تَبايَنت الأقوالُ حول موقف الكلدان المسيحيين مِن الحدث الكبير الذي غيَّر الأوضاع في بلاد ما بين النهرين التي سُمِّيت بالبلاد الفارسية لأكثر مِن ستة قرون واعني به زحفَ العرب المسلمين نحو تلك البلاد واستيلاءَهم عليها، فيقول المؤرخون (إبن العبري/التاريخ الكنسي2 ص 115، صليبا في المجدل ص 54 – 55، ماري ص 62) بأن موقف الكلدان المسيحيين المُتواجدين في أغلب المناطق إتَّخذ الطابعَ الحيادي مِن القتال العربي الفارسي، ولكنّهم كانوا يميلون في سِرِّهم الى إنتصار العرب على الفرس، وإنَّ جاثاليق الكنيسة الكلدانية النسطورية مارايشوعياب الثاني الجدالي، بذل جُهداً كبيراً بإبلاغ الفاتحين العرب بولاء المسيحيين لهم، وجاءَ في(التاريخ السعردي2 ص 281 – 297) بأنَّ أميراً مسيحياً مِن عرب نجران قام بدورالوساطة ببني مذهبه لدى العرب المُسلمين، وحصل على عهدٍ منهم يَضمنُ لهم المُعاملة الحسنة. ومهما بولغَ بالقول، فـيبقى الواقعُ هو الأصدق، حيث يروي المؤرخ كويدي في(التاريخ المغمور ص 26) بأنَّه < عندما رأى الجاثاليق ايشوعـياب الثاني الجدالي قيام العرب المسلمين بإحتلال ماحوزا”المدائن” ونَهبِها ونقل أبوابِها الى العاقولاء(الكوفة) أسرع بالهروب الى كرخ سلوخ (كركوك) تجنُّباً للمجاعة > كما إنَّ ماروثا مطران الشرق فتح أبواب تكريت أمام قوات المُسلمين الغازية لكي يحول دون فتحهم إياها عنوة وقيامهِم بمجازر دموية بين أهلِها.
ولم يكن مِن المُستغرب على المسيحيين موقفهم الذي إتّسمَ ببعض الإرتياح مِن إجتياح العرب المُسلمين للبلاد الخاضعة للفرس منذ عدة قرون مشوباً بقدر مِن التوَجُّس، فمِن حيث الإرتياح يعودُ لمَللِهم مِن إضطهادِ الفرس لهم في فتراتٍ طويلة وعصيبة خلال مدة حكمهم الطويل والذي ناهز الستة قرون مُعلِّلين أنفسهم بأن الفاتحين الجُدُد وهم على الإيمان بالإله الواحد بخلاف الفرس الوثنيين، قد يكونون أكثر رحمة بهم وأنبل إنسانيةً في تعاملهم معهم، ويكون التفاهمُ مع الفاتحين العرب أكثر سهولة لتقارب لغتهم العربية مع لغة المسيحيين الكلدانية لأنَّ كلتا اللغتين تنتميان الى شجرة واحدة هي اللغة الآرامية. ولكنَّ الواقع الذي تبنّاه الفاتحون المُسلِمون وهو فرض دينهم على شعوب البلاد التي تسقط بأيديهم بقوة السيف، خّيَّبَ أملَ تلك الشعوب وكان الكلدان المسيحيون أبناء الكنيسة النسطورية والمسيحيون الآخرون الذين توقَّعوا منهم خيراً أشدَّ المُتضرِّرين من غُلوائهم وتزمُّتِهم الإسلامي الذي فاق التزمّت الفارسي الوثني، فغدوا كمَن استبدل الرمضاء بالنار!!
وبهذا الصدد يروي(التارايخ السعردي2 ص 100) بأن الجاثاليق مارايشوعياب الثاني الجدالي، كان مُتأَنِّياً في إتخاذ قراراتِه، ذا فطنةٍ تُسعفه في مُواكبة تقلبات الحكم التي طرأَت إبان عهدِه، غيوراً على صيانة الديانة المسيحية، مُعطياً المَثلَ الأعلى في الخِصال المحمودة والأخلاق السامية. ويُثني إبنُ العبري على إهتمامه بالناحية العِلمية، حيث أعاد تجديد المدارس التي طالها الغلق ورسم أساقفة تَمَيَّزوا بالفضيلة، وحين رأى الديانة الإسلامية تُفرضُ على سُكّان البلاد التي إحتلَّها الفاتحون المُسلمون بقوة السيف، دفعته غيرتُه لنشر الديانة المسيحية في المناطق القصية، حيث بادر عام 635م الى إرسال أفواج مِن المُرسلين الى بلاد الصين لتنوير شعبها بنورالإنجيل، بزعامة القسّيس”ألابن”، ويُعتقد أنَّ هذا الاسم هو تحريف لإسم يَهبَلاها، وقد حظيَ المُرسل الكلداني بمُوافقة الملك الصيني ( ثايوتسنغ 627 – 650 م) على التبشير بالدين المسيحي في بلاده، وفي عام 639 م أصدر مرسوماً يؤيد فيه إنتشارهذا الدين وأمر بتشييد كنيسة، فازدهر العمل المسيحي هناك وتسنّى للكلدان النساطرة إقامة كراسي مطرانية واسقفية كثيرة كما أورد (السمعامي3 /2 ص 538 و جريدة التمَدُّن الكاثوليكي الإيطالية في 20 حزيران لعام 1903م).
وفي أواخرعهده يُضيف (التاريخ السعردي2 ص 100 وكويدي ص 26 – 27) شغلت مارايشوعياب امور كنيسة نصيبين، فقد تَمَرَّد الكلدان النساطرة على مطرانهم قرياقـوس أحد أعضاء بعثة الملكة الفارسية بوران برئاسة الجاثاليق ايشوعياب الى الملك الروماني هرقل، حيث كان قد مال الى مذهب الملكيين الكاثوليكي، ولكن الجاثاليق لم يُلبي مطلبهم المُطالِب بعزلِه، وبعد وفاة المطران قرياقوس، رسم الجاثاليق ايشوعياب إبراهيم مُفسِّرَ مدرسة الحيرة مطراناً لنصيبين، ولم يقبلوا به أهلُها المتعصِّبون، فاضطرَّ للتوَجُّه إليهم لكي يُصلحَ بينهم وبين مطرانهم الجديد، إلا أنَّه كما يقول(ايليا في تاريخه ص 53) لدى وصوله الى كرخ جدان داهمه مرض مُفاجيء قضى عليه وكان ذلك عام 645 م، فدبَّرَ أمرَ دفنه آل بيت يزدين الصراف. وكانت مدة جثلقتِه سبعة عشر عاماً.
نفوذ المسيحية في الجزيرة العربية قبل الإسلام
تَدلُّنا وتؤكِّد لنا بما لا يقبل الجدال التنقيبات الآثارية والمدوِّنات التاريخية والشواهد العُمرانية كالكنائس والأديُرة التي يرقى تاريخها الى القرنين الرابع والخامس الميلاديين والباقي بعضُها الى يومنا، على السرعة المُذهلة التي انتشر بها الدين المسيحي في بلاد ما بين النهرين. فليس من المعقول بعدم وصول الدعوة إليه الى عرب الجزيرة، وهم الذين عُرفوا ببساطة العيش ودماثة الخُلق وسلامة الطويَّة، هذه الخصال الحميدة التي تجعل منهم مؤهَّلين لقبول تلك البشارة السارة. ثمَّ هل كان هَيِّناً على الرُّسُل وخلفائهم التلاميذ إغفال تبشيرالمناطق المُجاورة للبلاد اليهودية المتشابكة العلاقات مع بعضها البعض وهم الذين جابوا ابعد بقاع الأرض لإيصال بشارة الخلاص إليهم؟ إنَّها بديهية بأنَّهم بَشَّروا عرب الجزيرة وأنقذوهم من شِرك الوثنية. ولو استعرضنا أقوال المؤرخين وما توارثناه من التقاليد والطقوس الكنسية لوجدناها تؤيِّدُ قيام المُبشِّرين بدعوة العرب الى الإيمان بالمسيح كما دعوا غيرهم من سكّان الجزيرة!.
فتقول المصادر التالية: (تاريخ الأب بيجان1 ص 45-51 و ماري بن سليمان/ المجدل ص 1-3 و اوسابيوس القيصري1 ص13) <وكان لأدَّي عدة تلاميذ بينهم ماري وأكَّاي، وبعد إبرائه لملك الرُّها أبكَر الخامس وتعميذه إياه وأتباعه، غادر الرُّها آخذاً معه تلميذه ماري وشَدَّا الرحال الى نصيبين وآثوروبيث كَرماي فتلمذا جمهوراً كبيراً، ثمَّ عاد مارأدَّي الى الرُّها وتُوفي فيها، وواصل ماري التبشير في نصيبين وأرزون ومناطق حِدياب وبيث كَرماي ورادان وكشكر وميشان والأهواز وساليق>. اما عبديشوع الصوباوي فيدعو أدَّي برسول الجزيرة ندرج تعريب ما قاله عنه (المكتبة الشرقية/ السمعاني4 ص 5-25) <قد اقتبلت الرُّها ثم نصيبين وسائر العرب وكُل تخوم الجزيرة العماذ المقدس من أدَّي أحد الإثنَين والسبعين تلميذاً>.
ويذكرالمؤرخ الكلداني عَمروالطيرهاني عن مارماري في كتاب (اخبار بطاركة المشرق ص1) قائلا: <ثمَّ بادرَ الى تلماذ جميع نواحي ارض بابل والعراقيين والأهواز واليمن والجزائر وبلاد العرب سكّان الخيم ونجران وجزائر بحر اليمن>. ويروي المؤرخ ماري بن سليمان في (تاريخه ص 2) < وتوجَّه أحّاي وماري تلميذا أدَّي الى نصيبين وأعمدا اهلها، وانفذ ماري الى المشرق وأحّاي الى قردي وبازبدي، ثمَّ توجَّهَ أدَّي الى الشرق وبدأ بناحية حَزّة والموصل وباجرمي وعاد الى مدينة الرُّها واستناح فيها بعد 12سنة…> وأضاف <وادَّي قصد مع أحّاي وماري بلاد الرُّها والموصل وبابل والشمال والجنوب وبوادي العرب>.
وبعد انتهاء المرحلة التبشيرية للرُسُل والتلاميذ ازدهرت النصرانية في مناطق الجزيرة خلال القرنين الثاني والثالث، حيث ظهرت في الرُّها الترجمة الأولى للكتب المقدَّسة الى اللغة الكلدانية “الآرامية الشرقية” وهي الترجمة المعروفة بالبسيطة ومن أفدح الأخطاء التاريخية أن تُدعى بالسريانية، (لأنَّ ما تُدعى بالسريانية هي التي قام بتحريفها تَعمُّداً عن اللغة الكلدانية المنشقون المونوفيزيون اليعاقبة في القرون المتأخرة على أيدي إبن العبري وأعوانه، فتولّدت لهجتها مبتورة وحروفها مسمارية معوجة. ولذلك لم تكن معروفة لدى الأقدمين سكّأن شرقيِّ الفرات أو غربيِّه ولم ينطقوا إلا باللهجة الشرقية، ناهيك عن أنَّ أبناء الجزيرة وحتى الرُّها التي يدَّعي بخبثٍ المونوفيزيون المُغالطون انتساب لهجتهم إليها، ما كانوا يلفظونها إلا باللهجة الشرقية وبتأكيدٍ لا غبار عليه). وما بين عام 152-173م انتهى طِطيانوس العالِم تلميذ الفيلسوف والقديس الشهيد يوستين من جمع آيات الأناجيل الأربعة وتنسيقها بكتابٍ واحدٍ سمَّاه “الدياطسَّرون أي الأربعة” وفعل ذلك قبل أن يُصبح مُبتَدِعاً. فُقِدَ نصُّه الكلداني ولا يُعرَف عنه إلا الفقرات التي علَّق عليها الملفان الكلداني الكبير القديس مار افرام النصيبيني.
ومن الأدلة على انتشار المسيحية السريع في انحاء الجزيرة بزمن قصير وليس بعيداً عن زمن الرُّسُل هو قيام الأساقفة بعقد مجمعَين ذكرَ أحدهما اوسابيوس القيصري في (تاريخه ك5 الفصل 22) وقد عُقد في نحو عام151م حضره 19 اسقفاً لإقرار الفصح وتحديد يومه. انظر ايضاً في (مجموع المجامع/ مانسي1 ص 719-727) والمجمع الثاني عقِد بعده بزمن قصير لتمحيص وتفنيد ما كان يُرَوَجَهُ المُبتَدِعون من تعاليم مخالفة للإيمان القويم كأبيون وأرتيمون وتيئودوطس، وقد حضره 14 اسقفاً بحسب المصدر السابق (مجموع المجامع/ في نفس الموضع)، ألا يعني ذلك تأييداً لِما ورد في تقاليد كنائس الجزيرة بأنَّ عدداً لا بأس به من الأساقفة كانوا يرعون مؤمنيهم قبل القرن الرابع في عِدة مدن كآمد والرقة ونصيبين… وقد ذكرَ بَرديصان البابلي الأصل المولود في الرُّها 154-222م بأنَّ أهل الرُّها وأهل حضر كانوا من قبيلة قضاعة العربية. انظر كتاب (شرائع البُلدان لبرديصان ص 59) ومن الجدير بالذكر بأن هذا العالِم والفقيه في اللغة الكلدانية أصبح في النهاية في عِداد المُبتَدِعين.
وما إن دخلت المسيحية الى القرن الرابع حتى بدأ النصرُ يُحالفها ضِدَّ اعدائها وفي مقدِّمتهم وثنية الإمبراطورية الرومانية، فخرجت من مخابئها الى العَلَن لتُبهج العالَمَ بطيبتها وجمالها وجلالها. وتجلَّى رونقها البهيُّ في كافة المناطق المُهيمنة عليها الإمبراطورية العظمى شرقاً وغرباً، وكان نصيب القبائل العربية في الجزيرة النصيب الأوفر للإرتواء من مناهل النصرانية العذبة، وتوفَّرَلها ذلك بتوافد الرهبان والسائحين القادمين إلى بلادها لتنقيتها من شوائب شِرك الوثنية ويزرعوا في ربوعها بذورَالصلاح والقداسة بفضائلهم وتعاليمهم السامية، والكثير من كبار المعلِّمين والآباء القديسين ساهموا مع هؤلاء الرهبان في تهذيب عرب الجزيرة وجذبهم لإعتناق المسيحية ومنهم القديس ماريعقوب اسقف نصيبين وتلميذه مار افرام النصيبيني… إنَّ عدداً كبيراً من أولياء الله هؤلاء قد اختلطوا مع عرب الجزيرة، وكانت سيرتُهم التقيّة ذات تأثيركبيرعلى الجماعات البدوية من حيث تقوية ايمانهم، فتدفعهم هذه القوة الإيمانية للقدوم إليهم ملتمسين صلواتهم من أجل شفاء امراضهم، فكانوا ينالون مُبتغاهم ويطلبون العماذ من ايديهم اعترافاً بدينهم وقبولهم له.
وقد شهدت النصوص التاريخية التي اوردها المؤرخون الشرقيون والغربيون على تنصُّرالعرب ومنهم: المؤرخ السمعاني في (مكتبته الشرقية4 ص 598) حيث يقول: <إنَّ العرب الذين كانوا يسكنون في الجزيرة ونواحي الكلدان والخليج العجمي عَدِلوا الى الدين المسيحي قبل سنة 320 للمسيح بهِمَّة أساقفة الرُّها والمدائن والرهبان المنتشرين بينهم>. أما المؤرخ اليوناني سوزومان فقد قال عن الرهبان في (تاريخه ك1 الفصل 34) <إنَّ هؤلاء النسّاك قد جذبوا الى دين المسيح كُلَّ السريان تقريباً وعدداً عظيماً جداً من العرب والفرس بعد أن انقذوهم من عبادة الأصنام> وكذلك قال تيئودوريطس عن القديس سمعان العمودي وقبائل العرب التي كانت تتقاطر عليه من العراق واليمن، فكم بالأحرى أن يكون لقبائل الجزيرة القريبة منه تَوافدٌ إليه ابكر واكثف!
تطوُّرات خطيرة
لقد تطرقنا في الجزء الثاني مِن كتابنا (تاريخ بلاد الرافديه/الكلدان والآثوريون عبر القرون/ في الفصل التاسع عشر- مراكز الثقافة الكلدانية – ص 423 وما يليها). بأنه عـندما تسلَّمَ المُصلحُ الكبيرُ والعلامة القدير”حنانا الحِديابي” إدارة مدرسة نصيبين الأكاديمية الكلدانية الشهيرة عام 572 م، أحدثَ تصحيحَه للكثير مِن تفاسير تيئودوروس المصيصي، إضطراباً بين طلبة وأساتذة المدرسة أدّى الى انقسامِها على نفسها، وغادرها بعض المُتعصِّبين لتعاليم المصيصي، وظلَّ القسمُ الأكبرُ وهم المُعتزّون بتعاليم حنانا وتفاسيره، واخذ عددُهم بالإزدياد حتى بلغ (800) بحسب قول المؤرخ ماري بن سليمان، كما أنَّ أغلبَ نبلاء وأعيان نصيبين أيَّدوا تعاليمه (التاريخ السعردي2 ص 74) المُستندة الى آراء وتفاسير ماريوحنا الذهبي الفم، ومال إليها الكثيرُ مِن رهـبان ديرمارإبراهيم الكبير (قصة يهبالاها ص 503) وانضمَّ الى آرائه شمعون مطران نصيبين (المجامع الشرقية ص 163)فدَبَّ الإضطراب في صفوف الأساقفة النساطرة المُتزمتين، وهدَّدوا شمعون بالحرم لإمتناعه عن حضور مجمعهم، كما حرموا تعاليم حنانافي مجمعي ساليق العاشر عام 585م والحادي عشر عام 596 م، والأغربُ ما في الأمر، فإن المجمعَين تحاشيا عن ذِكر اسم حنانا في متن قرارَيهما، وقد أضعفَ الصراعُ الدائر بين مؤيديالعالِم الكبير حنانا ومُعارضيه المُتعصِّبين عظمة َ مدرسة نصيبين الرائدة في حمل راية العِلم والمعرفة في الشرق المسيحي لزمن طويل .
وكما حدث لمدرسة نصيبين الشهيرة، حدث لدير ايزلا الكبيرالذي كان قد بلغ قمة َمجده وازدهاره في بدايات القرن السابع على عهد رئيسه الثالث باباي الكبير الذي تسلَّمَ رئاستَه عام 603م بعد مؤسسه العظيم إبراهيم الكبير وخَلَفِه داديشوع. كان باباي عبقرياًوذا باع طويل في التأليف اللاهوتي والنُسكي، وبفضل مؤلفاته إرتقت رهبانيتُه الى مستوى روحيٍّ وعِلميٍّ ساميَين، وصارت مطلباً وهدفاً لتهافُت الكثيرين بالرغم مِن عِلمِهم بأن رئيسَها حادُّ الطبع وصارمٌ في تنفيذ القوانين. بعد وفاة الجاثاليق مارسبريشوع الأول عام 609 م شغر الكُرسي الجثلقي حتى عام 628م، وقع اختيارأساقفة الكنيسة على باباي الكبير ليتولّى إدارة شؤون الكنيسة بصفة زائر عام للكنائس والأديُرة (التاريخ السعردي2 ص 80 – 83) فكانت تلك مُهمة خطيرة تتطلَّبُ جُهداً ومُثابرة، واستنفذت مِنه جُلَّ وقته بحيث لم يبقَ في مقدوره مواصلة رقابته على الرهبان مِن جَرّاء تغيُّبه المُستمر، فتسرَّبَ الفتورُ الى حياة الرهبان، كانت نتيجتُه تلفيقَ فضيحةٍ أخلاقية، أُتّهِمَ بها ظلماً يعقوب اللاشومي، فطُردَ مِن الدير، وإذ عَلِمَ الكثيرُمِن الرهبان ببراءَته مِن التهم التي أُلصقت به، إنتابهم الإستياءُ وغادرَ رهطٌ مِنهم الدير عِقبَ مُغادرة يعقوب له، فتبعثروا في مناطق مُختلفة مؤَسسين أديُرة كثيرة، غَدَت فيما بعد مراكز تشعُّ مِنها أنوارُ العِلم والفضيلة. وكان الدير الذي أسَّسَه يعقوب اللاشومي بالقرب مِن قرية “خربا” في شمالي مدينة عقرة الحالية أشهر تلك الأديُرة، عُرفَ باسم “دير بيث عابي” فقد أدّى دوراً كبيراً ومُهمّاً في تاريخ الكنيسة المشرقية، حيث أنجبَ لها الكثيرَ مِن الجثالقة والأساقفة تمَيَّزوا بغزارة العِلم ورسوخ الفضيلة كما يُشيرُ الى ذلك (كتاب الرؤساء في الصفحات24 ، 35 ، 42 ، 46) .
ومِن الأحداث الخطيرة التي جَرَت على ساحة الكنيسة الكلدانية المَشرقية التي كان هدف مُثيريها، هو صقلَ عقول المُمسكين بزمام أمور الكنيسة المشرقية مِن جثالقةٍ وأساقفةٍ، لكي يُخَفِّفوا مِن غُلوائِهم التعصُّبية في مُقاومة الإنفتاح على الأفكار الفلسفية واللاهوتية المُتجدِّدة، وعدم التشبُّث بالأفكارالإبتِداعية التي إبتدعها بعضُ أساطين الكنيسة مِن أجل الشهرة والمجد الدنيوي أمثال تيئودوروس المصيصي ونسطوريوس البيزنطي وغيرهما، ومِن بين هؤلاء الساعين الى إصلاح أفكارهؤلاء المُتزمتين كان سهدونا أشهر تلاميذ العالِم والمُفسِّر الكبير حنانا الحِديابي فمَن كان سهدونا هذا ؟
سهدونا اللاهوتيُّ المُصلح
تقول المصادرُ التاريخية التالية (التاريخ السعردي2 ص 315 – تاريخ كلدو وآثور2 ص 251 – كتاب الرؤساء ص 59 – 60 و67 – 70 – كتاب العفة العدد 128) عن سَهدونا بأنَّه مِن مواليد قرية “هـلمون” التابعة لأسقفية نوهدرا والواقعة في شمال غربي العمادية على بعد 40 كم. تلقَّى دروسَه الأولية في مدرسة مارايثآلاها القريبة مِن دهوك، واستكملَ دراستَه العُليا في مدرسة نصيبين الشهيرة، وكان مِن أشدِّ المتأثرين بتيارالأفكار الجديدة الذي أحدثه العالِم الجليلُ حنانا الحِديابي. إلتحق بمار يعقوب اللاشومي في دير بيث عابي، ثمَّ إعتكف فترة في جبل اوروخ (حِمرين) مارس خلالها الحياة النسكية. وقد خصَّصَ تلك الفترة لكتابة تُحفته اللاهوتية الرائعة أسماها “كمال السـيرة”أوالسيرة الكاملة. دَبَّجَ فيها بصياغةٍ إبداعية أفكارَه الإلهامية المُطابقة لقرارات مَجمَعَي افسس وخلقيدونية، بيدَ أن هذه الأفكارَ التي ترقى لاهوتياً على الأفكار المُتبنّاة مِن قبل كنيسة الكلدانية النسطورية، ظلَّت خافيةً عن مُعظم نُظرائِه المُعاصرين. وخفاؤها هذا سَهَّلَ لصديق سهدونا ايشوعياب الحِديابي اسقف نينوى آنذاك ليقوم بترشيحِه لأسقفية ماحوزا داريون الواقعة في منطقة كركوك على بعد 40 كم عن الطون كُبري. وقد نال الدرجة الاسقفية بالفعل قبل أن يكون أحدَ أعضاء الوفد الكنسي الى الملك هرقل البيزنطي عام 630م والذي إختارته الملكةُ بوران الفارسية برئاسة الجاثاليق ايشوعياب الـثاني الجدالي. وليس صحيحاً ما قاله توما المرجي بأن التقاء سهدونا برئيس دير أفاميا القريب مِن حماه كان ذا تأثير على تغيير أفكاره، لأن سهدونا كان قد تبنّى الأفكارَ الخلقيدونية منذ زمن بعيد، حيث كان ذا مَيل إليها وهو طالبٌ في مدرسة نصيبين. وما إن ظهرت أفكارُه الجديدة، حتى سارع رؤساءُ الكنيسة النسطورية وفي مقدمتهم الجاثاليق ايشوعياب الثاني الجدالي نفسه لثنيِه عنها، ولكنَّ مساعيَهم ذهبت أدراج الرياح، فما كان مِنهم إلا أن قاموا بعقد مجمع عام 643 م، شجبوا فيه سهدونا وآراءَه ، ونُفي الى الرُّها.
ايشوعياب الحِديابي المُعارض
وقفَ ايشوعياب الحِديابي صديقُ سهدونا السابق بوجهِ المُحاولة التي وُضعت على بساط البحث في عهد الجاثاليق (مارامه 646 -649 م) بصدد إقناع سهدونا للتخلّي عن آرائه، عن طريق رسائل تحريضية لزملائِه الأساقفة بعدم المُوافقة على قبول عودته، فاضطرَّ الجاثاليقُ مارامه عام 647 م للدعوة الى عقد مجمع في ديرمارشمعون القريب مِن السِّن. فأصدر المجمعُ قراراً بحَرم مؤلفاتِ سهدونا، فعاد سهدونا الى الإنعزال بالقرب مِن الرُّها حتى وافته المنية عام 650م. وبذلك تَمَّ القضاءُ على التيّار الإصلاحي الذي سعى الى تغيير الأفكار النسطورية المُبتَدَعة واقتلاعِها عن وسط الكنيسة المشرقية. وتردَّدَ القول باتهام الجاثاليق ايشوعياب الثالث الحِديابي بانتزاع القسم العقائدي مِن كتاب سهدونا الذي كان قد عرض فيه أفكارَه النيّرة الجديدة لتستنيرَ بها الكنيسة المشرقية وتنبذ الأفكارَالإبتِداعية المتورطة بها منذ زمن، وقد قام الأبُ بولس بيجان بطبع الأقسام المتبقية مِن الكتاب عام 1902 م في باريس. ومِن الجدير بالإشارة إليه بأن أفكار المُصلحين العلماء أمثال المُفسِّر الكبير حنانا الحِديابي والعالم الجليل سهدونا، لم تأتِ مِن الفراغ، بل جاءَت انعكاساً لوضع الكنيسة الكلدانية المشرقية النسطورية غيرالسليم مِن الناحية المُعتقدية، ومِن أهمِّ أسباب تمسكِها به هو الإستقلالية الإستكبارية التي مَيَّزتها عن بقية الكنائس، فجلبت لذاتها الكُرهَ والإنعزالية لأجيال طويلة. إن المصادر التاريخية أطنبت وأسهبت في تعداد خصال ومواهب سهدونا مُثنية على أفكاره اللاهوتية النيِّرة (كتاب العِفّة/لإيشوعدناخ مطران البصرة/القرن الثامن العدد128 ، التاريخ السعردي ج2 ص 315، مدرسة نصيبين/لأدّي شير ص 42-45، كتاب كلدو وآثور ج2/لأدّي شير ص 251، كتاب الرؤساء/ للمطران توما المرجي الصفحات 59-60و67-70).
بعد وفاة الجاثاليق ايشوعياب الثاني الجدالي الذي كان في موقفٍ لا يُحسَدُ عليه، فبالرغم مِن ايمانِه العميق بالأفكار الخلقيدونية التي إستقاها مِن تعليم معلمه في مدرسة نصيبين حنانا الحِديابي وجاهرَ بها أمام الملك الروماني هرقل وأساقفتِه أثناء قيامِه برئاسة وفدٍ إنتدبته الملكة بوران الفارسية لمُقابلتِه، إلا أنه جوبهَ بمُعارضةٍ قوية مِن بعض أساقفته المُتشدِّدين المتشبثين بالفكر النسطوري الى حَدِّ التزَمُّت الصارخ، فظلَّ مؤمناً بأفكاره سِرّاً ومُسايراً لأفكار أساقفتِه ظاهراً، حرصاً منه على وحدة كنيسته.
27 – الجاثاليق مارامه 646 – 649 م
بحسب قول المؤرخ ماري(المجدل ص62) بأن مارامه كان أرزونيَّ الأصل، أُنتُخِب خلفاً للجاثاليق ايشوعياب الجدالي بحسب القوانين الكنسية. ووفق ما جاءَ في(التاريخ السعردي2 ص 310) < بأن المسلمين عنوا به على عقد الجثلقة له، لأنه حَمل إليهم الميرة(الطعام) وقت نزولِهم على بلد الموصل لفتحها > وكذلك أشار كتاب(ذخيرة الأذهان ج1 ص 260) حيث كان يشغل منصبَ اسقف نينوى آنذاك. ويُخطيء المؤرخ ماري بقوله في(المجدل ص 62) “بأن رابعَ الخلفاء الراشدين علي بن أبي طالب، كتب له وللنصارى كتاباً بالتـوصية ” إلا أنَّ صليبا في (المجدل ص 55 والتاريخ السعردي2 ص 230) يُؤكدان بأن وفاة مارامه حدثت في عهدِ عثمان بن عفان. يقول عنه (عمرو/ المجدل 55) بأنه كان رَجُلاً فاضلاً تقياً مساعداً للفقراء، قـام بفتح مدارس عديدة، وفي طريقه الى كرخ جدان وافته المنيَّة.
28– الجثاليق ايشوعياب الثالث الحديابي 649 – 659 م
بعد وفاة الجاثاليق مارامه، تَمَّ انتخابُ ايشوعياب الثالث الحِديابي، يقول المطران أدّي شير في كتابه (تاريخ كلدووآثـورج2 ص 171) سُمِّيَ بالثالث إذ سبقه ايشوعيابان الأول الأرُزونّي والثاني الجدالي، وكان مِن مواليد بلدة “كوفلانا” التابعة لمُقاطعة حِدياب “أربيل” لوالدَين مؤمِنَين وثريَّين .ويُشير توما المرجي في كتابه (كتاب الرؤساء ص 83) بأنَّه درس في مدرسة نصيبين أشهر المدارس الكلدانية على عهد رئيسها العالِم الجليل حنانا الحِديابي، لكنه كان مُناهضاً لأفكاره بسبب تعصُّبه للأفكار النسطورية .ودخل الى ديرالغاب الشهير”دير بيث عابي” وبيث عابي كانت قرية صغيرة خربة في موقع وعر. يذكركتاب (تاريخ كلدو وآثـور ج2 ص172) بعد عام 628م رُسم اسقفاً على نينوى. وفي عام 630م إنضمَّ الى الوفد المرافق للجاثاليق ايشوعياب الثاني الجدالي الى ملك الروم. في عام 637 م يقول (التاريخ السعردي2 ص 209 وماري في المجدل ص 62) رُسم مارامه اسقفاً جديداً لنينوى، وعُيِّن ايشوعياب الحِديابي لميطرابوليطية حدياب، وقد رفضها في باديء الأمر إلا أنَّه رضخ للأمر الواقع بعد وقوع أحداث مؤلمة.
وراقب وهو في مقرِّه في أربيل الفتوحات العربية الإسلامية عام 637م، ورد في كتاب (خلاصة تاريخية للكنيسة الكلدانية/ للكاردينال تيسيران /ترجمة القس ” المطران “سليمان الصائغ ص 36 – 37 – 38) ومنذ تولّى أيشوعـياب الحديابي كُرسيِّ الجثلقة في عام649م، عَمِل على الإمساك بزمام امور الكنيسة بحزم ودراية، ومع ذلك يُستدَلُّ مِما ورد في بعض رسائله المنشورة في (جمهرة الكَتَبة المسيحيين الشرقيين ج . ك . م . ش) بأنه واجهَ صعوباتٍ كثيرة حيث جَرَت أحداث بالنسبة للوجود المسيحي في الضفة الغربية للخليج العربي “عُمان والبحرين وجزرها – منطقة بيث قطرايي قطر كُلِّها” وكادَ يتلاشى تماماً، ففي مطلع بطريركيته كان العددُ الأكبرُ مِن مسيحيي عُمانالواقعة بمنطقة الخليج المعروفين بـ”المازونيين – مازوناييܡܙܘܢܝܐ” وهي تسمية فارسية، كانت تُطلق على سكان منطقة عُمان قد تَحَوَّلوا الى الإسلام، ليس قسراً بل صوناً لثرواتهم، واقتدى بهم أهالي بيث قطرايي بالتخاذل والتحوُّل الى الإسلام. حاول البطريرك إنقاذ ما يُمكن إنقاذه مِن شعبه في هذا الجزء مِن العالَم، إلا أنَّ أساقفة هذه المنطقة كانوا أول المُتخاذلين فرفضوا تلبية دعوة البطريرك لعقد مجمع لتدارك الأمر، غيرعابئين بأية إجرآتٍ رئاسية مُحتملة بحقهم، فاضطرَّ البطريرك الى الكتابة إليهم مذكراً إياهم بمحبةِ المسيح للعدول عن قرارهم، فكان جهداً بلا جدوى. فلم يجد البطريرك إلا اللجوءَ الى الرهبان مُهيباً بهم للتمسُّك بايمانهم، مُعفياً إياهم مِن الطاعة للأساقفة المُتخلّين عن دينهم.
أما في الضفة الفارسية للخليج، فكان الإضطرابُ والفوضى سائدَين أيضاً، وفكرة الإنفصال المتسرِّبة الى العقول منذ ما يقارب القرن قائمة، فكتب البطريرك الى شمعون مطران رواردشير طالباً منه العدول عنها. وقد ضرب عرض الحائط بالتقليد المُتّبع آنذاك مطرانان وما يزيد عن عشرين اسقفاً بعدم حضورهم لدى البطريرك لنيل التثبيت مِنه، فأوفد البطريرك ايشوعياب اساقفة أبرشيتي شوشتر وهرمزارداشير لزيارتهم وتطبيق النظام الكنسي، فكان مسعىً لم يتكلَّل بالنجاح أيضاً. وبالرغم مِن كُلِّ ذلك، فقد إستمَرَّ الوجودُ المسيحي في تلك المناطق حتى القرن الحادي عشر. .
وباستثناء المناطق التي أشرنا إليها، فإن المسيحية واصلت إزدهارَها، بل راحَ عددٌ كبير مِن الفرس الزردشتيين يعتنقون المسيحية، ولم يسع مارايشوعـياب إلا السخرية مِن اولئك الفرس المزديين الذين كانوا لا يزالون يُوالون حُكماً قد إنهار وزال، ويُقاومون كنيسة حية راسخة. وجاء في إحدى رسائله المنشورة في (جمهرة الكتبة المسيحيين الشرقيين ص 251) قولُه: <ليس فقط لا يُهاجم المسلمون الديانة المسيحية، بل إنهم يوصون بإيماننا خيراً، ويُكرمون الكهنة وقديسي الرب، ويُحسنون الى الكنائس والأديُرة> وبالفعل، فمنذ أن خضع الجزءُ الشمالي مِن بلاد ما بين النهرين عام 646م لإدارة معاوية التي إتَّسمت بالحكمة والحزم، كان حالُ المسيحيين في وضع حسن. وليس مِن شكٍّ مِن أنَّ الإدارة إذا شابتها الفوضى غالباً ما تُسبِّب في بروز أزمة التعـصُّب، وهذا ما كان يحدث للمسلمين في تعصُّبهم ضِدَّ المسيحيين. وهذا ما حدث للبطريرك ايشوعـياب نفسه في الفترة الأخيرة مِن حياته، حيث تعرَّضَ كما يقول أدّي شير في (مدرسة نصيبين الشهيرة/ ط . بيروت 1905 م ص 45 – 46) لإضطهاد حاكم المدائن، فاضطرَّ للإلتجاء الى دير بيث عابي الشهير وهنالك وافته المنية عام 659م. ويقول جان فيه في (مجلة الشرق المسيحي / الدورية 36 لعام 1970 م ص 43) بأن حاكم المدائن في تلك الفترة كان عُدي بن حارث بن رويم. طلب مِن البطريرك ايشوعياب مبلغاً مِن المال، لم يشأ البطريرك دَفعَه، لأنَّه لو رضخ للأمر لأثقلَ كاهلَ شعبه . فألقاه في السجن في نهاية عام 656م، وقام بنهـبِ عددٍ مِن كنائس الحيرة والعاقولاء “الكوفة” وتدميرها، وبطريقةٍ ما تمكَّن البطريرك الشيخ مِن اللجوء الى دير بيث عابي.
ذكرالقس بطرس نصري (ذخيرة الأذهان ج1 ص172) بأن البطريرك ايشوعياب الثالث الحِديابي كان عالِماً جليلاً، ذا نِتاج غـزير وبليغ تشهدُ عليه مؤلفاتُه العديدة، ومِن أعمالِه المُهمة ذاتِ الأثر الكبير، كان حُبُّهُ للطقس الكلداني، ويُعتبرُ بحقٍّ مُنَظمَ طقس الكنيسة المشرقية، وساعده في ذلك زميلُه في مدرسة نصيبين الراهب عـنانيشوع الشهير بالتراتيل والألحان الطقسية. فـلِمارايشوعياب الثالث الحديابي يعود الفضل في جمع أجزاء الطقس المُبعثرة، وقد ركَّز على توحيد رُتبِه وصلواتِه منذ أن كان اسقفاً على نينوى ثمَّ مطراناً لأبرشية حدياب، وبعد تسلـُّمه الرئاسة العليا عمَّمَه وجَعله يُطبَّق في الكنيسة المشرقية بشكل عام وكامل، وهو الذي وضع نظامَ السابوعات، ورَتَّبَ السنة الطقسية وفقاً لحياة المُخلص وأعماله، وأدرج القديسين ضمنَ هذا السياق. وضع الكثيرَ مِن الرُتب الطقسية وطوَّرَغيرَها. ولا يُمكن إغفالُ رسائله الشهيرة، وقد قام “روبنس دوفال” بنشرها عام 1904م ونشر ترجمتها اللاتينية عام 1905م ، أما “واليس بدج” فقد ترجمَ قسماً مِنها الى الإنكليزية ونشرها كملحق في كتاب الرؤساء طبعة عام 1893 م . والخلاصة كان عهدُه زاهراً رغم قصر مدته وكثرة أحداثه غير المؤاتية، وللمزيد عن الجاثاليق مارايشوعياب الثالث الحِديابي راجع (العدد 12 من مجلة نجم الكلدان وتصفـَّح ما سطره عنه الباحث الأب ألبير أبونا في الصفحات 416 – 422) وتصفَّح ما سطَّره عنه الباحث الأب البير ابونا (الصفحات 416-422)
وللأسف فإنَّ المسيحية في الجزيرة خاصةً قد شوَّهتها البِدَع بضلالها، والأكثر ضلالاً بين تلك البِدع التي ظهرت في اواسط القرن الخامس كانت البِدعة المونوفيزية اليعقوبية، حيث سَرَت سُمومُها القاتلة الى سكّان تلك النواحي وتفشَّت بينهم تفشّي العدوى، وأبعدتهم عن الوحدة المسيحية زاجة إياهم في هُوَّة الضلال. يذكرالعالِم والمؤرخ نولدك في(امراء غسّان ص 31-32) نقلاً عن يوحنا الآسيوي أو الأفسسي في تاريخه: <إنَّ ما دار بين قبائل العرب المتنصِّرة مِن الجِدال بسبب المجمع الخلقيدوني شَتَّت شملَ الكثيرين منهم حتى أصبحوا خمسَ عشرة فِرقة، وعلى مثالِه قال المونوفيزيان اليعقوبيان ميخائيل البطريرك والمفريان غريغوريوس المعروف بإبن العِبري في تاريخيهما الكنسي. والأنكى في ذلك كُلِّه أنَّ الكتبة المونوفيزيين اليعاقبة ينحون باللائمة على الكاثوليك مُلقين عليهم تبعة ما جرى في حين كان الأحرى بهم أن يُحمِّلوها على سوء تصرُّفِهم وتمرُّدهم على قرارات المجمع المسكوني. وكانت نتائج التناحُر المرير بين النساطرة والمونوفيزيين اليعاقبة في تسابقهم بزرع زوَّان أضاليلهم وخيمة عليهم اولاً وعلى الوحدة الكنسية ثانياً. والى الجزء التاسع قريباً.
أحسنت وبارك الله فيك أخي العزيز
السيد لؤي فرنسيس المحترم، أؤيد الاخوة اعلاه واريد اضافة شيء الا وهو ان منطقة سهل نينوى التي يكثر فيها المسيحيين…
الأعزاء أودا و فرج اسمرو المحترمين نعزيكم بوفاة المرحومة المغفور لها شقيقتكم إلى الأخدار السماوية، أسكنها الله فسيح جناته الرحمة…
الراحة الابدية اعطها يا رب و نورك الدائم فليشرق عليها. الله يرحم خلتي مكو الانسانة المحبة طيبة القلب. مثواها الجنة…
Beautiful celebration Congratulations! May God bless Oscar and bless his parents and all the family and relatives