وتـواصلاً مع جـولتي بأروقة الكـنيسة كـنتُ أتوق إلى خـدمة القـدّاس ولكـنـني في وقـتها ما كـنتُ أعـرف القـراءة الكـلدانية ، فـكـتبتُ صـلوات طخـس القـداس الكـلداني كـله بخـط يدي وبالـﮔـرشوني في دفـتر صغـير وبدأتُ مرحـلة جـديدة من نشاطي الكـنسي ولم أكـن أعـلم أنـني أبدعـتُ فـيه لولا رأي السامعـين . فـفي صباح أحـد أيام الأحاد خـدمْتُ القـداس الثاني والبعـض ينـتظر في ساحة الكـنيسة حـتى يحـين موعـد القـداس الإحـتفالي الكـبير ، ولما خـرجـتُ رأيتُ صديقي أمير عـبو شـمّون هـيلو ( طبـيب ) فـقال : أتدري ماذا قال الأستاذ عابد رزّوقي ؟ حـينما كان يستمع إلى صوتك وأنت تخـدم القـداس ، إلتـفـتَ إلى رجال واقـفـين معـه وقال لهم : ( بالا دَمْرَتّ قالا دْ أثْ يالا أورغـون – والله إنّ صوت هـذا الولـد يشبه الأورغـون ) …. وبلا شـك فإن ذلك الصوت ذهـبَ مع زمانه والآن يخـتـلف كـلـياً . وأتـذكـّر في أحـد الأيام دخـل القـس يوحـنان إلى الـ قــَـنــْـك ( غـرفة ) ليُهيّء نفـسَه لإقامة قـداس فـدخـلتُ الهـيكـل لأخـدم معـه فـجاء أحـد الشمامسة ذو الصوت النشاز ويكـبرني عـمراً ( غادرنا إلى الـديار الأبـدية ) فـتـناول كـتاب الرسائل ليتهـيأ للخـدمة فـتـنحـّيتُ جانباً . ولما لاحـظه القس يوحـنان إلتفـتَ إليه وقال له : مَنْ لا يعـرف كـيف يخـدم القـداس عـليه أن يترك الفـرصة لـغـيره ، فـترك ذلك الشماس المجالَ لي دون أيّ تعـليق .
تحَـدّيتُ كالمراهـقـين :
ولكـن في مناسبة دينية أخـرى ذهـبتُ إلى الكـنيسة ولبستُ رداء الشماس وبحـثـتُ عـن الـ سَـرْحَـصّـا ( حـبل ناعـم أبيض يُشـدّ فـوق الخـصر ، مِن ممتلكات الكـنيسة ) فـوجـدتُ واحـداً وأخـذتـُه ، فـجاء أحـد الشباب المقـرّب إلى الكـهـنة ويكـبرني عـمراً ( غادرنا إلى الـديار الأبـدية ) ليأخـذه مني عـنوة فإمتـنعْـتُ ، ولما سمعَـنا الأب يوحـنان وعـلِم بالأمر جاء ليسألني : لماذا تحـتـجـزه ؟ قـلتُ له : لأنـني محـتاج إليه أيضاً ، فـقال : أتعـني أنك لن تـُعـطيه إياه ؟ قـلتُ : وهـل يوجـد فـرق بـيني وبـينه ؟ فـنظر إليّ الأب يوحـنان نظرة عـدم رضى ثم تركـني وذهـب ، ولم يكـمن ذلك المشـهـد في قـلبه غـضباً لأنه كاهـن أولاً ، وَوديع النفـس ثانياً ، وإلاّ فإنه يـفـقـد صفـته الكـهـنوتية .
ذوق الكاهـن في ساحة الألحان :
كان المرحـوم المطـران عـبد الأحـد صنا يرى أنّ خـدمتي لقـدّاسه ممتع لأن المناورة بالألحان شيّـقة بـيني وبـينه ، وكـم مِـن مرة سألني عـن المقام الذي سأخـتاره للخـدمة ، ولما لم أكـُن أفـصح له ، كان يردد لي نغـمة بهـدوء ويقـول هـذا مقام الـ ( راستْ ) فإستـنـتجْـتُ أنه يميل إليه كـثيرا لِـما فـيه مِـن مساحة واسعة للمناورة أمام الكاهـن والشماس . وأثـناء القـدّاس تـُـصادف أوقات يُخـيّم فـيها بعـض السكـون والصمت وذلك إمّا لإنشغال الكاهـن بصَلاته أو لأن الشماس أسْرَعَ في صلاته وفي هـذه الحالة قـد يَـتيه اللحـن عـند أحـدهـما أو كـليهما ويضيع المقام الذي بدءا فـيه ، ورغـبة من سيادة المطران في التواصل بالمقام نفـسه فـكان يقـول لي : دندنْ بالمقام بصوت خافـت بالقــُرب مني ودون أن يسمعـك الناس كي يـبقى في أذنيّ وأتذكـّره . أما الأب هـرمز صنا فـكان في بعـض المرات يُذكـّرني قـبل الشروع بالقـدّاس ويدنـدن بمقام سـيـﮔاه ويسألني إنْ كـنتُ سأبدء به فـعـلمتُ أنه يميل إليه ويُفـضّـله ، ولكـن الأب يوحـنان چـولاغ لم يترك لي الفـرصة للتعـرف إلى ميوله المقاماتية ، والسبب يكـمن حـسْب رأيي في كـفاءة حـنجـرته الياقـوتية في كـل الألحان . أما الأب أبلحـد عـوديش فـكان كلاسيكـياً تعـِـباً لم يعـد يُعـير أهـمية لـنوعـية المقام . وفي صباح أحـد الأيام ونحـن أثـناء الصلاة أشار إليّ الأب يوسف توماس للتهـيّؤ لخـدمة القـداس معه فـقال لي المرحـوم القس يوحـنا چـولاغ مازحاً : أخـنـقــْه ولا تـقـصّر معـه ، لأنه كان يعـرف الفـرق بين طبقات صوتي وصوته . وأتذكـّر أنـني خـدمتُ القـداس مع كاهـن زائر في ألقـوش ولكـني إستغـربْتُ من لفـظه الغـريب بعـض الشيء وعـند نهاية القـداس سألته باللغة العـربية : مِـن أين أنت أبونا ؟ قال : من بغـداد ، قـلتُ : من أية قـرية تـنحـدِر ؟ قال : من بلجـيكا ! قـلتُ: وتـتكـلم اللغة العـربية وتقـدّس بالكـلداني ؟ قال : نعـم ، قـلتُ: هـل تقـرأ اللغة الكـلدانية أم كـتـبتَ صـلوات القـداس الكـلداني بالحـروف البلجـكـية ؟ قال : أنا أقـرأ اللغة الكـلدانية الفـصحى ! قـلتُ : وهـل تفهـم ما تقـرؤه ؟ قال : نعـم . فـقـلتُ مع نفـسي : البلجـيكـيّون يقـرأون لغـتـنا الكـلدانية الفـصحى ونحـن نـتخـلـّى عـنها ( رُحـماك من هـذا الزمان وأين أنت يا شـيخـو ﭙـطرك ذلك الزمان ) ، والكاهـن البلجـيكي كان الأب منصور حـسب ظني . وبهـذه المناسبة فـفي عام 1999 زار الأب يوسف توما أستراليا وألقى محاضرة ( ليس في قاعة كـنيستـنا !!!! ) وذكـر نـفـس الموضوع حـين قال أن الأجانب يـدرسون لغـتـنا الكـلـدانية ولكـنـنا نحـن الكـلـدان لسـنا مهـتمين بها .
صباح حـرج :
في صبـيحة أحـد أيام فـترة الحـرس القـومي سنة 1963 وأنا أخـدم القـداس الأول مع المطران عـبد الأحـد صنا والحاضرون قـليلون ، وبعـد قـراءة الإنجـيل قال المطران : أيها الشعـب المبارك ( عـمّـا بريخا ) ، لقـد أبلغـتـني سلطات الجـيش المتمركزة الآن في الحـقـول ( عَـقارا ) أنّ بلـدة ألقـوش سوف تـُدكّ بالمدافـع ما لم يُسلـّم الألقـوشيّون سلاحهـم للسلطة ، من جانب ثاني فإنَّ مدير الأمن في الموصل قال لي : إنك أنت قائـد لجـماعـتك في منطقـتك فـكـيف تقـبل أن يتمرّدوا ويلتحـقـوا بالمتمرّدين عـلى السلطة ويشهـروا السلاح بوجهها ؟ فأجـبتــُه : أستاذ ، إنّ الذين تقـصدهـم لا يتعـدّى عـددهـم عـدد أصابع اليد الواحـدة . قال المدير : ولكـن عـندنا أسماء الكـثيرين منهم . فأجـبتـُه : نعـم ، هـؤلاء الكـثيرون أبرياء ولكـنهم يخافـون التعـذيب وهـم شباب لا يتحـمّـلون قـسوتكـم . ردّ مدير الأمن قائلاً : إنْ كـنتَ واثـقاً مِن كلامك ، خـذهـم معـك إلينا كي يُـثـبتوا موقـفهم ثم نبعـثهم معـك مرة أخـرى إلى إمّهاتهم سالـمين ……. والآن أيها المؤمنون أنا أقـول لكم إذا كان أولادكم بريئين وليسوا ضد السلطة قـولوا لهم أن يأتوا عـندي وأنا آخـذهـم إلى الموصل وآتي بهم إليكـم سالمين ، أما إذا كان لهم إرتباط هـنا أوهـناك فأنا لا يمكـنـني أن أتحـمّـل مسؤوليّـتهم ، والآن لا تـنـتظروا نهاية القـداس بل إذهـبوا إلى بـيوتـكم . ثم إلتفـتَ إلى المذبح وأشار إليّ بأنـنا لن نكـمّـل القـداس فـسحـبتُ الستارة ( صطـرا ) وساعـدته في طي بدلته وغادرتُ الكـنيسة إلى البـيت ….. إن شبابنا لم يثـقـوا بوعـود مدير أمن الموصل للمطـران فـلم يُسلـّم أحـد نفـسه ، أما كـيف ولـّـتْ تلك العاصفة الهوجاء عـلى ألقـوش بسلام ، فـهـذا لا أعـرفه . وقـد دعى المطـران في أحـد أيام عام 1963 شاباً للحـضور عـنده ، ولما مَـثــُل أمامه برفـقة والدته قال له المطران : إبني هـل عـندك إرتباط بالجـماعات المناوئة للسلطة ؟ قال الطالب : كـلاّ . قال له المطران : إذا كان وضعك كما تقـول هـلمّ معي إلى الموصل وآخـذك إلى مديرية الأمن لتسجـيل موقـفـك البريء ثم ترجـع معي بسلام فـلماذا تبقى في حالة المتمرد المتشرّد ( وأنت لا ماكل ولا شارب ) ؟ قال الطالب للمطـران : ليس لي الثـقة في رجال الأمن . قال المطران : أنا أكـفـلك بشرط أن ليس لديك أي إرتباط سرّي محـظـور، وهـنا قال الطالب للمطـران : ومَن أنت كي تستطيع أن تكـفـلني ؟ فـما كان من المطـران إلاّ أنْ صفـعه عـلى وجهه ثم قال له : إخـرج مِن هـنا . وبعـد أسابـيع إستـُشهـد هـذا الشاب مع آخـر في جـبل ألقـوش ، ثم وُريَ جـثمانهما الثرى ( عـلى مرتفـع جـبلي مجاور لدير ربان هـرمز داخـل الـﮔـلي – حـسب معـلوماتي ) .
الجـيش المريمي :
كانت ألقـوش حـقلاً خـصباً للتـنظيمات الكـنسية تمارس الرياضة الروحـية وتهـدف إلى تقـديس الذات ومحـبة القـريب خـدمة للأممية خـليقة الله . فـلقـد نشطـتْ أخـويات كـثيرة للبنين وكـذلك للبنات بإسم ( الجـيش المريمي ) والمجازة رسمياً من الدولة وبالوقـت نفـسه عادّاها الكـثيرون ، ولم يكـن هـناك أيّ مانع لحـضور أيّ شخـص إجـتماعاتها للمشاركة بالصلاة وسماع الوعـظ والإرشاد ، وبالمناسبة فـقـد حـضر معـنا إجـتماع الأخـوية يوماً وعـن طريق الصدفة مديرنا المرحـوم الأستاذ منصور أودا . وكـم من مرة ومرات تلقــّيتُ كـلاماً خـشناً وبذيئاً من زملاء صفي أو الصفـوف الأخـرى ، ولن أبالغ إذا قـلتُ أنـني واجـهـتُ حـربهم النفـسية معي أسبابها الظاهـرية هي قــُرْبي من الكـنيسة وإنـتمائي إلى أخـوية الجـيش المريمي ولكـن الأسباب الحـقـيقـية كانت تـتـمثــّل في عـدم جـلوسي معهـم حـولَ موائدهـم الحـمراء ، مما إضطرني أحـدهـم يوماً إلى الشكـوى عـليه لأستاذنا المرحـوم منصور أودا فـوبّخه ، ومرة أخـرى شكَـوتُ عـلى آخـر لوالدتي فـوبّخـَـتــْه بهـدوء وأدب وإنْ كان لا يدرك معـنى الأدب وهـو في نهاية المطاف صار الأول من المصفــّـقـين للنظام العـفـلقي ثم راح لاجـئاً مستجـدياً في دولة رأسمالية نـظامها الإقـتصادي معاكـس لمبادئه . إن السبب في ذلك يعـود إلى أن مسار حـركـَـتي كان محـصوراً بين : البـيت – المدرسة – الكـنيسة . وسبحان مغـيّر الأحـوال ! فإنّ أولئك أنفـسهـم مدّوا يدهـم لمصافـحة السلطة التي ذبحـتْ رفاقـهم بوسائل أكـثر بشاعة من أسلافـها وصاروا أعـضاءاً في خـلاياها ، لا بل صاروا وكـلاءَ أمن ضد رفاقهم عـندها ، يأكـلون قـشر الـرﮔــّي وليس لبـّها . وبعـد إنهـيار السلطة الصدامية تغـيّروا كالحـرباء وتـلونوا وصاروا يهـتفـون بمقامات الكـنيسة وأصبح إعـتمادهـم عـلى ــ قـيادتها الروحـية ــ ويستـشيرون بها في كـل صغـيرة وكـبـيرة تـتعـلـّق بالسياسة بالإضافة إلى رفـعـهم لافـتات عـريضة في الشؤون القـومية الهـجـينية التي كانت يوماً عـنصرية ورجـعـية في نظرهـم . وأضيف للذكـرى فـقـط أنـني في المرحـلة الجامعـية كـثيراً ما كـنتُ أناقـش زملائي عـن مشاعـري القـومية فـكانوا يمتعـضون من جـدالاتي ويصفـونني بالشوفـينية تارة وبالتخـلـّـفـية تارة أخـرى ، ولكـنهم اليوم يتـظاهـرون كأنهم بُـناة بابل ونينـوى ، فهُـم قـوميّون ( للـﮔـشر) أما الشوفـينية والرجـعـية – فحاشاهـم إنها بعـيدة عـنهم !! . وقـد تشجّـعْـتُ في أحـد الأيام في منـتصف السبعـينات فـقـلتُ لأحـد الرفاق الأعـزاء من معارفي : كـيف قـبلتم بالجـبهة الوطنية مع مَن أعـدم وشنق وذبح وذوّبَ بالتيزاب رفاقاً لكـم ؟ قال : هـذه سـهـلة ! آتي لك بمثال : كان هـناك شخـص مصاب بمرض مُـعْـدٍ فإبتعـدنا عـنه ، ولكـنه طاب مِن مرضه لاحـقاً ، فـما المانع من مصاحـبته ؟ إنه جـواب منطقي أسـكـتـني به ، ولكن أخـينا لم يكـن سياسياً محـنـكاً بل – حاله حال الكـثيرين من رفاق اليوم – سطحيّ التفـكـير ، لماذا ؟ لأنه لم يعـلمْ أنّ هـذا الشخـص ( المريض ) لم يتـناول مضادّات حـيوية ، مما جـعـل ﭭايروساته متهـيئة دائماً للإنقـضاض حـين توفـر الفـرصة المناسبة وهـكـذا حـصل ، فـقـد أصابه مرة أخـرى مرض مُـعْـدٍ أكـثر خـطـورة من الأول مما إضطــُر رفـيقـنا العـزيـز ( كي لا يكـون مصيره كـرفاقه ) فإبتعـد وهـرب إلى أبعـد نقـطة في قارة أورُﭘـا الباردة طالباً اللجـوء من دولة بعـيـدة عـن موسـكـو البـيضاء ذات الثـلوج الحـمراء ، ملـتـزماً بمـبـدأ – العـلاجٍ خـير من الوقاية – ويَسْـلم عـلى حـياته عـندها ، ثم إرتـدى ثـوباً قـومياً (( شـوفـينيّاً )) لم يرتـدِ مثـله آباؤه وأجـداده مِن قـبل … ويا ريت من حـياكة أمه .
أحسنت وبارك الله فيك أخي العزيز
السيد لؤي فرنسيس المحترم، أؤيد الاخوة اعلاه واريد اضافة شيء الا وهو ان منطقة سهل نينوى التي يكثر فيها المسيحيين…
الأعزاء أودا و فرج اسمرو المحترمين نعزيكم بوفاة المرحومة المغفور لها شقيقتكم إلى الأخدار السماوية، أسكنها الله فسيح جناته الرحمة…
الراحة الابدية اعطها يا رب و نورك الدائم فليشرق عليها. الله يرحم خلتي مكو الانسانة المحبة طيبة القلب. مثواها الجنة…
Beautiful celebration Congratulations! May God bless Oscar and bless his parents and all the family and relatives