، كيف لا وقد تجاوز عددُ تلاميذ مدرسة نصيبين على عهد رئيسها ابراهيم دبيث رَبّان الآلفَ تلميذ وكذلك الحال في مدرسة الرُّها التي تلتها، وكانت الإختصاصات قد تَضاعفت والمعارف تَنوَّعت والأنظمة التدريسية تَمَنهجَت بشكل جيد .
قادَ التدريسَ في مدرسة الرُّها مارأفرام الملفان مِن عام 363 وحتى وفاتِه عام 373 م، وهو المعروف بكونه أعظم آباء وأساتذة التراث المسيحي الكلداني وبنزعتِه الشرقية الكلدانية البحتة لم يتأَثر نتاجُه الغزير بنتاج غريب، وظلَّ يُدَرَّسُ كنصوص رسمية في المدارس حتى استُبدلَ على أيام خلفه قيّورا والاسقفين رَبّولا المونوفيزي بتعليم كيرُلُّس، وهيبا النسطوري بتعليم تِئودوروس المصيصي، وبذلك ابتعد التعليمُ عن مصدره الأصيل وعن التقليد المشرقي، نتيجة للتيارات الفكرية السائدة آنذاك في أنطاكيا وما جاورها.
وكانت نظرية تِئودوروس المصيصي التي تبنّاها نسطور القسطنطيني ونشأ عنها النزاع الشهير بينه وبين كيرُلُّس الإسكندري، هي التي تبنَّتها مدرسة الرُّها، ولكنَّ ربّولا مطران الرُّها عارض تعاليم نسطوريوس وهو ما يعني عدم قبوله بأفكار”المُفسِّرتِئودوروس” لأنه يُؤَيِّد آراء كيرُلُّس، ويُعزى السبب في ذلك، بأن جدالاً وقع يوماً بين المُفسِّر تِئودوروس وربّولا في القسطنطينية وكان المُفحَمَ فيه ربّولا فحمل له ضغينة. بينما الاسقف هيبا الذي خلف ربّولا على كُرسي الرُّها كان يؤَيِّد تعاليم المُفسِّر المصيصي ويُدافع عنها ويسعى الى نشرها، وهذا ما جعلهما يتصادمان الى الحد الذي دفع بربّولا في حالة انفعال شديد الى حرق كُلِّ ما كان قد ترجمه هيبا مِن تعاليم تِئودوروس المُفسِّر مِن اليونانيةالى الكلدانية، وبعد وفاة ربّولا وجلوس هيبا على كُرسيِّ الرُّها عام 435 م عَمَّمَ تعاليم تِئودوروس ونسطوريوس على مدرسة الرُّها التي غلب عليها اسم (مدرسة الفرس) لخصوصيتِها الكلدانية رعايا المملكة الفارسية.
وبعد انتقال مارأفرام مِن الحياة الفانية الى الحياة الأبدية عام 373 م تسلَّم رئاسة المدرسة قيورا وقاد التعليم فيها لمدة أربعةٍ وستين عاماً أي حتى وفاتِه عام 437 م، واستُدعي أبرز تلاميذه مار نرساي الملفان الشهير لإدارتِها، وعكف مار نرساي على نشر تعاليم تِئودوروس المصيصي بكُلِّ حماس ونشاط. وكان المونوفيزيون يتحَيَّنون الفرص لتقوية نفوذهم وتسريب تعليمهم بين تلامذة المدرسة، وسنحت لهم الفرصة عندما أُقصيَ هيبا اسقف الرُّها عن كُرسيِّه وحَلَّ محلَّه “نونا” المونوفيزي بأمر مِن مجمع افسس الثاني المعروف بمجمع اللصوص عام 449 م، فترك المدرسة عددٌ كبير مِن المُدرسين الكبار والطلبة، وقصدوا البلاد الشرقية. ولم تَمُرَّ إلا سنتان حتى طُرد نونا عن كُرسي الرُّها بقرار مِن مجمع خلقيدونية عام 451 م، بيدَ أنَّه عاد مِن جديد واحتَلَّ المنصب عام 457 م بعد وفاة مارهيبا بحسب قول التاريخ الرُّهاوي(السممعاني1 ص 405)
وكان مِن بين الطلبة الذين غادروا مدرسة الرُّها عام 449 م بحسب قول شمعون الأرشامي في (السمعاني1 ص 353 – 354 والمجامع الشرقية ص 53 و59 – 60) “برصوما” الذي أصبح مطراناً على نصيبين قبل عام 457 م ومعنا مطراناً لريوأرداشير ويوحنان مطراناً لكرخ سلوخ وبولس بن قاقي لكرخ ليدان وابراهام لماداي وبوسي بن قورطي لشوشتر وميخا للاشوم وعبشوطا لأربيل. وبعودة نونا المونوفيزي الأخيرة إضطرَّ نرساي لمغادرة المدرسة، ويقول المؤرخ (ماري في المجدل ص 44 ) بأنَّ نرساي قال لدى خروجه هتين الإستغاثتين:”ܡܪܝܐܥܝܢܝܟ ܥܠ ܗܝܡܢܘܬܐ … ܡܫܝܚܐܕܫܝܢ ܒܡܐܬܝܬܗ ܠܟܠܗ ܒܪܝܬܐ ܥܡ ܫܠܘܚܗ. ܚܘܣ ܥܠ ܥܕܬܟ ܦܪܝܩܬ ܒܕܡܟ ܘܒܛܠ ܡܢ ܓܘܗ ܙܕܩܐ ܦܠܝܓܐ … وترجمتهما: انظر بعينيك على الإيمان أيها الرب . . . أيها المسيح الذي أصلحالخليقة كُلَّها مع مُرسِلِه. إرأَف بكنيستِكَ المُخَلَّصة بدمكَ، وأزِل عنها الإنشقاقات المُريبة . . . ” إنَّه إلتماس وتضرُّع الى ألله ليُزيل الإنشقاق عن كنيسته ويُحِلَّ السلام في ربوعِها، فالإيمان مُضطهدٌ والوُعّأظ يُقتَلون، وكُتُب الكهنة والملافنة مُعلِّمي الحق قد أُخفيَت أو أُحرقت. (انظر في الحوذرا 1 ص 236).
أبعد كُلِّ هذا الجهد الكلداني المميَّز الذي غيَّر مسرح البيئة الرُّهاوية الزاخر بالثقافة الوثنية لمدة عدة قرون قبل الميلاد، الى مسرح فاقه ازدهارا للثقافة المسيحية الشرقية الناصعة، يقوم أحفادُ المونوفيزيين القدامى الذين احتموا باسم السريان الغريب وربطوه بالمذهب الأرثوذكسي بإلغاءهذا الجهد العظيم وعزوه خلسةً الى غير أصحابه زوراً إسماً ولغةً وأيَّدهم بذلك بعض الذين نبذوا الأرثوذكسية وتحوَّلوا الى الكثلكة ومنهم صاحب كتاب(اللغة العظيمة) غريغوريوس يعقوب حلياني، ناسياً أو متناسياً بأن ما سمّاها باللغة السريانية بلا قيد والتي وصفها بالعظيمة لم تكن مستعملة في أية بقعة وُجد بها المتورطون بها من الموارنة والسريان بشطريهم الكاثوليك والمونوفيزيين اليعاقبة إلا سكان طورعبدين كما أكد ذلك المطران يوسف داود في مقدمة كتاب نحوه”السرياني العربي”. إذاً ألا يُستنتج من ذلك إن ما تُدعى اليوم باللغة السريانية هي لغة أهل الجبل المحرَّفة من اللغة الآرامية الفصحى الكلدانية من قبل بعض المتزمتين المونوفيزيين اليعاقبة ونشروها في زمن متأخر معممين إياها على الطقس المونوفيزي اليعقوبي نكاية وتمييزاً لهم عن النساطرة الذين يكنون لهم أشدَّ عداوة مذهبية، ولا ندري كيف ولماذا جاراهم الموارنة في تداولها في طقسهم؟ لأن الأولين شرقيين كانوا أو غربيين لم تظهر بينهم لهجتان وبهذا الفارق الفاضح اليوم، فضلاً عن ذلك فإن مسيحيي الجزيرة حتى الرُّها التي يتشدق المسيحيون الغربيون بنسب لغتهم العوجاء إليها، ما كانوا يلفظون آراميتهم إلا باللهجة الشرقية الكلدانية والتأكيدات على ذلك كثيرة وقد أشفعناها بالأدلة في باب التراث والأدب الكلداني في مجلَّدنا الثاني من سلسلة كُتبنا التاريخية < الكلدان والآثوريون عِبر القرون >)).
رسم المطران مار عبديشوع أول كاهن لتلك العوائل الكلدانية المقيمة في الرّهاإسمُه القس يوسف قشّا، وبعد وفاته رسم لهم خلف مار عبديشوع مار سليمان صباغ كاهناً آخر هو شقيق القس يوسف وإسمُه نعوم علمانياً متزوجاً، واتخذ لكهنوته اسم عمانوئيل.
في أوائل شهر تموز لعام الإضطهاد 1915م تعرَّضت الرُّها للسبي، وتمَّ القاء القبض على كافة أشراف العوائل الكلدانية ورؤساء الطوائف المسيحية الأخرى وقتِلوا. وفي كتابه (مسيحيون بين أنياب الوحوش ص 70) يُسجِّل أرقاماً مُخيفة لشهداء هذه المنطقة، حيث يقول: يُقدَّر عددُ المذبوحين من أبناء الرُّها وخدها بـ (25 الف شخص) وفي القرى والأرياف التابعة للرُّها تعدَّى عدد المذبوحين السبعين ألفاً وكُلُّ هؤلاء كانوا كاثوليك، أما المقتولين من اليعاقبة والسريان الكاثوليك فكان عددُهم بحدزد (70 شخصاً) وكاهنين. ورفعت السلطات المُشرفة على القتل تقريراً الى السلطان رشاد ورد فيه: “فلتتألق عيناكم بالبهجة، فقد حصدنا الكفار الأرمن والبقية الباقية. وقد ذكر صاحب كتاب (جراحات في تاريخ السريان ص 21) قائلاً: ما كادت عشرون عاماً تمُرُّ على مجزرة 1895م، حتى نُكبَت الرُّها بمذبحةٍ اخرى مريرة عام 1915م، حيث قام الجيش العثماني وبناء الى الأمر الصادر إليه من قيادته العسكرية بالهجوم يتقدمُه ضابطان المانيان، فدكّوا القلعة بقذائف المدفعية الضخمة مِمّا أدّى الى تدميرها وقتل عددٍ كبير من البشر، ثم قتلوا الأرمن في بيوتهم التي اجتاحوها ونهبوها، ولم ينجُ أبناء الطوائف المسيحية الأخرى من القتل إلا المشمولون بقرار العفو).
ولم تمضِ إلا تسعة أعوام على هذه المأساة، حتى قامت السلطات الغاشمة عام 1924م بطرد المسيحيين المتبقين من الرُّها بما فيهم كاهنهم، واستولت الحامية على كنائسهم والمباني الموقوفة لها، وصادرت كافة مقتنياتهم الشخصية من ذهبٍ وأموال. غادر المسيحيون المغدور بهم الرُّها وتوجَّهوا صوب سوريا وتفرَّقوا في مُدِنها وقراها والكثير منهم قصدوا بيروت في لبنان. وبعد وصول اليعاقبة الى حلب قاموا بتقديم عدة شكاوى ضِدَّ حاكم الرُّها متهمينه بالتطاول عليهم وطردهم من بيوتهم بلا ذنب. فطالبوه من خلال الصحف بتعويضهم عن بيوتهم وحقولهم التي استولى عليها، وحدَّدوا التعويض بما يزيد عن (12 الف ليرة) من الذهب، ولكنَّ شكواهم لم يعبأ بها أحد. والى الحلقة الثانية عشرة قريباً.
أحسنت وبارك الله فيك أخي العزيز
السيد لؤي فرنسيس المحترم، أؤيد الاخوة اعلاه واريد اضافة شيء الا وهو ان منطقة سهل نينوى التي يكثر فيها المسيحيين…
الأعزاء أودا و فرج اسمرو المحترمين نعزيكم بوفاة المرحومة المغفور لها شقيقتكم إلى الأخدار السماوية، أسكنها الله فسيح جناته الرحمة…
الراحة الابدية اعطها يا رب و نورك الدائم فليشرق عليها. الله يرحم خلتي مكو الانسانة المحبة طيبة القلب. مثواها الجنة…
Beautiful celebration Congratulations! May God bless Oscar and bless his parents and all the family and relatives