ما أن تتوغل في قصة ما من قصص الأديب محمود يعقوب حتى تجد نفسك منجذبا الى فضاءاتها المفتوحة على اللآمتوقع . وأجمل ما في الدنيا في الكلام والسلوك والإعداد والإخراج هو أن اللحظة القادمة هي اللحظة الغريبة المدهشة والتي ليست في الحسبان .
حفر مكان في صحراء والقاء جثث فيها وطمرها على السريع هي ماشاهده طفل ليخبر أباه بالأمر وليبادرا بعد سماع أنين من تحت التراب للحفر والتعرف على الجثث الثلاثة المطمورة فورا من قبل قوات عسكرية هو ما يجعلك تنسى الزمن وتتلاهث من أجل معرفة مكنون هذه القصة الرهيبة .
تلك هي أجواء القاص الأديب محمود يعقوب في مجموعته القصصية ” أثناء الحمى ” الكتاب الثاني الصادر في عام 2011 عن منشورات مجلة الشرارة ـ النجف الأشرف ـ العراق .
” اللوز من ذلك الجبل البعيد ” إن الجثة الاولى المرفوعة من حفرة الرمل كانت لإمرأة كوردية تعرفا عليها من خلال ملابسها . والرجل كما يبدو زوجها وكلاهما فارقا الحياة . أما الثالثة فهي جثة الطفل الذي قارب على الموت لولا انقاذهما ” الأب والإبن ” لها .
الطفل الرمز الذي يعني أن الجيل ـ الشعب ـ الأبناء لن يموتوا . عنوان القصة تعني الكثير من الإهابة والإكبار للشعب الذي تعرض للإبادة والذي عاش ويعيش رغم المقابر والأنفلة والإبادة .
أما قصة ” ورد الساعة الرابعة ” فالتشويق فيها هو العنصر السائد واللغة هي المنسابة بجملة أدبية محبوكة حبكا أنيقا وواقعيا لا مبالغات فيه ولا اصطناع وحذلقة .
واذا كان لابد من إبداء ملاحظتين على القصتين المذكورتين أعلاه فإن الخاتمتين لهما تحتاجان الى تقوية لتنهض بالدراما الى جذوة النهاية بينما قد تـُركت القصتان تنتهيان انتهاءا واقعيا عموميا . للأدب أيضا بهارات ضرورية تضاف كما تضاف الى الوجبة . لا نحتاج الى الكذب الفني بما يزيف الواقع ولكن نحتاج اليه كما تفعل القصيدة ببلاغاتها في تصعيد الواقع وهذا ما أعنيه بضرورة تلفزة النص واخراج خواتمه دراميا . وهذه الملاحظة هي بالواقع من قارئ لا ناقد وقد يكون أو أكون عاشقا متلذذا بالقصص والروايات ولا أقوى على منهجة النصوص مدرسيا او اكاديميا لكني اعيشها ذوقيا فحسب .
وعدا إكبارنا له في البراعة الوصفية في قصة “تشابيه” ، فإن الحدث في قصة “ذبابات آيار” والمعالجة الدرامية لهكذا نوع من الإحداث وحياة الأشخاص ليعطي أجواءا حركية ويحفز على المتابعة والتلذذ .
في “ذبابات آيار” نجد عظمة الخاتمة في تدفق العتاد واستمرار التعذيب من جيل الأب الى جيل الإبن . والمعارضة التي كانت كما ستظل بالمرصاد لرجال الأمن والشرطة . لكن طريقة العرض هي المشوقة والجاذبة كذلك اللغة الأدبية الرفيعة المستوى مع القدرة على رسم كلمة سهلة ممتنعة يختارها القاص محمود يعقوب . إن ذبابات آيار هي هرم من أهرام المجد القصصي العراقي ، كذلك الحال مع قصة ” اغنية عروس الماء ” التي قيّمها الكثيرون باعتبارها قطعة من الوجد في صياغة من ذهب الذهب الخالص . انها ملحنة وملحمة حب ذرتها الرياح وسجلتها اسطورة من اساطير الشطرة العاشقة .
الحدث المتكامل أيضا في قصة “اثناء الحمى” ، حدث موجع تناوله ناجح لأنه حسي وصفي مشوّق . وهي قابلة الى المزيد من الدفق الشعري الحزين المرير الممض .
لايوجد حدث ما مهم في “لو ان امي على قيد الحياة ” لكن من لاشيء يستطيع أن يبرع القاص بعمل شيء مهم يسجله للتاريخ ويخلد فيه المدينة والنهر والأطفال والكبار والأشخاص المغمورين وتأوّهاتهم المفجعة .
“هكذا تكلمت خميسه وهكذا سكتت” هي الاخرى قصة منحوتة جماليا ولها جغرفة وأبنية وهياكل وأمكنة وأشخاص . فيها روح منفعلة لم يركز على عقوقها وجرأتها الكاتب ولم يرسم غنجها ومشاعرها ورد فعلها . بل عبر عن استغرابه منها وفزعه . المتوقع من الثقافة والوعي الكبيرين اللذين يتمتع بهما القاص التقدمي الليبرالي هو أن يؤجج الجانب الكاسر لقواعد السائد والعمل على الجبهة الثورية المضادة للأخلاق في مرحلة ما . فما هذا الخوف من الطوطم المسمى “حق” ممارسة الجنس . ولم هرب القاص محمود يعقوب من وصف عرس سري شديد الإغراء كان يستطيع أن يحوله بعد أن يكسر مقولة فيورباخ ” الأخلاق أبدية ” الى متحف للفنان “رودن” ومواكب عري لأوفيديوس ! . الأديب الطليعي محمود يعقوب ثائر سياسيا رفيق للفقراء والمظلومين ” في مجال السياسة ” لكنه محافظ على المستوى الأخلاقي متجنب لما يخدش الحياء وهذه فضيلة تحسب له من طرف العرف السائد ولكنها تشتمل من جهة اخرى على نقص في حرق الأصنام المقدسة في المرحلة التاريخية إياها بمعنى آخر أن محمود يعقوب لايريد أن يكون البيرتو مورافيا الشطرة ولا حسين مردان الحيدرخانة ولا نزار قباني طفولة نهد ! .
لقد اكتفى محمود يعقوب من المشهد بسطور هاربة ” …. رأيت الغرفة تهتز وترتعش … رأيت الفحّام ممتدا على ظهره ، فوق حصيرته ، مستسلما عاريا ، وقد أغمض عينيه ، وتشنجت تقاطيع وجهه بحدة ، فيما كانت خميسه تمتطيه كما يمتطي الفارس جواده ، تطلع وتنزل ، عارية تماما .. انثى تماما ، وجها منكفيء فوقه ، وهي تنخر وتأن أنين المكلوم ، تلهبه بسياط اللذة ، غائرة به في سهوب لاتحدها حدود !..” ص 75 .
ويقينا أن هناك فارقا مابين فحوى الإخبار التوثيقي في قصة “تاريخ منقوع بالخل” وبين شد الإنفاس في قصة “سهيل يشع جنوبا” . والكاتب نفسه قد يجد الفارق واضحا ومع هذا فلكل قصة طعمها واستساغاتها .
تظل المجموعة ” أثناء الحمى ” وثيقة ابداعية تؤرخ للانسان العراقي لوعاته وعذابته واغترابه بل تراجيديا حياته في الكبير والصغير منها . وفرحنا أكبر بأديب مبدع وحساس ، إنه ابن الشطرة البار الذي سجل جانبا من محيطها وحياتها .
له الف تحية إكبار ولكل الادباء الذين احتفوا به وبمجموعتيه القصصية ” ضريح السرو ” و “أثناء الحمى ” ونحن بانتظار ” رؤوس الفلفل ” . والى المزيد من العطاء من قلم الوطني الغيور الأديب محمود يعقوب .
أحسنت وبارك الله فيك أخي العزيز
السيد لؤي فرنسيس المحترم، أؤيد الاخوة اعلاه واريد اضافة شيء الا وهو ان منطقة سهل نينوى التي يكثر فيها المسيحيين…
الأعزاء أودا و فرج اسمرو المحترمين نعزيكم بوفاة المرحومة المغفور لها شقيقتكم إلى الأخدار السماوية، أسكنها الله فسيح جناته الرحمة…
الراحة الابدية اعطها يا رب و نورك الدائم فليشرق عليها. الله يرحم خلتي مكو الانسانة المحبة طيبة القلب. مثواها الجنة…
Beautiful celebration Congratulations! May God bless Oscar and bless his parents and all the family and relatives