ما أجمل التمنيات ولكن ما أصعب تحقيقها!
قبل أكثر من سنتين كان هنالك توجهان لأبناء شعبنا المسيحي منهم المطالبون بالحكم الذاتي وبالإشتراك مع المكونين اليزيدي والشبكي، ومنهم المطالبون بالإدارة الذاتية وبذات المشاركة، وكان المطالبون بشطريهم من مكون الشعب المسيحي الأصغر بين مكوناته وهو ما سُمي زوراً بالمكون الآثوري أو (الآشوري) ودون أخذ رأي المكون الكلداني الأكبر من حيث مختلف الصُعُد ديمغرافياً واجتماعياً وثقافياً، ونظراً لإصرار كُلٍّ من الطرفين على رأيه لم يُكتب النجاح لأيٍّ من المطلبَين وطواهما النسيان، وفي أحد تصريحات الرئيس جلال الطالباني لهذا العام 2011 وما أكثرها، < لا مانع لديه بإقامة محافظةٍ للمسيحيين في سهل نينوى > ولا يُدرى إن كان قد ورد ضمن برنامج مُعداً سلفاً أم جاء تلقائياً، فتلقفه نفس المطالبين بالحكم الذاتي والإدارة الذاتية وجعلوا منه الهاجس الأكبر لإهتماماتهم لا يوازيه أيُّ شيءٍ آخر، وكعادتهم لم يهتموا برأي المكون الكلداني الرافض لكلِّ هذه التمنيات غير الواقعية!
ولأن هؤلاء الآشوريين المزيفين ” نساطرة اورمية وهيكاري” قد تملَّكتهم عقدة الشعور بالنقص منذ انعزالهم عن إخوتهم الكلدان أبناء الكنيسة الكلدانية النسطورية في منتصف القرن السادس عشر وانزوائهم في جبال تركيا وايران، أوجدت لديهم هذه العقدة كراهية مفرطة للكلدان وتفاقمت هذه الكراهية بعد إتيان الإنكليز بهم كلاجئين الى العراق عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، وظلَّ كُرهُهُم للكلدان مكبوتاً طوال أكثر من سبعين عقداً حتى انفجر بعد التغيير الذي جرى في العراق عام 2003 فشنوا عليهم حرباً اعلامية شرسة وحاكوا ضِدَّ قوميتهم الكلدانية الدسائسَ في مسعىً جنوني لتغييبها وبالفعل استطاعوا تشويهها عندما عطفوا عليها عَنوةً تسميات لا تمت إليها بأية صفة وثبَّتوا هذه العملية المخزية في دستوراقليم كردستان بدعم كُلّي من القيادة الكُردية مخالفين بذلك كُلَّ الشرائع الوضعية فضلاً عن الحقائق التاريخية ورغماً عن الإرادة الكلدانية، ولم يكتفوا بهذا الغُبن الذي ألحقوه بالكلدان في اقليم كردستان، إذ لاحقوا الكلدان مطالبين رئيس البرلمان العراقي الإتحادي برفع القومية الكلدانية المدرجة مستقلة في الدستور الإتحادي وإحلال محلِّها تسمية مركبة هجينة لا تسندها أية حقيقة واقعية أو تاريخية بل هي لعبة سياسية قذرة الهدف منها طمس حقوق الكلدان وإقصاؤهم من الممارسة السياسية الوطنية.
أليس ما ذكرناه أعلاه عملاً إجرامياً يقوم به أناس وافدون الى العراق يدَّعون امتلاك ما لا يملكون ويحاولون بشتى السبُل سلب حقوق الكلدان أبناء العراق الأصليين بدعم من الإخوة الأكراد الذين وقفوا ضِدَّ تطلعات الكلدان المشروعة قومياً ووطنياً ولا ندري ما السبب الخفي الذي يدفعهم الى فعل ذلك. فالكلدان لم يفعلوا يوماً ما يسيء الى الأكراد، ولم يتهموهم بأنهم أغراب عن موطنهم الحالي، وقد ناضل الكثير من شبابهم الى جانبهم في ثورتهم ضِدَّ الحكم الديكتاتوري التعسفي ولم تبخل العوائل الكلدانية في إسداء أنواع العون الى المقاتلين الأكراد بالتستر عليهم وتقديم الطعام لهم، فهل يستحقون منهم أن يكون التنكر لحقوقهم جزاءً لهم؟
بعد انقراض الدولة الآشورية وشعبها الأبدي ما بين عامي 612 – 609 ق . م على أيدي الكلدان وحلفائهم الميديين، دانت بلاد ما بين النهرين لحكم الإمبرطورية الكلدانية لمدة 87 عاماً بدون أيِّ منازع للفترة ما بين 626-539 ق . م حتى سقوطها السلمي بأيدي الدولة الأخمينية الفتية على عهد ملكها كورش الثاني نتيجة خيانة أحد قادتها العسكريين “اوكبارو” وتآمر اليهود المسبيين. ولكن الشعب الكلداني الأصيل واصل مسيرته الحياتية تحت الحكم الفارسي الأجنبي يراوده الحنين الى سؤدده المفقود وقد حاول استرداده مراراً ولكن الظروف لم تساعده.
وما إن بَزغ فجرُ المسيحية إلا وكان الشعب الكلداني الأصيل السبَّاق الى تقبل البشارة المسيحية، ومنذ ذلك الوقت أصبح الضحية الدائمة لمطامح ومطامع الفرس والرومان يدفع هو ضريبتها دون أن يكون له أية علاقة بالصراع الدائم بينهما، وما إن انتهى العهد الفارسي الساساني وبدء العهد العربي الإسلامي الأموي والعباسي وما تخلله من حروب خارجية وداخلية كان الشعب الكلداني صاحب الأرض وحده يدفع الثمن غالياً حيث تُسلب وتنهب قراه ومدنه وتترك خراباً ناهيك عن سفك دماء أبنائه، وأعقب العهدَ الإسلامي العهدُ المغولي الذي ذاق الشعب الكلداني خلاله الأمرين، وتلا ذلك عهدُ الصراع العثماني الفارسي الذي لم يقلَّ وبالُه على الشعب الكلداني عن وبال العهود السابقة. إن الشعب الكلداني المسيحي وبكل طوائفه التي انفصلت عنه عبر التاريخ واتخذت لها تسميات خاصة بها لم يهنأ يوماً بالعيش في أمان واطمئنان مع الأقوام الأخرى الفارسية والعربية الإسلامية والمغولية والعثمانية رغم سعيه للتآخي معها، والتاريخ أكبر شاهد على مدى معاناة هذا الشعب حتى وصل الأمر بالقسم منه الى اعتناق الإسلام ليدرأ عنه السيف والضرائب الباهضة، ومع كُلِّ هذا الظلم والإستعباد والإضطهاد لم تهبط همة الشعب الكلداني في سعيه الحثيث الى نشر البشارة المسيحية في مختلف أصقاع العالم بجهود أبناء كنيسته المشرقية ” الكنيسة الكلدانية النسطورية ” حيث يقول المؤرخ الكبير المطران أدي شير << إن الكلدان النصارى بفتوحاتهم الدينية عظُمت شهرتُهم وخلدوا لهم ذكراً جميلاً مؤبداً. إذ إنهم كأجدادهم إفتتحوا بلاد فارس وماداي والعرب وأرمينية وسوريا وقبرص ومصر وحتى بلاد الهند والصين وتركستان وغيرها من البلاد التي لم يقدر أجدادُهم الوثنيون أن يفتحوها بقوة أسلحتهم القاطعة >>(تاريخ كلدو وآثور ج2 ص6) وتقول بعض المصادر بأن المنتمين الى الكنيسة الكلدانية النسطورية بعد امتدادها الهائل قارب الثمانين مليوناً إبان العهد العباسي، ولكن للأسف لم يستغلَّ الكلدان هذا الكُم البشري الهائل ليخلقوا منه قوة سياسية، بل ازدادوا اندفاعاً الى الحياة الرهبانية والنسكية الى الحد الذي ضاقت بهم الأديرة الواسعة التي لا تُحصى إضافةً الى كهوف ومغاور جبل ايزلا وجبال حمرين ومناطق اخرى عديدة مُكرسين ذواتهم للعبادة والإماتة لنيل الملكوت السماوي .فأين هذا من تشدُّق منتحلي التسمية الآشورية المعاصرين الذين بدون خجل وبكل صلافة ينسبون الكنيسة المشرقية الكلدانية الى الإسم الآشوري المنقرض منذ أكثر مِن خمسة وعشرين قرناً .
الكنيسة الكلدانية النسطورية وخليفتها الشرعية ” الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية “اختارت لأبنائها الطريق الضيِّق المؤدي الى الملكوت الذي وعدهم به مؤسسُها غير المنظور المسيح الرب، وهذا كان أحد أهم واجباتها وقد أدته بكُل إخلاص وجدارة، ومع ذلك لم تنسَ الدفاع عن حقوق أبنائها ومطالبة الملوك والحكام على مَرِّ العصور بإنصاف أبنائها ورفع الجور والتعسُّف عنهم، ولم تقف يوما ضِدَّ رغبة أبنائها العلمانيين ليتخذوا مواقف حازمة ومصيرية لإنقاذ شعبهم من براثن بني الوثنية وبني الإسلام، بيد أن الظروف لم تأتِ يوما بصالح هؤلاء فكانت القوة الهمجية الغاشمة أقوى من إرادتهم، فإلقاء اللوم على الكنيسة واتهامها بالجبن غير منصف وغير مقبول وهي لا تبخل ببذل كُلِّ جُهدٍ تستطيع بذله لصالح أبنائها. لقد فعلت الكنيسة النسطورية كنيسة الجزء الإنعزالي من الشعب الكلداني المزوِّر لهويته الكلدانية وانتحاله للتسمية الآشورية العائدة لآشوريي التاريخ القدماء انصياعا للوعد الإنكليزي الكاذب بإقامة وطن قومي لهم على جزءٍ من أرض العراق، ورضخت لمطالب المتهورين من أبناء شعبها بالتعاون مع الروس في البداية ضِدَّ السلطنة العثمانية ثم مع الإنكليز، فماذا كانت النتيجة يا تُرى؟ فقدان ثلثي أبناء شعبها حيث تعرضوا للسيف العثماني عدا خسارتهم لممتلكاتهم من الأراضي والأملاك، ولو لم يبادر الإنكليز الى جلب البقية الناجية منهم كلاجئين الى العراق لقضي عليهم عن بكرة أبيهم! هل كان تصرف رئاسة هذه الكنيسة تصرفا موضوعياً مسؤولاً ؟
والمغزى مِمّا تقدم سردُه نسأل المتهورين من أبناء منتحلي التسمية الآشورية التابعـين للكنيسة النسطورية بشقيها، ما هي الضمانات التي حصلتم عليها من العرب بشيعتهم وسنتهم لكي تُطالبوا بمحافظة خاصة في سهل نينوى، ولنفرض جدلاً أنهم أعطوكم هذه الضمانات، فهل هناك ما يكفل إلتزامَهم بها ؟ وهل وعد الأكراد بحمايتكم إذا هاجمكم العرب وهو أمر حتمي لا يمكن إغفاله أبداً إذا أخذنا تصريحات رئيس البرلمان العراقي مأخذ الجد وهي كذلك؟ وهل هنالك مَن يقدم الحماية بدون مقابل ؟ فماذا سيكون المقابل ؟ وهل بإمكانكم الوفاء به ؟ ثمَّ ماذا عن معارضة الكلدان لمثل هذا المشروع الخطير بأبعاده وتداعياته؟ هل يُساعد عددكم الضئيل بتحقيق هذا المشروع بدون موافقة الكلدان وإرادتهم ؟ وكيف سيتناسب حجمكم مع حجم اليزيدية والشبك، وهل سيكون لكم دور فعال ؟ كلا وألف كلا .إن العراق ليس بلداً ديمقراطياً ولن يكون كذلك أبداً، لأن الإسلام هو نقيض الديمقراطية وغالبية الشعب العراقي تدين بالإسلام، والإسلام عندهم هو مصدر التشريع فكيف يسمح لغير المسلم التمتع بفوائد الديمقراطية ؟ كلنا نطمح بمثل هذا المشروع ولكن إذا كانت تبعاته غير محمودة العواقب، والدليل على ذلك التصريحات التحذيرية والتهديدية الصادرة من القوى العربية السنية، فهل نحن على مستوى التحدي؟ إننا نحن الكلدان نطالب المكونات العراقية الكبرى أن تعتبرنا مواطنين متساوين لهم، لنا الحق في تسنم مواقع ووظائف مهمة في الدولة العراقية من خلال مؤسساتها المختلفة، لا نُريد أن تُحدَّد مناطق سكننا بل أن تكون كل مناطق العراق متاحة لنا، متمنين أن يقوى شعار المواطنة لدى كلِّ العراقيين وأن يتغلب على كُل الشعارات الأخرى، الطائفية والمذهـبية والدينية والعِرقـية، هذه هي تمنياتنا الواقعية التي نسعى الى تحقيقها، وليس تلك التمنيات الخيالية !
الشماس د. كوركيس مردو
عضو الهيئة التنفيذية
للإتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان
عضو قيادة التجمع الوطني الكلداني
في 30 / 9 / 2011
أحسنت وبارك الله فيك أخي العزيز
السيد لؤي فرنسيس المحترم، أؤيد الاخوة اعلاه واريد اضافة شيء الا وهو ان منطقة سهل نينوى التي يكثر فيها المسيحيين…
الأعزاء أودا و فرج اسمرو المحترمين نعزيكم بوفاة المرحومة المغفور لها شقيقتكم إلى الأخدار السماوية، أسكنها الله فسيح جناته الرحمة…
الراحة الابدية اعطها يا رب و نورك الدائم فليشرق عليها. الله يرحم خلتي مكو الانسانة المحبة طيبة القلب. مثواها الجنة…
Beautiful celebration Congratulations! May God bless Oscar and bless his parents and all the family and relatives