لقاء مع الـناشـط الكـلـداني الأسـتاذ مايكـل سـيـﭘـي
س : أخي العـزيز مايكل ، في كـل لـقاء صحـفي ثـنائي هـناك بـداية روتينية في الحـديث ، ويسـرني أن أتـركها لحـضرتـكم فـبماذا تبـدأ ؟
ج : أخي عادل ، هـذا كـرم منـك وثـقـتك بي حـين تخـولـني في أن أخـتار الـبداية لحـديثي فأصبح أنا السائل والمجـيـب ، سألبّي طـلبك ولكـن طـريقـتـك هـذه ذكـَّـرَتـني بموقـف كـنتُ عـريف خـفـر حـين دخـلتُ إلى ملجأ الآمر في جـبهة الحـرب / قاطع الشرهاني 1983 وعلاقـتي طـيـبة معه وقـلتُ له : أريـد أن أقـدِّم عـريضة للموافـقة عـلى المثـول أمام سيادتكم ــ وهـذه سياقات عـسكـرية ــ فـقال قـدّم ، فـقـلتُ له : آني هـسّا ماثـل أمامكم ، هـل أكـو داعي أجـيـب ورقة وأكـتب وأقـدّم وأنـتـظـر ! قال : والله خـوش طلعة ، ﮔـول شـكـو عـنـدك ، قـلتُ : الجـنـدي ما يـريد فـلوس ولا ﭘـرتـقال ، أريـد إجازة ! فـقال : شـتـسَـوّي بـيها ؟ قـلتُ أشوف عائلتي ! قال : قـدّم طـلب وسهـلة ، وبالتالي حـصـلتُ عـلى إجازة خاصة لأربعة أيام .
الـولادة
بعـد بضعة سـنوات من نزوح والـدَيَّ الألـقـوشـيّـين إلى كـركـوك وُلِـدتُ في قـلعـتها عـنـد الساعة الـثامنة والـنصف من صباح يوم عـيـد الميلاد في عام 1949 وتـعـمـذتُ في كـنيستها . والـدتي كانت أمية من أسرة فـقـيرة والـدها شماس يمتهـن النسج الـيـدوي ــ زقارا د ﮔـردا ــ وهـذه صورة له في إحـدى مراحـل العـمل في الـدار :
أما والـدي فـقـد وُلـِد بعـد موت أبـيه بحـوالي الشهـر فـلم يـرَه ، كان يقـرأ ويكـتب ويحـسب ولكـنه غـير مثـقـف ، قـليل الحـوار ينحـدر من أسرة فلاحـية مترفهة . لم يحـصل عـلى مستحـقاته من ميراث والـده بسبب تحـيِّـز وظـلم رجال الـدين المتـنـفـذين في ألـقـوش آنـذاك حـين قــسَّموا الميراث مستـنـدين إلى الشريعة الإسلامية التي تـنـصّ عـلى : الحـفـيد المولـود بعـد موت أبـيه لا يرث من جـدّه ! عـلى إعـتبار إنـقـطعـتْ قـناة صِلة الـدم والرحـم … حـقاً الأمر عـجـيـب !! ولكي يطبقـوا القانـون عـليه إعـتبروا عـمه الـذي ربّاه جَـداً له …. وهـذه أكـثر غـرابة !!!! هـكـذا تكـون عـدالة رجال الله الـذين بـيـدهم مفاتيح الملكـوت ، وكـل ما يحـلـّـونه عـلى الأرض يكـون محـلولاً في السماء ، وبكـيـفهم حـينما يقـفـلوه عـلى الأرض يُـقـفـل رأساً في السماء بـدون ريموت كـونـتـرول ….. والحـق يقال كان والـدي في صغـره يتـلقى بعـض الحـنان من جـدّه لأمه المرحـوم صـلـيـوو وجـدّته تــَحّة.
كانت والـدته تـظـهـر في هـذه الصورة أدناه قـد تـزوَّجـتْ من جارها الأرمل المرحـوم سليمان خـنـدي ، ويُـذكـر أنها في جـلسة تـقـسيم الميراث حـضرتْ وجاهـدتْ فإستـحـصـلتْ لـوالـدي غـرفة فارغة وزوّدته بـدوشك قـروي ولحاف ومخـدة وتـزوّج فـيها لاحـقاً ، وهي التي قـدَّمت للعـريسَين أول فـطـور في الصباح .
إنَّ السبب الحـقـيقي للموقـف السلبي لعـمنا الكـبـير المرحـوم حـنا سـيـﭘـي تجاه والـدي كان بسبب معارضته لعلاقة حـب نشأتْ بـين والـدي وفـتاة سمراء البشرة زرقاء العـينين رشـيقة الـقـوام من عائلة فلاحـية مترفهة في محـلـتـنا في فـتـرة الثلاثينات ، ولم تكـن هـناك في ذلك الوقـت الحـرية كـما هي الـيوم وتلك قـصة غـرامية شـيقة تـتـطـلب مقالاً خاصاً … لـذا ترك العـيش مع عـمه وهـو إبن 25 سنة أعـزباً فـقـيراً وأصبح يائساً محـبطاً طـوال حـياته .
س : هـل شاركـتَ فـطـورهما ؟
ج : كلا فـقـد تأخـرتُ لأني كـنتُ بعـيـداً عـنهم مسافة تسع سـنوات مشياً عـلى الأقـدام .
س: ما هي أعـمق ذكـرى عـنـدك ؟
ج : أنا كـتبتُ ذكـريات غـير منشورة بعـنـوان ــ في رحاب الكـنيسة ــ أذكـر لك مقـطعاً منها أتمنى أن يكـون جـواباً لسـؤالك :
ذكـريات الطفـولة العـميقة
أرى نفـسي وأنا أرتمي في أحـضان والـدتي وهي متــّـكـئة عـلى سياج في الطابق الثاني من المنزل وأنا واثـق من أن عـمري كان أقـل من ثلاث سنين ولكـني لا أدري كـمْ ؟ إلاّ أنـني أتـذكـّـر جـيـداً وعـمري ثلاث سـنين مؤكـّـدة . أما حـين كـنت طفـلا في الرابعة أو نحـوها ، ترتسم في مخـيّـلتي وأنا بصحـبة والدي ، نارٌ مشتـعـلة من حـشائش وأدغال في إناء واسع وسط جـمع غـفـير من الناس في صالة كـبيرة ، ولما كـبرْتُ عـلمتُ أن ذلك كان طقـوساً لقـدّاس عـيد الميلاد في كـنيسة القـلعة ( سابقاً كـنيسة المطرانخانة في كـركـوك ) . وقـد إستطـعـتُ البحـث في أشرطة مسجّـلة بين ثـنايا خـلايا ذكـرياتي العـميقة فـرأيتُ نفـسي في مشاهـد من صباح أحـد الأيام منهـمكاً في شُرب قـدح شاي بملابسي الجـديدة كادتْ أن تكـون حـلماً فـعـلاً لولا إدراكي في الكِـبَر أن تلك كانت لحـظات سبقـتْ مغادرتي الدار مع والـديَّ وإخـواتي في صباح العـيد إلى الكـنيسة وأنا في حـوالي الخامسة من العـمر . وبمرور الأيام إنـتعـشتْ مقـدرتي في تذكـّـر الأحـداث الغائرة من حـياة صِـبايَ ، فـها أنا في سنة 1955 أو قـبلها بقـليل أرى نفـسي مع والدتي وعَـيناي مركـّـزة عـلى لوحة بـيضاء متدلـّـية من سقـف تظهـر عـليها صوَر متحـركة لصبيّ جالس في دلو عـند حافة بئر مُحاط بجـمْع من الرجال بعـد أن سُحـب بحـبل من عـمق البئر ، ولما نضجْـتُ عـلمتُ انّ ذلك كان فـيلماً لقـصة يوسف إبن يعـقـوب ( يوسـﭗ مصرايا ) يُعـرض عـلى الشاشة في هـيكل كـنيسة مار يوسف الكـلـدانية / كـركـوك .
س : كـيف بـدأت الـدراسة ؟
ج : أخـذني والـدي إلى مـدرسة المأمونية الإبتـدائية في محـلة شاطـرلو ، وتـكـلم مع المدير لأني لم أكـن أعـرف أية لغة عـدا الكـلـدانية الـدارجة . تعـلمتُ القـراءة والكـتابة العـربـية في المدرسة ثم التـكـلم باللغة الـتركمانية بطلاقة مع الطلاب وأتـذكـر إسم معـلمنا عـبـد الله عـمر لـطـفي ، ولكـن مع كـل الأسف غادرنا كـركـوك إلى ألقـوش وأنا في الصف الرابع الإبتـدائي ، وبـدأتْ تلك اللغة تـتبخـر مني لعـدم ممارسـتي لها حتى نسيتها تماماً ولم يـبقَ منها عـنـدي إلاّ العَـد حـتى العـشرة مع مفـردات قـليلة جـداً .
أتـذكـر ونحـن في زمن الملكـية كانت تـوزع سـنـوياً المعـونة الشـتائية للطلاب قاط وحـذاء بالإضافة إلى الـتـغـذية المدرسية مع حـبة زيت كـبـد الحـوت يومياً . وبالمناسبة فـقـد شاهـدتُ الملك فـيصل الثاني في سيارة حـين زار كـركـوك ونحـن واقـفـين عـلى جانبي الطريق ولا أعـرف التأريخ .
تـناولـتُ القـربان المقـدس للمرة الأولى في صيف 1958 وأنا في الصف الثالث الإبتـدائي ــ وهـذه أقـدَم صورة عـنـدي ــ في كـنيسة مار يوسف الكـلـدانية وباللغة العـربـية بسبب غالبـية الطلاب ، وأتـذكـر فـيها المرحـوم القـس الشجاع يوسف زورا شقلاوايا ، والطـفـل الواقـف بجانبي ألقـوشي إسم أبـيه منصور ولا أعـرف عـنه أكـثر .
في ألقـوش
وقـبل أن تـتـدهـور الأوضاع في كـركـوك بعـد قـيام الجـمهـورية شاء والـدي أن يرجع إلى أرض الأجـداد فإنـتـقـلنا إلى ألقـوش في عام 1958 وأتـذكـر كان الـجـو بارداً حـين وصلـناها ليلاً وإسترحـنا لساعات في بـيت المرحـوم عـزّوتي . ومن الطرائف ، نهـضتُ من نومي صباحاً وخـرجـتُ أمام الـدار فـرأيتُ جـميع سطوح ألـقـوش مصبوغة باللون الأبـيض فـدخـلتُ مسرعاً وسألتُ والـدي : مَن صبغ جـميع السطوح ليلاً ؟ فـعـلمتُ أنه كان ثلجاً قـد تساقـط أثـناء الليل بغـزارة .
س : ما الـذي لاحـظـته من فـروق الحـياة والمعـيشة بـين كـركـوك وألـقـوش ؟
ج : الفـروق كـثيرة ، شاهـدنا لأول مرة الجـبل والـبئـر وتساقـط الـثلج وحـقـول الحـنـطة والشعـير ثم بطيخ ألقـوش وأقـلـتا وبَـنـيوكي وجـنجـريق …. ﮔـيـﮔـرا و دَنـك و بـدراثا … مَنـقل الفـحـم و ﮔــَـبويي د خِـطّ ــ تـنـقـية الحـنـطة ــ وفانـوس ، ولكـن فـقـدنا الكـهـرباء والماء المتيسِّـر من الحـنـفـيات والـﮔـيمر وسانـدويـﭻ الصباح للمدرسة ، والشوارع المبلطة والمرافـق الصحـية المنـزلـية من حـمام ومطـبخ … ثم الـتـنـقـل بالعـربات الـتي كانت تسحـبها الحـصن ورؤية السيارات في الشارع وكـذلك فـقـدنا الزيارات العائلية الـبعـيدة عـن السياسة .
صورة عائـلية في بـيادر الـقـوش
وبعـد سنين إنـتـقـلتْ أعـداد كـبـيرة من تلك العـوائل إلى ألقـوش وقـسم منها إلى بغـداد ومـدن أخـرى ، وفـقـدنا تلك العلاقات الـودّية مع بعـضها بل صارت معاكـسة تماماً بسبب السياسة المفـسـدة لكـل شيء .
س : هـل تـُـحـدثـنا عـن بـداياتـك في الكـنيسة ؟
ج : في المقال المشار إليه ــ في رحاب الكـنيسة ــ جاء ما يلي :
حـين إنـتقـلتُ إلى مدرسة العـزة الإبتدائية في ألقـوش كانت الدروس الدينية موجـودة ضمن الحـصص الدراسية والكاهـن المرحـوم ( الأب هـرمز صنا ) معـلـّـمنا ، ثم في السنة التالية نـقـلونا إلى مدرسة القـوش الأولى في بناية مار ميخا القـريبة من الكـنيسة لـذا فإن بعـضاً من دروسنا الدينية كـنا نطـبـّـقها فـيها ، ومن بين واجـباتـنا اليومية المُـلزمة حـضورنا القـداس صباح كـل يوم مع تـثبـيت أسماء الغائبين من قِـبَـل المراقـب وهـو أحـد زملاء صفــّـنا ، والكاهـن يتابع المخالفـين منا . وفي العـطلة الصيفـية نذهـب لتعـلـّم الصلوات والألحان الكـنسية في فـناء دار من أملاك الكـنيسة يقـع بين بناية الكـنيسة وبناية مار ميخا ومعـلـّمنا فـيها الشماس والساعـور المرحـوم هـرمز كادو يشجّـعـنا بهـداياه البسيطة ( صٌوَرٌ صغـيرة للقـديسين ) لمَن يحـفـظ الصلوات بسرعة . وفي المدرسة كـنتُ أنشد أناشيد وطنية داخـل الصف بمرافـقة موسيقى الأوكـورديون من عـزف معـلـّمنا الموسيقار حـكـمت زيباري لِما كـنتُ أتمتــّع به مِن صوت صبـياني رخـيم ، ونظراً لذلك فـقـد إخـتارني الأب المرحـوم هـرمز صنا في إحـدى جُـمَع درب الصليـب في عام 1959 للإشتراك بطقـوسه الكـنسية التراثـية الأصـيلة وكان دَوْري فـيه تلاوة صلاة السلام الملائـكي باللغة الكـلدانية الفـصحى ( ﮔـوشـْما ) بأسلوب فـرديّ مألوف في حـينها لم يكـن ترديداً جافاً بل ترنيماً مطلقاً ، وقـد أبدعـتُ فـيه بفـضل صَوتي في المرحـلة تلك ونلتُ المدح من سامعـيه وأتذكـّـر تـشجـيعه لي أستاذي المرحـوم جـرجـيس زرا ، حـين مـدحـني فـكانت بمثابة دفـعة زوّدتــْـني بزخـم لأنطلق إلى مرحـلة جـديدة من حـياتي الروحـية لتكـون نواة لمستـقـبلي الفـكـري .
وكانت تلك المناسبة مهـمّة بالنسبة لي لأنها زرعـتْ عـندي بذرة نـَمَتْ بعـد سنين وحـفـزتـني لأرسم الخـطوط العـريضة لنهجي في الحـياة مستقـبلاً وأتـجـنـّب الأزقة الضيقة وسالكـيها البعـيدين عـن الكـنيسة وأكـون قـريباً من أصوات النواقـيس وساعـورها حـتى اليوم . وقـد خـدمني إخـتياري ذلك ، طيلة فـترة حـياتي الجامعـية والعـسكرية والوظيفـية وأنا معاصِـر لأنظمة حكـومية متـنوعة وقاسية فـلـَم يلاحـقـني أحـد رغـم إستقـلاليّـتي السياسية ولم يتـشكـّـك بي آخـرٌ في أمرٍ ، بل يمكـنـني القـول بأنـني كـنتُ أكـثر شجاعة من غـيري في مواقـف عـديدة مستـنداً إلى تشـبّـثي بإنـتمائي الكـنسي ونقاشاتي الدينية أينما أصادف وحـتى مع مَن لا يستسيغـها بالإضافة بـياض صحـيفـتي الأمنية الواقـية من الملاحـقات المخابراتيّة .
ولا زلـنا في الحـديث عـن الكـنيسة تعـلمتُ خـدمة الـقـداس بأن كـتبته بالـﮔـرشوني أولاً ، ثم تعـلمتُ كـتابة حـروف لغـتـنا الكـلـدانية أثـناء درس شاغـر واحـد في الصف الثالث المتوسط مِن قِـبَل زميل الـدراسة الأخ يوسف صادق شكـوانا ، ثم واصلتُ تعـلمها في الـدورات الصيفـية الكـنسية ولم يتسنَّ لي أن أتعـلم التـفـسير ــ ﭘـوشاقا ــ إلاّ بنسبة قـليلة . وكانت لـنا نشاطات بالأخـويات المريمية ، وهـكـذا في الـيونان كـنتُ معـلماً لخـمس سنـوات لـدَورات طلاب الـتـناول الأول للـقـربان المقـدس وتـعـلموا خـدمة الـقـداس الإحـتـفالي لـوحـدهم .
س : كم سنة عـشتَ في ألقـوش وهـل واصـلتَ الـدراسة فـيها ؟
ج : ثمان سـنوات متـواصلة في مرحـلة الصبا والمراهـقة ومطلع الشباب ، وخلالها أكـملتُ الـدراسة الـثانـوية فـيها عـلى ضوء اللوكـس واللمـﭘـة والفانـوس .
س : ماذا تـتـذكـَّـر من أيام الـدراسة الـثانـوية ؟
ج : الـذكـريات كـثيرة وأذكـر منها : 1- في مطلع مرحـلة الصف الخامس العـلمي وُزعـتْ الكـتب المدرسية للطلاب غـير الأغـنياء وأنا من بـينهم ، وعـنـدها إنبرى أحـد الطلاب سائلاً المدير المرحـوم منـصور أودا لماذا لم تـشملني بها ؟ قال له المديـر : هـل أن أباك فـقـيـر ، فـسكـت الطالب .
2- لم أمتـنع عـن لـبس سـروال مرقع من الخـلف برقـعـتين متجاورتين حـتى الصف الثالث المتوسط ، أما في الصف الرابع الثانوي فـقـد رفـضتُ وإمتـنعـتُ إمتـناعاً شـديـداً ! لماذا ؟ لأن في صفـنا 13 طالبة .
وبعـد الثانـوية إنـتـقـلتُ إلى بغـداد حـيث يعـمل والـدي بصفة عامل ، لمواصلة الـدراسة في جامعة بغـداد ــ كـلية الـتربـية الملغاة ــ فـرع الـفـيزياء . ولكـني كـنتُ أقـضي كـل عـطـلة ربـيعـية وصيفـية فـيها وحـتى عام 1974 إنـتـقـلتْ إقامتـنا كعائلة إلى بغـداد .
س : سـوالـفـك ممتعة ، هـل عـنـدك إضافات ؟
ج : السوالف والإضافات لا تـنـتهي ، فـقـبل أن أتوظـف بأيام قـليلة سافـرتُ إلى ألقـوش عـنـد عائلتي في خـريف عام 1973 وعـلمتُ أن هـناك حـراسات ليلية دورية فإشتركـتُ فـيها فـوق بـيت هاويل بـبنـدقـية من جـماعة المرحـوم تـوما تـوماس وأخـذتُ صورة في دارنا بالمناسبة .
ويسعـدني أن أضيف أن فـترة الستينات ومطلع السبعـينات كان الأساتـذة الغـرباء في ألقـوش يخافـون الطلاب نهاراً لأن الليل قادم ، ولكـن حالـياً لا أعـرف مَن يخاف مَن .
وإمتـداداً لـذلك أقـول : أنـني كـمدرس في الكـوت لمدة خـمس سـنوات في فـتـرة السبعـينات وأنا المسيحي الوحـيـد في مدرسـتي ، وبعـدها في بغـداد ثلاث عـشرة سنة معـظمها في مدينة الـثـورة لم أكـن أخاف رغـم تـشـدّدي مع الطلاب ! ليس لأني كـنتُ بَـطلاً ولكـن الحـكـومة كانت قـوية .
صورة إرتـديتُ ملابس صاحـب الـفـنـدق الـذي كـنتُ مقـيماً فـيه لسنـوات في الكـوت وهـو إرتـدى ملابسي :
س : الـبعـض وأنا منهم كـنا نـظن أنك مـدرس اللغة الـعـربـية !
ج : والـبعـض الآخـر لا يعـرفـني شخـصياً كـتب إليَّ يوماً وقال : أنا أعـرف أنـك كـنتَ ضابطاً في الجـيش .
س : سأسألك ، أجـبني فـوراً ، أذكـر إسم معـلم في المرحـلة الإبتـدائية في ألقـوش ؟
ج : المرحـوم الأسـتاذ زرقا ــ يوسف عـبو ــ رجـل شهـم وشجاع ومستـقـل من محـلة سـينا .
س : ومن المرحـلة الإعـدادية ؟
ج : مـديـر مدرستـنا المرحـوم الأسـتاذ منصور أودا سـورو ، مستـقـل ، مخـلص لأبناء بلـدته شجاع بهـدوئه و من المحـلة التحـتانية .
س : أقـرأ كـتاباتـك الـدقـيقة وأسمع مرات عـن أحاديثك مطعـمة بالأمثال والـتراث الألقـوشي وقـصصها وكأنك قـضيتَ مـدة طـويلة في ألقـوش وليس ثمان سـنوات ؟
ج : هـذا صحـيح ، ربما لأن تلك السنـوات من العـمر كانت أحاسيسي يقـظة أكـثر وأنا دقـيق الملاحظة وأستمع إلى المتـكـلمين أكـثر مما أتـكـلم فأتعـلم من الجـميع .
صورة لي كـنتُ أصَفـّي حـنـطـتـنا فـوق سطح دارنا عـلى الغـربال الكـبـير ـ سَـرادا ـ في نهاية الستينات أثـناء العـطـلة الصيفـية ومشروع إيصال الكـهـرباء كان قـد بـدأ .
س : إلى مَن كـنتَ تستمع ؟
ج : إن حجارة ألقـوش تـنطـق فهي خـير معـلم ، جـبالها عـقارها أزقـتها ناحـومها ديرها ناقـوسها أساتـذتها كـهـنـتها سياسيّـيها ولـيالـيها الرهـيـبة في مرحـلة الستينات كـلها معـلمات . كـنتُ أستمع إلى الجـميع من رجال ونساء ، كـبار وصغار ، كـهنة وموظـفـين ، منـتمين بألوانهم الكـثيرة وغـير منـتمين بأشكالهم العـديـدة أيضاً ، وأتـذكـر أنـني كـنتُ وأنا مراهـق أحـضر ديوان المرحـوم الـقـس هـرمز صنا مع والـدي وأجـلس كـمستمع فـقـط بـين الرجال الكـبار ثم مع الشباب في ديوان المرحـوم القـس يوحـنان ﭼـولاغ نملأ الجـو حـوارات وترانيماً .
س : لا أحـرجـك وأنت حـر في الإجابة ، هـل يمكـن أن تـذكـر نماذجاً من أسماء الأشخاص ؟
ج : أنا لا أشعـر بالإحـراج من أي سؤال ومهـما يخـطر عـلى بالك وبال أي قارىء وبأي إتجاه ، أما الأسماء الشخـصية فـحـين تـقـتـضي الحاجة أذكـرها ! فـمنهم مَن قـضى نحـبه والآخـرون سعـيـدون أحـياء ، والمنـتمون كانـوا شيوعـيّـين أو ﭘـارتيّـين في تلك الأيام ، واللامنتمون مثل الشمامسة والطلاب والناس العاديّـين الـذين لا يلتـفـتـون يميناً ولا يساراً .
ولكـن إسمح لي طالما طـلبتَ أسماءاً ، سأذكـر لك واحـداً عـلى الأقـل وهـو المرحـوم بـيـلو وزي ــ أبـو ثائـر ــ إنسان طيب الـقـلب كـنتُ أجالسه كـصديق وأنا في مرحـلة الـثانـوية ويحـفـزني عـلى الـنـقاش معه ، أنا من الجانب الكـنسي والإيمان بالله وهـو من الجانب الآخـر .
س : هـل عـنـدك ذكـريات مصورة ؟
ج : نعـم عـنـدي العـديـد ، منها صورة وأنا في شارع الرشـيد عـنـد محلات حـسّو إخـوان أيام الـدراسة الجامعـية في 1968 أو حـواليها ولا أتـذكـر التأريخ بـدقة ، سفـرات عامة ، صور جامعـية كـثيرة ، حـفلات .
من اليمين الإخـوة : سفـر ـ مرقـس ـ جـرجـيس ـ حـميـد ـ يوحـنا ـ أنا ـ جـورج
من اليمين الإخـوة : نجـيب ـ سليمان ـ يوحـنا ـ زيا ؟ ـ سفـر ـ أنا ـ نرسَي
الزملاء متـنـوعـين من ألـقـوش وبخـديـدا ومنـﮔـيش وبرطـلة وآثـوريّـين .
مع الزميل نجـيب إيشوع داخـل مخـتـبر الإلكـترونيك في الكـلية
مع الـدكـتـور أمير عـبو أمام باب ديـر السيـدة / ألـقـوش
مع المحامي صلاح أدور في بغـداد
أمام تمثال في شارع أبو نـواس / بغـداد في فـتـرة نهاية السبعـينات
س : ما دمتَ ذكـرتَ الكـنيسة ، كـيف تـراها ؟
ج : إن الكـنيسة التي أرادها المسيح هي واحـدة تلك الـتي كـلف مار ﭘـطـرس بإنشائها قـبل إنـتـشار الـتلاميـذ لـتـكـون بقـيادة واحـدة أينما تـتـوسع عـلى أيـدي الرسل المبشرين ، لكـن الكـنائس الأخـرى إنبـثـقـتْ من أجـل التحـرر من الـقـيـود والحـصول عـلى الزعامة بحجة إخـتلاف في وجهات الـنـظـر . وبهـذا الصدد أقـول أني في مرحـلة المراهـقة كانت لي هـواية مراسلة جـمعـيات دينية لبنانية تـثـقـفـتُ منها بعـض الشيء وبعـد سنين عـلمتُ بأنها إنجـيلية ، وفي المرحـلة الجامعـية كـنتُ من روّاد كـنيسة السبتيّـين وإستـفـدتُ من أفلامها الأسبوعـية وبرامجها الدينية ، وحـضرتُ مرة واحـدة فـقـط إلى المركـز الـثـقافي المسيحي المعـروف بـ ــ سـنـتـر / بغـداد ــ ولستُ أقـيِّـمه بزيارة واحـدة ولكـني لاحـظـتُ كاهـناً هـو حيٌ يُـرزق الآن ، إحـمـرَّ وجهه و ردَّ بعـصبـية عـلى سؤال لأحـد الشباب دون أن يُـجـيـب عـليه .
وكـنتُ أستمع إلى إذاعة صوت الإنجـيل من أديس أبابا وإلـتـقـطتُ مرة إذاعة مسيحـية من ﭘاكـستان وكـلها باللغة العـربـية ، وفي السنين الأخـيرة أشاهـد قـنـوات تلفـزيونية مسيحـية وعّاظها عـلمانيون لاهـوتيون فـطاحـل بكـل معـنى الكـلمة ويقـولون أنهم لا يمثـلون كـنيسة معـينة ــ وسواءاً كانـوا أم ليسـوا ــ فأنا أستـفـيد منهم الكـثير ويمكـنـني الـقـول أنَّ أكـثر من نصف ثـقافـتي المسيحـية هي من خارج كـنيستـنا ولكـن لا أرى ضرورة التخـلي عـنها ، وقـلتُ في مكالمة مع قـناة الحـياة قـبل سنـتين : أنا كاثـوليكي وأعـتـز بكاثوليكـيتي ، وقـلتُ ذلك كي أقـطع الطريق أمام الوشاة الـذين يسمعـونـني مِن هـزّازي الـذيول ويتـصيَّـدون بالماء العـكـر ، وحـتى أثـناء مقابلة تلفـزيون الغـربة معي قال لي الإعلامي المذيع ــ نسمع أنك متعـصب لكاثوليكـيتك ــ قـلتُ لستُ متعـصباً ولكـني وُلِـدتُ كاثـوليكـياً .
الـثـقافة والسياسة :
س : متى وأين تـوظـفـتَ أولاً ؟
ج : 4 كانـون الأول 1973 وخـمس سـنـوات في مركـز مدينة الكـوت / واسـط ، وثلاث عـشرة سنة في بغـداد .
صورة داخـل الصف في بغـداد
أحسنت وبارك الله فيك أخي العزيز
السيد لؤي فرنسيس المحترم، أؤيد الاخوة اعلاه واريد اضافة شيء الا وهو ان منطقة سهل نينوى التي يكثر فيها المسيحيين…
الأعزاء أودا و فرج اسمرو المحترمين نعزيكم بوفاة المرحومة المغفور لها شقيقتكم إلى الأخدار السماوية، أسكنها الله فسيح جناته الرحمة…
الراحة الابدية اعطها يا رب و نورك الدائم فليشرق عليها. الله يرحم خلتي مكو الانسانة المحبة طيبة القلب. مثواها الجنة…
Beautiful celebration Congratulations! May God bless Oscar and bless his parents and all the family and relatives