ح
ولدت عربيا , ولم أقف إلى جانب الشاعر الراحل محمد الماغوط حينما قال:( ما من جريمة كاملة في هذا العصر سوى ان يولد الإنسان عربيا). درست العربية , وحفظت آيات من القران الكريم , وحفظت عن ظهر قلب تاريخ العرب والعروبة و(الشعر ديوان العرب). حفظت المعلقات قبل أن أحفظ أسماء مدن وطني وأسماء أقاربي , ورسمت وأنا معصوب العينيين خرائط البلدان العربية قبل أن اعرف ان تقع مدينة عفج مضرب الأمثال !.
حلمت بالوحدة العربية وبالوطن الكبير قبل أن احلم بسقف يقينا حر الصيف وبرد الشتاء ويجنبنا زيارات المؤجر كل شهر, لعنت (سايكس بيكو) وأخواتها قبل ان العن (خرنكعية) الساسة في العراق على مر العصور , تفاخرت أمام الأغراب بانتمائي العربي — في كل سفراتي الخارجية على الرغم من السمعة السيئة للعرب في الخارج — قبل ان أتفاخر بانتمائي لبلد تنساب الحضارة مع هوائه ومائه وقبل ان أتفاخر بنسبي لمملكة ميسان عاصمة الماء. بعد كل هذا الماضي المجيد مع العروبة , انتبهت لحالة قد يجمع عليها اغلب العراقيين , وهي نفورهم الشديد من العروبة والعرب , فبحثت على الأسباب بشكل موضوعي ومختصر فوجدت :
في تاريخنا الحديث , بعد احتلالنا من قبل قوات الانكليز في العام 1917, لم ننعم كغيرنا بالهدوء , إذ سرعان ما حيكت المؤامرات العربية ليجلبوا لنا ملكا عربي غير عراقي يحكمنا! بمساعدة من عراقيين أذلاء بعد مؤتمر عقدوه لهذا الغرض في القاهرة! .
كانت تلك أول طعنة من الخنجر العربي الذي استمر معلقا فوق رقابنا كسيف ديمكليس.
خلال فترة الحكم الملكي تدخل العرب كي يسن قانون الجنسية العراقية سيء الصيت, الذي قسم العراقيين إلى قسمين , تبعية عثمانية وأخرى فارسية , في حين منح العرب وغير العرب الجنسية العراقية استناد إلى قانون سنه الملك غير العراقي يقضي بان يصبح عراقيا من كان مقيما في العراق قبل دخول الملك إلى العراق , وان كان مسافرا مر بالعراق (عابر سبيل) حتى وان كان من بقايا الجيش الانكشاري !.
بفعل تلك القرارات الجائرة نزعت العروبة هوية المواطنة العراقية من الكثير من العراقيين , ومنحت لغيرهم من العرب وغير العرب , واستمرت تبعات ذلك القانون إلى يومنا هذا , لم نجد مثل هذا القانون في كل بقاع الأرض !!.
بعد ثورة تموز 1958نزل العرب بكل ثقلهم وبشكل مفضوح من اجل إجهاض الثورة , كانت حركة الشواف في الموصل ثمرة للتدخل المصري الناصري , أرادوا إلحاق العراق كضيعة خلفية في حدائق مصر أو سوريا عبد الناصر, بعد حين تم لهم ما أرادوا , بعدما حسمت رشاشات بورسعيد المصرية معركة دفاع العراقيين عن ثورتهم وزعيمها الشهيد الخالد عبد الكريم قاسم , ومالت الكفة للمتآمرين المدعومين عربيا .
وقف البعث السوري بكل ثقله في العام 1963مع المتآمرين البعثيين , الذين ذبحوا العراقيين واستباحوا حرماتهم .
كانت الفترة الممتدة منذ عام 1964 لغاية انقلاب 1968 ومجيء البعث للسلطة فترة ذهبية لمصر وعبد الناصر, على الرغم من حالات الشد والجذب بين عبد السلام عارف وعبد الناصر, لكن الجناح الناصري في الحكومة العراقية المدعوم من قبل السفير المصري في بغداد أمين هويدي – الذي كان بمثابة المندوب السامي البريطاني – كان هو المنتصر دائما وهو صاحب القرار . لقد كان العراق بحاجة ماسة للتنمية وللعملة الصعبة , وكانت مدن العراق خربات , لكن محافظ البنك المركزي العراقي آنذاك ناصري الهوى خير الدين حسيب , وقف مع مصر و عبد الناصر في (محنتهم المالية) وحول ملايين الدولارات إلى مصر , وتركت مدن العراق خربة , لم يطالب احد بتلك الأموال إلا حين تسلم عبد الرحمن البزاز رئاسة الوزارة .
رفع صدام وحكومته بعلاقته مع العرب كل المحذورات , فأصبح العربي الوافد في نظر حكومة البعث هو ابن البلد الأصلي المعزز المكرم , والعراقي نصيبه القتل في الحروب , أو الإعدامات , أو السجون , أو المنافي , ومن عاش في العراق من غير جوقة صدام , عاش جائعا ومرعوبا !.
ثمة مفارقة لم ينتبه إليها الكثير من العراقيين , كان العراقي المسافر للخارج لاياخذ معه أكثر من 50 دولار ,ومن وجد معه دولارات أكثر يسجن ويحقق معه , أما من وجد في بيته أو محله التجاري أكثر من إلف دولار , فمصيره الحبس وقطع اليد والإعدام في بعض الأحيان .في حين يتنعم العرب الوافدون إلى العراق في الدولارات ويحولون مبالغ كبيرة منها رسميا لبلدانهم , ويحملونها في جيوبهم دون خشية , حتى ان اقرب أصدقائي علّق عندما القي القبض على صدام قائلا: (الله يطيح حظك صدام لان خليتنه نخاف من الورقة أم المية دولار مثل ما أنخاف من الحية) !.
جامعات العراق وأسواقه ومدنه مفتوحة لاستقبال العرب أينما حلوا , في حين ان صدام سن قانونا منع بموجبه امتلاك العراقيين للعقارات إلا في المحافظات التي ولدوا فيها, مستثنيا سكان تكريت على اعتبار إنها كانت ضمن بغداد في إحصاء عام 1975 .
ظل طلاب العراق يعانون كثيرا لعدم توفر فرص التعليم , ولمنافسة الطلاب العرب لهم وهكذا كان سوق العمل العراقي مكتظا بالعرب !.
من هرب من العراقيين من ظلم صدام , أغلقت اغلب بلدان العرب أبوابها بوجوههم, ومن دخل بلدانهم استعبدوه . لقد صار الانتماء للعراق والجواز العراقي تهمة معيبة, فالعراقي متهم في مطاراتهم ومنافذهم الحدودية إلى أن يثبت العكس ,وهذا الأمر مستمر للان .
حروب صدام تمت بمباركة عربية , شعارها: الموت للعراقيين والفخر والشكر للعرب, وما تكريم صدام للملك حسين , والملك فهد , ولأمير الكويت, بأوسمة ونياشين ومدحه لحسني مبارك بعد نهاية حربه على إيران إلا اعترافا بالجميل .
عندما غزى صدام الكويت لم يستطيع العرب والعالم معاقبة صدام وقيادته وحزبه فعاقبوا العراقيين , عندما أتيحت لهم فرصة إسقاط نظامه بعد تحرير الكويت وقواتهم لم تبعد سوى مرمى حجر عن بغداد لم يفعلوا ذلك , والأكثر غرابة ان كل الطائرات التي دمرت العراق في حروبه الأخيرة أقلعت من مطارات عربية , عندما حانت الفرصة للعراقيين لإسقاط صدام تحركت السعودية ومصر وبعض الدول العربية الأخرى ومنعت إسقاط صدام , وتمكنت من إجهاض انتفاضة العراقيين بمساعدة غربية .
بعد حرب الكويت ومرحلة الحصار جاع العراقيون بأوامر غربية , بتنفيذ ومباركة عربية .لم نر أجنبيا واحدا يقف على حدودنا ليمنع دخول البضائع للعراق , بل رأينا العرب وهم يحاصروننا ويفتشون بدقة متناهية كل البضائع الداخلة ألينا .خلال فترة الحصار, أكلنا وشربنا ولبسنا واستعملنا الأغذية والعصائر والألبسة والبضائع التركية و الإيرانية ولم نر البضائع العربية !.
كان المال العراقي مباحا للعرب , فاغتنى الفلسطينيون والأردنيون والمصريون من خيراتنا , ونحن نئن من الجوع ونفطنا مستباح للأردن !.
مشكلة العرب مع العراقيين ببعدها التاريخي لم تكن محصورة بالتدخل العربي في الشأن العراقي الداخلي حسب ولا بمساندة أنظمة عربية لنظام قمع العراقيين , ولم تكن محصورة في قضية واحدة بل هي حصيلة مواقف سلبية مستمرة.
الأنظمة العربية الصديقة لصدام , كانت تطارد المعارضين له وتضيق عليهم , أما الأنظمة المعادية لصدام فكانت تعاقب العراقيين وتمنعهم من الدخول لبلدانها !.
الموقف العربي الرسمي استطاع من خلال الإعلام ان يحرض ويحرك الشارع العربي ضد العراق والعراقيين بلا ذنب ارتكبوه.
إذا حاولنا نسيان إساءة الأنظمة العربية , فان العراقيين لن ينسوا أبدا الجرح الغائر الذي أحدثته أغلبية النخب العربية في الجسد العراقي , هذه النخب التي استباحت أموال العراقيين , وساندت صدام في قمعه لنا , وقبضت النقود والكوبونات النفطية .
من خلال المرابد الصدامية والشعر وطيلة فترة أعوام ثقال مرت علينا , سمعنا عن ألاف الأسماء لمثقفين وشعراء عرب , تربوا على موائد العراق كقطط سمان تكثر المواء لاهجة بمدح صدام , مثلهم فعل بعض الإعلاميين والفنانين , الذين برعوا في إلباس صدام رداء صلاح الدين الأيوبي , كفاتح للقدس ومحرر لفلسطين!!.
من ينسى الممثلة رغده , بزياراتها المتكررة لصدام مع فنانين آخرين في اشد أوقات نظامه عزله , مثلها فعل فريد شوقي وعادل إمام وعبد الله غيث ويحيى شاهين ومحمد صبحي ويونس شلبي ونرمين الفقي ويحيى الفخراني وسماح أنور وسميرة سعيد وأمينة فاخت وسيمون ونوال الزغبي , التي قبضت مليون دولار من عدي صدام عن حفلتين أقامتهما في بغداد .
لكن العراقيين يتذكرون بفخر , رفض الفنانة الكبيرة فيروز الغناء على مسرح تعلوه صورة كبيرة للبكر , ولا ننسى أبدا وقفة العز للشاعر الراحل نزار قباني في مهرجان المربد في العام 1985 , وهو يزمجر بقصيدته التي أذلت صدام ونظامه ,منع بعدها من دخول العراق , وشنت وسائل إعلام صدام والإعلام العربي السائر في خط صدام حملة ظالمة ضده .القصيدة التي يقول في بعض أبياتها:
مسافرون نحن فى سفينة الأحزان
قائدنا مرتزق
وشيخنا قرصان
مكومون داخل الأقفاص كالجرذان
لا مرفأ يقبلنا
لا حانة تقبلنا
كل الجوازات التي نحملها
أصدرها الشيطان
كل الكتابات التي نكتبها
لا تعجب السلطان .
لم ننسى أبدا الشاعرة سعاد الصباح بنت الأسرة الحاكمة الكويتية , وهي تقف بين يدي صدام تقرأ له قصائد المديح والغزل دون حياء– سبق لي ان كتبت قصيدتها في مقال الكويت تحت البند الثامن -.
أما مشكلة العرب مع العراق بعد الإطاحة بصدام فيعرفها الجميع , حيث شكل العرب العصابات الأولى التي تركت جيش أمريكا واختصت بقتل العراقيين , وتفجير بيوتهم ومحالهم التجارية وشوارعهم ومزاراتهم الدينية وكنائسهم ومساجدهم وحتى رياض الأطفال , ما زال الإرهابيون العرب يعملون للان بمساعدة دول عربية , وبدعم إعلامي ومالي ومخابراتي عربي , مازالوا يحرضون علينا علننا, من اجل ضرب تجربة العراق الديمقراطية وقتل شعبه .
تطوع دون حياء محامون عرب من مختلف الجنسيات العربية للدفاع عن صدام , دون أدنى مداراة لمشاعر ضحايا صدام من العراقيين , تقود جموع المحامين وتدفع لهم الأموال عائشة ابنة القذافي بالتنسيق مع رغد صدام , ( لم نسمع عن محامي عربي واحد انتصر لمظلوم عراقي ودافع عنه ) ورد ظلم صدام والعرب عن العراقيين .بعد هذا المرور السريع على ما فعله اغلب العرب بالعراقيين , وما أشرته الذاكرة العراقية من أحداث وفجائع خلدت في وجداننا, صارا غلب العراقيين يشمون من العروبة والعرب رائحة: الطائفية والموت والتآمر والتدخل وانتهاك الحرمات والطمع والسرقة.
ذكر هذه الجرائم لا يعني أبدا أننا نرمي بحمولتنا على أكتاف العرب , ونعفي بعض الساسة العراقيين الأذلاء في كل العصور , من جريمة رهن مستقبل ومصير العراق بيد غير العراقيين .
السؤال المهم لو فعل العراقيون بأي شعب عربي ما عمله العرب معهم فهل ستأخذ العرب بنا رحمة؟.
كيف نسكت الأصوات العراقية التي لا تريد ان تنسى إساءات العرب ولا تريد علاقة بهم ؟.
حتى لا نترك هذه الأصوات تصيح على هواها ولا نترك الوضع دون معالجة .
فمن من العرب: شخصا كان , ام مجموعة , أم كيانا , أم دولة , يستطيع ان يغير قناعات العراقيين؟ ويمسح قليلا من ذاكرتهم التي تنز دما .
على الجامعة العربية والإعلام العربي المستقل ومنظمات المجتمع المدني العربية , على الأشخاص المؤثرين والمشاهير العرب , ان يحاولوا تصحيح الأخطاء العربية والتقليل من وقع الجريمة العربية المرتكبة بحق العراقيين .
علنا نطمئن ونحاول ان ننسى , أو نتناسى , أو نقلب صفحتهم السوداء .
الأنظمة العربية التي أسهمت بصنع الحواجز والفجوات والجرائم بين البلدان العربية في طريقها الى الزوال.
(وظلم ذوي القربى اشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند) …..طرفة بن العبد
احد اكبر الأخطاء هو ان نقول ان العراق عربيا . فلا هو عربيا تاريخيا ولا العرب هم القوم الوحيد الذين يقطنون بلاد ما بين النهرين . كما ان العرب القومجيون اسأوا إلى الى العراق اكثر من الأجنبي .
لكم مني الف تحية
انور صليوة -جوزيف
الاخ العزيز كاتب المقال تحية طيبة من القلب اهديها لك على قولك الحق واعتقد بل واوكد ان النسبة العظمى من شعب العراق تفكر بنفس ما صرحت به بل واكثر وهنا اريد ان اظيف نقطة واحدة فقط من الاف النقط الى مقالك الشجاع وهو كيفية تعامل المسوولين الاردنيين مع العراقيين في المنافذ الحدودية والمطارات وانا واحد من هولاء الذين عانوا. بارك الله لك في جهدك هذا لوضع الحقائق في محلها وكفانا الله شر العروبيين مستقبلا مع تحياتي