يا ليت دُعاة الآشورية اليوم لو كانوا يمُتُّون الى آشوريي التاريخ القدماء الذين طالهم الفناء بأية صلةٍ عِرقيةً كانت أو تاريخية، لكُنّا أعطيناهم الحقَّ بمهاجمة الكلدان بكلِّ ما لديهم من الروح الإنتقامية وأخذ الثأر عن قيام الكلدان بإنهاء كيان الدولة الآشورية الأبدي ما بين عامَي 612-609 ق.م لكن للأسف الشديد إنهم دعاة ومنتحلون لإسمهم ومنذ زمن قصير لا يتعدى المئة عام مضت، حيث تنكروا لقوميتهم الكلدانية المعروفين بها “كلدان نساطرة” منخدعين بإرشادات وإغراءات ووعود الإنكليز الكاذبة. ويظهر أن المتنكرين لقوميتهم المنتحلين لتسمية غيرهم يكونون أشدَّ ضراوةً وأقسى انتقاماً ضِدَّ أبناء قومهم الخارجين هم من صُلبهم، فيصبحون أصلَبَ تمسكاً بالهوية المنتحَلة من أصحابها، يتَّسِمون بخصالهم الرديئة ويمجدون أعمالهم الدنيئة وتاريخهم الدموي.
وسبب قيامهم بهذا الإنتحال هو بالدرجة الأولى مذهبي، فإصرارهم على تشبثهم بالمذهب النسطوري المنبوذ من قبل كافة مسيحيي العالم والذي بسببه خالفوا إجماع الغالبية مِن إخوتهم أبناء الكنيسة الكلدانية النسطورية الذين نبذوه واستعادوا مذهب آبائهم وأجدادهم الكاثوليكي الذي كانوا عليه حتى القرن الخامس الذي فيه ظهرت الهرطقـتان الشهيرتان نسطورية ومونوفيزية. مهما حاولوا للإنتقام من إخوتهم الكلدان الكاثوليك قـبل انتحالهم للتسمية الآشورية كانت نتيجتُه الذُلّ والفشل، ولذلك كان تَجاوبُهم مع مُخطَّـط الإنكليزالرهيب ايجابياً ومأرباً دفيناً ينتظرونه بشوقٍ، ولكنه كان بالنسبة إليهم حُلماً فـتقبلوه بلهفةٍ تحقيقاً لذلك الحُلم دون أخذهم بالحسبان ما سيجلبه عليهم من عواقـب وخيمة، وهكذا أعلنوا عن آشوريتهم وادَّعـوا بأنهم أحفاد الآشوريين القدماء بدون خجل أو حياء.
فبعد إعلانهم عن آشوريتهم المنتحلة، تذكروا قيام الكلدان بالقضاء المبرم على الدولة الآشورية كياناً ووجوداً ما بين عامَي 612 – 609 ق.م وإنهاء إسمها ومسحه من صفحات التاريخ بعد ذلك، إذ لم يأتِ على ذكره أحد حتى عام 1884م أي بعد خمسةٍ وعشرين قرناً من النسيان، حين وطئَت أقدام المبشرين الإنكليز الأنكليكان الى ديار هؤلاء النساطرة الكلدان الذيـن اختاروا لهم إسم الآشوريين فتبنَّوه وتعلَّقوا به أكثر من أصحابه القدماء، ومن هذا المنطلق دخلت الى قلوبهم الضغينة بكلِّ أشكالها ضِدَّ إخوتهم الكلدان الكاثوليك رغم مرور خمسةٍ وعشرين قرناً على حدث قضاء أسلاف الكلدان المعاصرين على أشرس أعدائهم الآشوريين كما ذكرنا آنفاً، وبدأوا بشنِّ حملةٍ إعلامية مسعورة عبر مختلف الوسائل المقروءة والمسموعة والمرئية، مادتها بالكامل التحريف والتزوير دون أدنى وازع من الضمير، فأنكروا الوجود الكلداني، زوَّروا تاريخ الكلدان، سطوا على حضارتهم، سرقـوا مناسباتهم وأعـيادَهم القـومية ومن بينها عـيدهم القـومي التاريخي” أكيتو” مسخرين كُلَّ وسائلهم الإعلامية إضافةً الى منظريهم المرتزقة للإدِّعاء بعائديته إليهم.
إنّـه إدِّعاءٌ سخيف وباطل لا يؤيده أيُّ مصدر تاريخي، فيُعَدُّ سطواً تاريخياً مُشيناً وإن كان ليس السطو الوحيد المُهين لدُعاة الآشورية هؤلاء، إنه مردود نفسي تاريخي لِما كان يُعاني الآشوريون مِن انعدام الثقافة والحضارة مِمّا أدَّى بهم للإنصياع الى الواقع الثقافي والحضاري البابلي الكلداني، وبسبب ذلك نشأت لديهم عقدة نفسية لا يستطيعون السيطرة عليها عبر كُلِّ هذا الزمن الطويل. وبالرغم من انتصارات الآشوريين على بابل والإستيلاء عليها مِراراً، لكن القلق كان لا يفارقهم لإدراكهم بأن بابل هي المُنتصرة دوماً عبر الزمن ثقافياً ودينيا واجتماعياً وحضارياً، وفي آخر المطاف وغياب صَبرها على حماقاتهم أنزلت بهم ضَربةً قاضية وجعلت التاريخ يلفظهم الى الأبد عقاباً على ما ارتكبوه من مظالم ضِدَّها غيرةً وحسداً.
كانت مدينة “اور” مِن أهمِّ مدن الكلدان وتُسَمَّى اليوم بـ (المُقيَّر أو المُكَيَّر) مِنها خرج أبو المؤمنين إبراهيم بدعوةٍ مِن الرب الإله (سفر التكوين 12 / 1) وقد ذكرها الكتاب المقدَّس باسم (اور الكلدانيين) تَمَيَّزَت بكونِها مَركزاً تجارياً ومَرفأً بحرياً تَمخرُ سُفنُها التجارية في الخليج الكلدي(العربي اليوم) وفي البحر الهندي، وكانت مَقرّاً مركزياً للإله (سين) إله القمر يتوَسَّطها مَعبد عظيم يُناطِحُ السحاب مُكَوَّنٌ مِن ثلاثة طوابق. فيها كانت تجري احتفالات عيد جَزِّ الصوف قبل عهد سركون الأكدي(شَروكين الكبير) في الفترة ما بين نهاية آذار وبداية نيسان، وكان هذا العـيد يُعرفُ مِن قبل الشعب بـ (عـيد رأس السنة) بحسب ما ورد في لـوحٍ عُـثِرَ عـليه في منطـقة (كرسو) وعند انتهاء الإحتفالات في اور المدينة الجنوبية، تَبـدأهذه الإحتفالات في مدينة (نيبور) الشمالية . وبعد سيطرة العموريين المُنحدرين عن الكلدانيين الأوائل على مُجمل بلاد ما بين النهرين وتأسيسهم سُلالات حاكمة كبيرة، تَحَوَّلَ هذا العيد رسمياً الى عيد رأس السنة البابلية ودُعيَ ( أكيتو ) و يبدأ في الأول مِن نيسان مِن كُلِّ عام.
إن أول مَن تبنّى الإحتفال بـ (أكيتو Akitu) هم الكلدانيون الأوائل سُكّان وسط وجنوب العراق القديم منذ (5300 ق . م) وكان يجري ذلك وباهتمام متميِّز في مدن كيش، اور، واوروك في الفترة التي سبقت هجرة السومريين الى الجنوب، وبعد استقرار السومريين أُضيفَ احتفالٌ ثانٍ بمناسبة موسم الخريف (زاكموك) فأعتمدَ الرافديون الأوائل الكلدان والسومريون الإحتفالَ بالمُناسبتين (أكيتو وزاكموك) منذ استقرار السومريين وحتى زوال عهدهم ( 2112 – 2004 ق . م) ويؤدّون الطقوس الإحتفالية بكلتيهما على حَدٍ سواء مِن القوة والأهمية، وكان لمدينة اور دورٌ رئيسي في تلك الإحتفالات ولا سيما في عهد سُلالة “اور الثالثة” وإلهها (نَنار Nanar) . كانت احتفالات (زاكموك) تَنصَبُّ على النخلةِ باعتبارها أقدسَ الأشجار والى جانب ذلك تُمارَسُ شعائرُ تَجَدُّدِ الحياة والخِصب.
بَيدَ أن إحدى السُلالات العمورية التي تعود باصولها الى الكلدان الأوائل، تَمَكنت في مطلع الألف الثاني قبل الميلاد مِن تأسيس سُلالةٍ حاكمة في بابل أطلقت علي نفسها (السُلالة البابلية الاولى) وفي عهدها تَطـوَّرَ الإحتـفال برأس السنة الرافـدية البابلية (ܪܫ ܫܬܝܡ Resh Shattim) في الأول مِن نيسان (الأكيتو) نـظـراً لقـيامها بتنظـيم حياة مواطني بـلاد ما بـين النهـرين دينياً واجتماعياً واقتصادياً، ومنذ ذلك كانت بابل تحتكر لذاتها الأولوية في الإحتـفال بعيد رأس السنة البابـلية ( أكيتو) وكان الإله ( مردوخ) محـورَ الإحتـفالات في بابل المدينة الاولى وفي بقية المدن الاخرى. ولكن بعد أن قام الملك الآشوري سنحاريب في سنة 689 ق . م بتدمير بابل، امتنع البابليون عن القيام بتلك الإحتفالات الفخمة، وأمرسنحاريب بإجراء الإحتفالات بعيد(أكيتو) في العاصمة الآشورية (نينوى) مُستبعداً الإله (مردوخ) عن محورالإحتفالات ومُعطياً دوره للإله الأجنبي إله القبائل الشوبارية (آشور). ونتيجةً لهذا العمل الشنيع تآمرعليه أهلُ بيته وجرى اغتيالُه على أيدي إثنين مِن أولاده.
إعتلى العرشَ مِن بعد سنحاريب إبنُه أسَرحدون، فقام بتعمير ما خَرَّبَه والدُه، حيث أعاد لبابل عُمرانها وللإله ( مردوخ ) مكانتَه ككبير آلهة بلاد ما بين النهرين ومحور مراسيم الإحتفالات، وهكذا عادت أنظارُ كافة السُكّان ثانية تتطلع نحو بابل العاصمة الرئيسة والرسمية للبلاد في الأول مِن نيسان مِن كُلِّ عام ، لتستمتع بتلك الإحتفالات الضخمة والمهيبة التي تُقيمُها الدولة وسط حشودٍ بشرية هائلة قادمة مِن شتى مناطق البلاد الرافدية.
فأين الآشوريون من كُلِّ ذلك؟ يقول هاري ساكس في كتابه(قوة آشور ص104) في مدينة بابل كان يُقام احتفال سنوي يُدعى”احتفال أكيتو” ولم يكن يُلغى إلا في الحالات السياسية المضطربة. وفي الصفحة 134 من الكتاب. الملك الآشوري تكلت بيلاسَّر الثالث استطاع احتلال بابل وطرد ملكها نابو موكن زيري، فبقيت بابل بدون ملك، فقام في عام 729 ق . م بمصافحة إله بابل( بيل مردوخ) مؤدياً الطقس التقليدي المُتبع في تسلم عرش بابل، وأصبح أول ملك آشوري ملكاً على بابل لمدة سنتين رعيَ احتفالات “أكيتو”.
وعلى هامش إصدار البطريرك النسطوري مار دنحا حنانا الرابع، رسالة بمناسبة رأس السنة البابلية الكلدانية لعام 7312 ك – 2012 م التي حَرَّف إسمَها الى الآشورية وتاريخها الى 6762 نقول بأن الأمر ليس بغريبٍ على انعزاليي الكنيسة الكلدانية المتشبثين بالمذهب النسطوري الهرطوقي، مزوري الحقائق التاريخية دون خجل أو حياء. لماذا الكذب يا غبطة البطريرك المُرتد العاشر الى المذهب النسطوري من سلسلة البطريرك الشهيد مار يوحنان سولاقا الكاثوليكي، ولماذا تُنكر انغماسك بوحل السياسة في الوقت الذي لا تترك أية مناسبة دينية أو قومية دون أن تحشر أنفك فيها، وتنادي بالقومية الآشورية المزيفة؟ لقد أثبتت رسائلك بأنك لست أهلاً للقيادة الكنسية بل للزعامة السياسية، ولكن عفواً فقد تناسيت سهواً بأن مذهبكم النسطوري يُخولكم دمج الدين في السياسة! ألم يكن أحد أسلافكم البطريرك شمعون بنيامين الفتي اليافع الذي تولَّى المنصب البطريركي اغتصاباً وهو إبن السادس عشر عاماً، قائداً دينياً ودنيوياً يحمل نوايا سيئة تُجاه كُلِّ مُخالفيه في الرأي أو الفكر. كيف وصفته بالقديس وهو القاتل حيث أمر بقتل إبن عمِّه نمرود ورجال بيته بالكامل، وحاول قتل القائد أغا بطرس، ولكن الشابين اللذين كلَّفهما بمهمة القتل، كانا شهمَين ولم يرضيا بسفك دم إنسان بريء، حيث امتنعا عن تنفيذ أمره. وندرج أدناه ما كتبناه في مقالنا بعنوان( حول الهالة التي أُسبغت على البطريرك النسطوري شمعون بنيامين التاسع عشر المُغتال عام 1918).
السبب في مقتل آل بيت نمرود
1 – السبب الأول”الحسد” في كيف يمكن القبول بأن يُعهَد أمر مار بنيامين الى جماعة المختارين ونمرود. فنادى بعض رؤساء حزبه، وبدلاً من قيامهم بإرساء السلام وقفوا بالضِد.
2 – السبب الثاني هو الإتحاد الذي عقده نمرود مع الكنيسة الكاثوليكية الكلدانية برئاسة مار يوسف عمانوئيل الثاني توما وتسليمه الى السلطة التركية، وتلك كانت العِلة التي دفعت مار بنيامين شخصياً ليتحمل شخصياً مقتل آل بيت نمرود.
الشاهد الأول: الشماس ابراهيم كليانا الموسوي، شماس كنيسة مار بنيامين. توفي سنة 1969 في مدينة الخابور بسوريا.
شهد المرحوم بما يلي: لقد تـمّ اختيارنا ضمن حراس البطريرك في الوقت الذي انتقل من قوجانس الى ديز لكي لا يُقبض عليه بأمر السلطان التركي. منذ بداية شهر حزيران 1915 وبشكل سِري اختار البطريرك 10أو12 شخصاً الذين كانوا موضع ثقته ويتكل عليهم. وضمن هذا المجلس كان: دانيال بن ملك اسماعيل من تياري العليا، سبو كينا من أبناء جماعة وردة طيارايا، القس نويا، زيعا، بثيو الخولازري وثلاثتهم بازيون، القس كاكا، مكو الحومري وهما من تْخوما، والباقون كانوا من العشائر المختلفة. بدأ مار بنيامين كلامه وركَّز على موضوع مقتل نمرود وآل بيته الذي أصبح سبباً للإضطراب. ثمَّ اصطحب كُلُّ واحدٍ منهم رجاله وهو يقول بأنهم ذاهبون الى قوجانس لعقد السلام والهدوء بين جماعة البطريرك وجماعة نمرود(جماعة المختارين). فرحنا وسُررنا كُلُّنا بهذا الصدى الذي سمعناه عن الحب والسلام. غادرنا ديز وعددنا بحدود 40 رجلاً لا أكثر، وعند قطعنا نصف المسافة توقفنا للإستراحة، وأثناء ذلك أُبلغ جميع أعضاء المجلس بالأمر البطريركي الذي مفاده < بأن البطريرك بنيامين أصدر أمراً بطريركياً يقضي بقتل كُلِّ رَجُلٍ من بيت نمرود مسالماً أو غريباً. وعند وصولنا الى قوجانس حَلَلنا في بيت مار بنيامين، ودخل ثلاثة من الرؤساء الى بيت نمرود وقالوا له: لقد أرسلنا رؤساء العشائر لإرساء السلام بينكم، وقد اخترنا دار مار شمعون مكاناً لعقد هذا السلم ولو أن البطريرك ليس معنا حيث هو موجود في ديز. فرح نمرود وأعَـدَّ الطعام للجميع. بعد الإنتهاء من تناول الطعام، نادى رجال بيته ودخلوا الى بيت بنيامين كما طلب منهم من أجل تحقيق السلام. وفي الحال قبضوا عليهم وكانوا ثمانية شبان ورَجُلَين. ودخل إثنان من الرؤساء الى مُخدع نمرود وهو مريض طريح الفراش، فأطلقوا عليه الرصاص وخرجوا من القرية ومعهم الأسرى، وصعدوا بهم الى جبل يسمى”خطرشا” وهناك إنقضوا عليهم بالخناجر وقضوا عليهم. كان شليطا أسيري، حَلَلت القيد مِن يديه وتركته يهرب، وبينما هو يهرب في الجبل وكاد أن يختفي عن الأنظار، إلا أن المدعو “سبو” التياري، أطلق عليه النار من بندقيته وأرداه قتيلاً. والذين تـمَّ قتلهم هم: نمرود، دنحا، درياوش، شليطا، عمانوئيل، الأخوان يوآب وهيناكو، شاؤل قليتا، وابن استير شقيقة نمرود. هذه كانت شهادة الشماس ابراهيم. كما دوَّنَها السيد شموئيل كليانا في كتابه ( مَخْـتَـوْ زَوْنِي دْبيثْ نَهْرين أي تاريخ بلاد النَهْرين) المطبوع في شيكاغو 1979.
الشاهد الثاني: السيد زومايا أبو صارو
يقول السيد شموئيل كليانا: من أجل تأكيد جريمة القتل على لسان شاهدَين، سألتُ المرحوم زومايا صارو قائلاً: باعتباري أحد كتبة التاريخ، يتحتم عليَّ الإبتعاد عن كُلِّ ما هو باطل وكتابة الحقيقة عن مقتل نمرود ورجال بيته غير آبهٍ بمَن ينالُه الفرح أو الحزن. فقال زومايا: أنا الآن قريبٌ مِن حافة القبر وضرير لا أرى شيئاً وهذه هي شهادتي وأُقِـرُّ بصحتها وأعتبر بأن الخطيئة الأولى تقع على القتلة لأنهم نَـفـذوا أمر البطريرك. ولديَّ قصة اخرى مُشابهة لهذه، تدور أيضاً حول جريمة قتل. إصغي إليَّ جيداً: في أحد الأيام في سلامس، جاءَني القائد اسرائيل بثيون الى دارنا، والرَجُل كان يُحبني وكنتُ ملازماً له أثناء الحرب وأُرافقه في كُلِّ مرةٍ يُكَلَّفُ فيها للقيام بمهمةٍ رسمية. قال لي: أنتَ ويوحنان بَرخو مدعوان غداً لمقابلة مار بنيامين البطريرك في الساعة العاشرة. وبحسب أمره ذهبنا أنا ويوحنان في الصباح، قَـبَّلنا يَدَه وجلسنا ننتظر حتى انصراف حاضري المجلس، وبعد مغادرة كافة الجُلساء الموقرين. سأل البطريرك فيما إذا كان لدينا طلبٌ إليه؟ أجاب يوحنان قائلاً : يا سيدي، قد أرسلنا القائد اسرائيل لمقابلتك بناءً الى طلبكَ. ضحك البطريرك وقال لنا وهو منشرح فرحاً: أيها الشابان، عليكما الوقوف كحارسَين في باب الدار، وحين يأتي الأغا بطرس وقبل أن تطأ قدماه عتبة باب الدار، تقتلانه فوراً! وبحسب أمره وقف كُلٌّ مِنا بجانب الباب كحارسَين، وقد خيَّمَ الصمت علينا ونحن نفكر بموضوع قتل الأغا بطرس، فسألني يوحنان قائلاً: ما رأيُك بأمر البطريرك وماذا ستفعل؟ فكان جوابي، إن هذا الأمر يُشبه الأمر الذي أصدره لقتل نمرود ورجال بيته، وإني أرى أن أبتعد عن فعل هذا الشر وإن غضب البطريرك، ولن نمس الأغا بطرس بأيِّ ضرر. وفيما نحن نتحاور بهذا الأمر، أبصرنا الأغا بطرس خارجاً مِن رأس الفرع متوجهاً نحونا، فاقترب منا وحيّانا بالسلام وهو يبتسم، فقلت له، يا أغا ليس هناك موافقة لمقابلة البطريرك، لكنه أجاب، بأن محبة حقيقية تجمع بين البطريرك وبيني ودخل دون أن نمنعه. أبصرنا البطريرك خارجاً من غرفته الى الغرفة العليا وقد إحمَـرَّ وجهُه مِن الغضب. أما الأغا بطرس فما إن وصل قرب البطريرك حتى ركع لتقبيل قدميه، فأمسك البطريرك بذراعه وأنهضه ودخلا سويةً الى غرفة البطريرك.
كان سبب الخصام فيما بينهما بعض الإختلاف حول الحرب والسلاح، فبينما يرى الأغا بطرس توفير بندقية لكل قادر على حمل السلاح في بيته، فيما يرغب البطريرك أن يُصار الى تجهيز قوة نظامية. بعد انتهاء المقابلة خرج الأغا بطرس وحيّانا بالقول: شكراً لكما أيها الموقران وغادر بالسلامة. في هذا الوقت لو قمنا بتنفيذ أمر البطريرك، لكان أبناء تْخوما الى هذا اليوم يُتهمون بقتل الأغا بطرس وليس البطريرك بنيامين! وعليه فأنا أشهد وأُقـرُّ أمام الله والبشر وأنا واصل الى حافة القبر، راجياً رحمة الرب، بأن كُلَّ ما قلته عما حدث في شهر أيار 1915 عن مقتل نمرود ورجال بيته هو حقيقي.
لدى وصول نبأ مقتل نمرود ورجال بيته بسبب إخلاص نمرود وأمانته لوطنه الى السلطان التركي، أمر السلطان بتهيئة جميع القبائل الكردية المعادية للبطريرك ومن كُلِّ صوت، وفي ذات الوقت خرجت قوة تركية نظامية من الموصل. وبدعم من القوات الكردية في منطقة البروار، عسكر الجميع في طرف وادي”ليزان” ورجال تياري السفلى من الطرف الآخر. وهيّأ القائمقام آغا الجال للوقوف بوجه التياري وتْخوما. سوتو أغا اورومار العدو القديم للآثوريين الذي بدأ بشن الحرب على جيلو وتْخوما. كان هذا الإستعداد قد خُـططَ له قبل نهاية حزيران. في ذلك الوقت سقطت ليزان بأيدي الأتراك. قوات أغا الجال حوربت من قبل التْخومانيين. إصطحب بابو ملك تْخوما 60 مقاتلاً وذهب لنجدة باز، وصـدِّ قوات سوتو عنها وعدم تمكينهم من القيام بنهبها (انظر ص 691).
منذ بداية حرب الأكراد ضِدَّ قوجانس، سُلبت قوجانس ونهبت من جميع الجهات. كان قتالاً مريراً ودامياً جرى في كنيسة مار ساوا. استولى الأتراك على الجسر، وبوصول المقاتلين التْخـومانيين أُستُعـيد من أيدي الأكراد، واستمرَّ القتال ثمانية أيام بدون انقطاع. مار بنيامين دخل الى” لخزكاوار” تلقى الكثير من الوعود والتقدير من روسيا، وتسلم كمية قليلة مِن البنادق. وبعد مدة قصيرة، انسحب الجيش الروسي من “كاوار” الى “أرضروم” ميدان القتال. وما إن علمت الجماعات الكردية بانسحاب روسيا حتى بدأوا بالهجوم على الجماعات الآثورية الجبلية. استدعى أغا الجال مقاتليه من منطقة نيروا وريكان، وقام بهجوم مفاجيء على التياري ووصل الى رأس تاحي “مهالي” محلة آل اورايا بمنطقة كَلي الطلنة، تمَّ الإستيلاء عليه وأُحرق. تعدّى صوت القتال حدود منطقة الملك كيوركيس، فانتفض واصطحب معه عدداً من المقاتلين بما يُقدَّر بنصف عدد المقاتلين التْخومانيين لمساعدة التياري، وبطريقةٍ خداعية قتالية نفذوا هجوماً على الأكراد الذين لاذوا بالفرار الى كوماني.
في ذلك الزمان المضطرب بسبب الحرب والقتال ضِدَّ الآثوريين، كان هرمزد شقيق ماربنيامين يدرس في مدرسة اسطنبول، نُقِلَ من مدرسة السلطان الى الموصل لهذه الغاية ، حيث كتب حيدر بيك رسالة وأرسلها الى مار بنيامين يقول فيها: < إن شقيقك هرمزد أصبح الآن بين يديَّ، فإذا لم تتوقفوا وتستسلموا لأمري سوف يُعدم شقيقُكَ، وإذا توقفتم سوف يتحرر من الأسر. عندها دعا مار بنيامين رؤساء العشائر واجتمع بهم في “طال” وقرأ على مسامعهم رسالة الشرير حيدر بيك. وبعد التداول في مضمون الرسالة، كتب البطريرك جواباً على رسالة حيدر بيك قائلاً: < امتي هي أمانة برقبتي، وبكُلِّ ما أستطيع سأُحافظ عليها، ولا أُضحي بها من أجل شخص واحد وإن كان هذا الشخص شقيقي > وما إن وصل هذا الجواب الى حيدر بيك الشرّير حتى أمر بإعدام هرمزد شنقاً. وفي ذلك الإجتماع الذي أقَـرَّ الرسالة اقترح أغا بطرس قائلاً: ليس لنا مَن يُلبّي احتياجاتنا. الطريق الى ايران مفتوحة، وبسهولة يستطيع أبناءُ امتنا الجبليون تركَ الوطن والتوجُّه الى ايران: الرؤساء اقترحوا على مار بنيامين بأن يخرج 60 رجلاً الى الطريق نحو ايران أملاً بتلقي المساعدة من روسيا. فكانوا في النهار يتجسسون الجبال وفي الليل يواصلون السير، وقد امتدَّ بهم حتى وصولهم الى سلامس من 24 حزيران الى 20 آب.
طوال شهري الصيف الأخيرَين لم يسمعوا شيئاً من البطريرك، ولم يتوقف الأكرادُ المجاورون والمسنودون من السلطان التركي عن خلق الإضطرابات وبخاصةٍ سوتو اورامار حيث كان يُهاجم جيلو وباز حتى اضطرَّ أهل جيلو للهرب الى ديز فتمَّ سلب جيلو. خرج بابو ملك تْخوما لإستقبال القس دانيال كاهن باز وبمعيته مقاتلون فدائيون مشهورون. كتب رسالة الى أغا سوتو قال فيها: < إذا كنتَ حقاً إبن اومارو كما تقول؟ أشعِل النار في باز! وإذا لم تضرب الباز، إسأل والدتكَ مَن هو أبوك؟ وذيَّل الرسالة” أنا بابو ملك تْخوما” وبعد قراءة أغا سوتو للرسالة لم يقترب من الباز ثانيةً. وتحالف مع الدستوكيين قائداً إياهم للسطو عن طريق الكمائن لسلب أغنام الكوندِكثا ومزرعايا في زوماني. اكتُشِف أمرهم من قبل الجواسيس فدار القتال بين الطرفين على قمة جبل الميدانيين، وكان عدد الغزاة بزعامة أغا سوتو كبيراً مقارنة بعدد مقاتلي تْخوما، وعند احتدام القتال استطاع الأكراد التسلق الى أسوار مزرعايا والقبض على ايشاي بن سليمان إبن 18 عاماً ذي قلبٍ كقلب الأسد، كان يُقاتل الى جانب والده فقتل. ردَّ المزرعانيون على الأوراريين بهجوم معاكس فلاذوا بالفرار مخلفين سبع جُـثث معلقة على الأسوار.
وهنا أود أن أسأل غبطة البطريرك النسطوري الحالي مار دنحا الرابع، ما هي الحكمة القيادية التي اكتشفتها في بنيامين شمعون التاسع عشر حتى قمت بإحياء ذكرى اغتياله الرابعة والتسعين؟ وكيف توصِف قاتل نمرود ورجال بيته وهو من قرابته بالقديس وشهيد الكنيسة والطائفة النسطورية(الأمة الآشورية الكاذبة المزورة)، أية كنيسة هذه التي تُنعتُ القاتل بالقديس! ألم يكن يوحنان برخو وزومايا صارو اللذين أمرهما بقتل أغا بطرس أكثر نُبلاً وشهامة عندما امتنعا عن تنفيذ أمر البطريرك المغرم بقتل خصومه! هل قدَّرت مدى تهوُّره بزج شعبه في أتون قتال غير متكافيء عدداً وعُدةً وسنداً! يظهر أنك متأثر به ولو كان الوقت لصالحك والشعب النسطوري (الآشوري المزيف) بتلك العقلية التبعية الرجعية من الإنقياد لأوامرك لَفقتَ عليه بإصدار أوامرالقتل لكُل كافر بالآشورية المزيفة! ولكن هيهات. حتى متى تبقى كنيستكم النسطورية على وحشتها وتخلفها ونمط مسيرتها العشائري؟ إن حالتها يُرثى لها وليس هناك مَن ينتشلها منها! الى متى ستبقون منغـلقي الفكر؟ حتى متى ستستمرون القفز فوق الحقائق التاريخية؟ الله يُجازي”وليم ويكرام” على فعلته الشنيعة بتأليفه الأسطورة الآشورية وزجكم في سرابها الباطل! !
أحسنت وبارك الله فيك أخي العزيز
السيد لؤي فرنسيس المحترم، أؤيد الاخوة اعلاه واريد اضافة شيء الا وهو ان منطقة سهل نينوى التي يكثر فيها المسيحيين…
الأعزاء أودا و فرج اسمرو المحترمين نعزيكم بوفاة المرحومة المغفور لها شقيقتكم إلى الأخدار السماوية، أسكنها الله فسيح جناته الرحمة…
الراحة الابدية اعطها يا رب و نورك الدائم فليشرق عليها. الله يرحم خلتي مكو الانسانة المحبة طيبة القلب. مثواها الجنة…
Beautiful celebration Congratulations! May God bless Oscar and bless his parents and all the family and relatives