وبحدود منتصف القرن التاسع عشر بادرت البعثات الأنكليكانية والبروتستانتية أيضا بالقدوم الى بلدان الشرق الأوسط ومن بينها بلاد ما بين النهرين وسوريا وبلاد فارس وغيرها، ولكنَّ مهمتها لم تكن لكسب الناس غير المسيحيين إلى مذاهبها، بل لمحاربة الإرساليات الكاثوليكية وإغراء المسيحيين في هذه المناطق من أجل كسبهم الى مذاهبهم باتباعهم لشتى الوسائل مهما كانت غير نبيلة لتحقيق أهدافهم.
يقول المؤرخ ريموند كوز في مؤلفه الموسوم (تاريخ كنيسة المشرق/مسيحيو العراق وايران وتركيا ج2 ص 225 وما يليها) إنَّ غالبية أبناء الكنيسة النسطورية يقطنون وديان الجبال الشاهقة في اقليم هيكاري بعد انحسار عددهم بل زوال اثرهم في المناطق السهلية وشبه السهلية التابعة لولاية الموصل العثمانية آنذاك. متألِّبين حول جاثاليقهم الذي نصب كُرسيَّه في دير قوجانس منذ عام 1820م.يعيشون في حالةٍ من البؤس والشقاء وكأنهم في القرون الوسطى. وكانت مجموعة اخرى يُناهز عددُ نفوسها في الحدِّ الأقصى الثلاثين ألفاً، يعيشون بسلام في بلاد فارس باقليم اذربيجان على ضفة بحيرة وان الغربية. كان يعُمُّ إكليروسَهم جهلٌ مطبق، إذ بالكاد يقرأ أفرادُه اللغة الكلدانية وبدون أن يفهموا معناها، يفتقرون الى معهدٍ كهنوتي أو حتى دير لا يملكون لكي يتثقَّف فيه كهنتُهم ثقافة لاهوتية بأدنى مستوياتها. مُعَدَّل سكّان قراهم يتراوح بين 30 أو أربعين أسرة، وكُلُّ قريةٍ تختار لها راعيا “كاهناً” لا يتميَّز عن أبناء القرية بشيء حتى في الزي، وإذا لم يكن يملك حِرفة يدوية لكسب العيش، فإنَّه يُجاري أبناء القرية بفلاحة قطعة أرض، وبالرغم من هذا الوضع المُزري كان يحظى باحترام وتقدير أبناء رعيته.
كان الأنكليز قد أرسلوا في عام 1835م بعثة دراسية الى منطقة هذه القبائل النسطورية إلا أنها أخفقت في مُهمَّتِها، ولكنَّ الجاثاليق النسطوري شمعون السابع عشر ابراهيم وبعد عدة سنوات قدَّم التماساً الى رئيس اساقفة كنيسة كانتيربري الأنكليكانية طالباً عونه وتأييده، فلبَّى مطلبه، وعيَّنَ القس بدجر ليُدير الإرسالية التي سيستمر نشاطها منذ 1842-1844م. في الفترة هذه ذاتها أعلن الزعيم الكُردي بدرخان العصيان على الحكومة العثمانية، فقام بإخضاع القبائل النسطورية في معقلها بجبال هيكاري الى نفوذه، حيث هاجم مناطقها وقتل الآلاف من سكانها سابياً النساء والفتيات وإجبارهن على اعتناق الإسلام. تعرَّضت قرى باكملها للحرق، وقبيلة تياري للإبادة الجماعية. وفي عام 1846م تكرَّرت المأساة بارتكاب مجزرةٍ اخرى راح ضحيتها أعضاء الإيكليروس الأكثر ثقافة وعِلماً، وطال التدمير القرى والكنائس، واضطرَّ الناجون للنزوح بأعداد كثيفة الى أماكن أقل عِداءً وأكثر أمناً. ولكنَّ بدرخان لم يصمد أمام القوات التركية التي قامت بسحقه والقضاء على عصاباته عام 1847م.
وفي أواسط القرن التاسع عشر شرع الأنكليكان والبروتستانت بالإكثار من عدد بعثاتهم التبشيرية الى الشرق لتعمل لهدفٍ مزدوج الأول سياسي وهو ايجاد موطيء قدم في المناطق الواقعة تحت نفوذ السلطنة العثمانية المترامية الأطراف، حيث بدت لهم ملامح انهيار السلطنة، والثاني لمنافسة المد الكاثوليكي المتعاظم. ومن هذه البعثات والأقوى بينها كانت البعثة الأنكليكانية التي قـدمَت عام 1884م الى منطقة هيكاري تلبية لرغبة الحكومة البريطانية لعلمها بأن الوضع بين مسيحييها الكلدان النساطرة وبين مجاوريهم المسلمين كان الأكثر توتراً. كانت البعثة برئاسة وليم ويكرام الداهية، وإذ لاحظ وضع هؤلاء البؤساء المُزري بادر فوراً بتقديم بعض الخدمات المحرومين منها مِن طبية وتعليمية وغيرها، وفي ذات الوقت نفح بطريركهم مار شمعون روبين ااثامن عشر مبلغ< 7000 > جُنيه استرليني قائلاً بأن المبلغ سيكون منحةً سنوية قررتها الحكومة البريطانية لبطريركيتهم فيما لو تحوَّلوا من مذهبهم النسطوري الى المذهب الأنكليكاني، فكان جوابهم رفضاً قاطعاً! ضاق ويكرام ذرعاً برفضهم لعرضه ولكنه كتم غيظه وفكر بالإنتقام منهم، وغيَّرالحديث معهم قائلاً بأن حكومة بريطايا لديها شديد الإهتمام بإيجاد طريقةٍ لإنقاذهم من ظلم المسلمين المجاورين لهم. كان التردد يُساورهم حول صدق أقواله وما الدافع الذي يرميه من وراء ذلك؟
ولكي يبدد شكوكهم، طلب من مارشمعون أن يستدعي رؤساء عشائر شعبه حيث لديه أمر بالغ الأهمية كلَّفته حكومته لينقله إليهم فقال: إن الحكومة البريطانية تتعهد بتأسيس وطن قومي لكم إذا تعهدتم بدوركم بالإخلاص لها والتحالف معها لتحقيق الأهداف المشتركة بين الطرفين! ولكن مشروع إقامة وطن قومي يتطلب منكم نبذ تسميتكم “النساطرة” لأنها تسمية مذهبية وعليكم تبني تسمية بديلة تليق بكم وتُلائم لربط المشروع بها، فردَّ البطريرك بأن تسميتنا ليست نساطرة وإنما “كلدان نساطرة” لأننا كلدان قومياً ونساطرة مذهبياً وكُلُّ الأقوام المجاورة لنا تعرفنا وتنادينا بهذاالإسم وحتى الأجانب الذين زارونا قبلكم يعرفوننا بهذا الإسم”كلدان نساطرة” وأنا شخصياً بصفتي الرئيس الروحي فإنَّ ختمي الرسمي يقرأ (الضعيف شمعون بطريرك الكلدان) فكيف يُمكننا تغييرها، فردَّ عليهم القس “وليم ويكرام” عليكم فعل المستحيل في سبيل إنقاذكم مِما تتعرضون له من الضيم والإضطهاد القاسي منذ زمن طويل، ثمَّ إن المشروع المعروض عليكم لا يُمكن تحقيقه تحت هويتكم الحالية “كلدان نساطرة” لأن هوية “كلدان” يحملها الكاثوليك أعداؤكم في بلاد الرافدين الذين فضلاً عن تفوقهم عليكم كثيراً من حيث العدد فهم غير مُبالين بمثل هذا المشروع ولأن ولاءَهم لفرنسا هو أكثر مما لبريطانيا.
ارتبك مار شمعون ورؤساء قبائل الكلدان النساطرة وأخذتهم الحيرة وراحوا يُفكرون بالعرض البريطاني دون تقدير لتبعاته المستقبلية والذي قد يكون مخططاً مشبوهاً ووعداً كاذباً! وكان البطريرك أكثر تحفظاً، ولكن قسماً من رؤساء القبائل المتهوِّرين أغراهم العرضُ وعزموا على إقناع البطريرك يقبوله وأفلحوا. فأبلغوا رئيس وأعضاء البعثة البريطانية بأنهم على استعداد لتلبية كُلَّ ما يؤول الى إنقاذهم مِن محنتهم، ولكن ما هي التسمية التي تُريدون منا أن نتبناها؟ عندها قال وليم ويكرام، يذكر التاريخ بأن شعباً حكم هذه الديار ردحاً طويلاً من الزمن قبل الميلاد كان يُدعى الشعب الآشوري فحاولوا أن تنسبوا أنفسكم الى ذلك الشعب كأحفادٍ له، وبدون شعور إستمرأ هؤلاءُ البؤساءُ والجهلاء معاً فكرة هذا الماكر الخداع وأبدوا موافقتهم بالقبول، إرتاح ويكرام وأعضاء بعثته لهذه النتيجة غير المتوقعة، وأخبروا حكومتهم البريطانية بهذا الإنجاز، ولم تمضِ إلا أيام معدودة حتى تسابقت وسائل الإعلام البريطانية بنشر الأخبار التي بعث بها ويكرام وهي: بأن جهود المنقبين البريطانيين التي أثمرت عن اكتشاف آثار الملوك الآشوريين تكلَّلت باكتشافنا لبقايا ذلك الشعب تعيش في شمال بلاد ما بين النهرين في منطقة هيكاري وقسم من منطقة وان، يُحيط بهم أقوام مسلمون يُلحقون بهم الأذى، إنهم الآثوريون أحفاد شلمنصَّر، وأشاع الإنكليز هذه الأخبار في عموم اوروبا وامتدَّ تداولُها لعدة أشهر بهدف ترسيخها في أذهان الأوروبيين. انظر كتاب (مفصل العرب واليهود في التاريخ ص 596 – 597).
كان هذا التناحر الأكبر الذي ساد بين أبناء الأمة الكلدانية الواحدة، وهنا أود توجيه سؤال لبعض كلداننا اليوم المنجرفين وراء الدعاية المغرضة والمسيَّسة لهؤلاء الإنعزاليين: هل عرفتم الآن مَن هم هؤلاء الضائعين ومَن أنعم عايهم بالإسم الآشوري؟ أم لا زلتم متمسكين بضلالهم الذي أضلَّهم به المخادعون الإنكليز؟ هل تستطيعون تفسير إبقاء بطاركة هؤلاء المنشقين المتبنين للتسمية الآشورية الدخيلة لختمهم البطريركي ليُقرأ< مْحيلا شمعون بطريركا دكلدايي > حتى آخر البطاركة مار ايشاي شمعون الواحد والعشرين الذي اغتاله أحد المتزمتين المناوئين لنهجه السياسي عام 1975 في سان فرانسيسكو الأمريكية. أليس هذا دليلاً واضحاً بأنهم قد تمَّ خدعُهم من قبل المستعمر الإنكليزي وأنهم هم وشعبهم كلدان قومياً ونساطرة مذهبيا؟
ولما أحسَّ البطريرك بسوء نوايا البعثة الويكرامية أراد إصلاح الخطأ الذي سببته له ولشعبه، فبادر الى إرسال مبعوث من قبله الى الموصل لمقابلة بطريرك الكلدان الكاثوليك لإبلاغه أولاً : بالنوايا السيئة للأجانب المتواجدين في منطقتهم، وثانياً : أنه شخصياً غير قادر صحياً للمجيء الى الموصل، ولذلك يدعوه راجياً قدومه الى قوجانس للتباحث وإعادة الوحدة القومية والكنسية، وتوجَّه البطريرك الكلداني مار ايليا عبو اليونان الثاني عشر في خريف عام 1892م الى هيكاري نزولاً عند رغبة البطريرك النسطوري شمعون الثامن عشر روبين، وما إن وصل الى أشيثا حتى كان له بالمرصاد أعضاء البعثة الويكرامية فحالوا دون لقاء البطريركين، فعاد البطريرك الكلداني الكاثوليكي الى الموصل بخفي حنين انظر (مجلة المشرق1 1995 العدد الثاني ص 123/ محاولة التقارب بين الكنيستَين/الأب د. بطرس حداد) وفي الرابع من ايارعام 1895م بعث البطريرك الكلداني مار عبديشوع خياط برسالة الى البطريرك النسطوري شمعون الثامن عشر مُجدِّداً قضية توحيد الكنيستين، فكان رد فعل البطريرك النسطوري سلبياً غريباً، حيث رفض مُحتواها وبإسلوب غير لائق أُمليَ عليه من قبل المُرسلين الأنكليكان والروس الأرثوذكس الذين كانت لديهم اليد الطولى في بَثِّ افكارهم المناوئة للكثلكة لاهوتياً وكتابياً بين صفوف الكلدان النساطرة. انظر(الصفحة 124 من المصدر السابق).
وهكذا لعب الأنكليكان والبروتستانت والأرثوذكس المونوفيزيون دوراً قذراً ضِدَّ الكنيسة الرسولية الكاثوليكية الرومانية وكنائس الشرق المتحدة معها ايمانياً للنيل منها، ولكن هيهات، فإن كُلَّ اساليبهم الملتوية وأفكارهم المُبتَدَعة تتكسَّر على الصخرة البطرسية الصلبة التي اختارها المسيح الرب ليبني عليها كنيسته. إذ منذ ظهور البِدع في كنيسة المسيح في القرن الميلادي الخامس وما تلاه في القرون اللاحقة، لم يتوانى مُبتدعوها وأتباعُهم عن تحامُلهم على الكنيسة الكاثوليكية والإيقاع بأبنائها مُزيِّفين الحقائق ومشَوِّهين الوقائع التاريخية مُسخِّرين بذلك كتبتُهم ومنظروهم الذين حقنوهم بسموم الحقد والكراهية البغيضة لخلق الفِتَن وترويج الأكاذيب والإفتراءات.
وكان نصيب الكلدان الكاثوليك الأوفر جُرماً طالهم من قبل الدهاة الإنكليزالأنكليكان عملاء المخابرات الغربية وبخاصةٍ الإنكليزية وأشهرهم: < القس وليم إنكَر ويكَرام، إدورد وايت بِنسون،اوستن هنري لايارد، بول ايميل بُوتّا، د. أساهيل كَرانت > هذه الزُمرة المُجرمة سَعَت وبمنتهى العُنف الإعلامي خلال القرن التاسع عشر الى تنسيب كلدان الجبال النساطرة الى آشوريي التاريخ القدماء المنقرضين منذ عام 609 ق.م لكي عن طريقهم يُسيطروا على الثروة النفطية المخزونة في منطقة نينوى التابعة لولاية الموصل العثمانية التي أرادوا تمليكها للكلدان النساطرة الذين أطلقوا عليهم “الآثوريين” وجلبوهم الى العراق كلاجئين بعد الحرب العالمية الأولى. فقاموا بحذف لفظة اللاجئين من تسميتهم التي بموجبها أدخلوهم الى العراق قانونياً وهي ” اللاجئون الآثوريون” ثم استبدلوا كلمة الآثوريين بكلمة “الآشوريين” وعن طريقهم انقسم اتباع كنيستهم النسطورية الى ثلاثة مذاهب، انتمى واحدُهم الى الأرثوذكسية الروسية والثاني الى المذهب الأنكليكاني، والثالث تحوَّلَ الى حزبٍ سياسي بايعازٍ انكليزي حاذفا كلمة النسطورية من تسمية كنيسته مُستبدلاً إياها بالآشورية آملاً بتحقيق وعد ويكرام بتحويل نينوى الى وطن آشوري على غِرار وعد بِلفور الذي بموجبه قامت اسرائيل.
ولكي نقف على نشاط كُلِّ عضوٍ من أعضاء هذه الزمرة اللعينة في إسدائه الخدمة لكلدان الجبال النساطرة الذين أطلقوا عليهم اسم “الآثوريين” من حيث الصدى الإعلامي الذي قاموا بترويجه في الوسط الأوروبي، وتأليف العديد من الكتب المُخالفة للحقيقة التاريخية التي أثبتها العلماءُ والمؤرخون والآثاريون بانقراض آشوريي التاريخ القدماء، ومع كُلِّ جُهدهم الخبيث لم يستطيعوا النيل من الكلدان وتاريخهم إلا أنهم حاولوا تحوير الوقائع وإنكار الشواهد والأدِلة في سبيل تنسيب الكلدان النساطرة الى الآشوريين القدماء وهم منهم براء. ولنبدأ بأشهرهم:
1 – وليم إنكَر ويكَرام William Ainger Wigram: ضابط مُخضرم في المُخابرات الإنكليزية، أُنيطت به رئاسة بعثةٍ انكليكانية بهدفٍ تبشيري وبواقع سياسي. حَلَّ هو وأعضاء بعثته في منطقة هيكاري الجبلية بتركيا عام 1884م. توغَّل في قراها مُمضياً ردحاً من سِني عمره بين ساكنيها الكلدان النساطرة. ألَّف العديد من الكتب عنهم لم يتعدَّ مضمونُها إطار التاريخ والسياسة متجنباً أيَّ ذِكر للدين والتبشير وهو الهدف المُعلن لنشاط بعثته. نُدرج أدناه عناوين أهمِّ كتبه:
أ – الآشوريون ومُجاوروهم The Assyrians And Their Neighbours by THE REV. W. A. WIGRAM
ب – مهد البشرية/ الحياة في كُردستان الشرقية The Cradle of Mankind, Life in Eastern Kurdistan, by the Rev. W. A. Wigram., D. D. 5
Mission To Hakkari With The Reverend Wigram : 1909ت – البعثة الى هيكاري
An Introduction to the History of the Assyrian Church or the the Church of Sassanid Persian Impire. 100-640 A.D. by W.A. Wigram M.A., D.D. 5ث– مدخل الى تاريخ الكنيسة الآشورية أو كنيسة الإمبراطورية الساسانية الفارسية
ج – الآشوريون – حليفنا الصغير – Our Smallest Ally by William Ainger Wigram وهو أصدق هذه الكُتُب!
وكما ذكرنا لم يتطرَّق ويكَرام الى الدين والتبشير في هذه الكتب ما عدا دفاعه عن المذهب النسطوري في كتاب تاريخ الكنيسة النسطورية. تُرى، هل كان في دفاعه صادقاً ومقتنعاً أم مرائياً؟ إن كان على صُدقٍ وقناعة، لماذا دعا الكلدان النساطرة الى نبذه والتحول الى مذهبه الأنكليكاني في بداية مشواره معهم؟ أعتقد أنَّ إصرار الكلدان النساطرة على رفض دعوته رفضاً باتاً هو الذي أجبره على الدفاع عنه رغم عدم اقتناعه، والدليل على عدم افتناعه هو الدور الذي لعبه في حذفه من اسم الكنيسة النسطورية واستبداله باسم الآشورية.
2 – اوستن هِنري لاياردAusten Henry Layard: مُنقِّبٌ آثاري انكليزي، ولد في باريس في 15آذار 1817م لوالدَين بريطانيين، تلقَّى دروسه في ايطاليا، وأتقن اللغتين الفرنسية والإيطالية الى جانب لغته الأم الإنكليزية، ومنذ نعومة أظفاره انتابه ولعٌ في حضارة بلاد ما بين النهرين. في عام 1843م إدَّعى عثوره على قصر شلمنصَّر الأول في نينوى وتمثال للثور المُجنَّح. وتلا ذلك عثوره على قصر آشور بانيبال مع الواح حجرية منقوشة عليها نصوص مسمارية، ولكي يُضفي لايارد عليها أهمية كبرى سَمّاها “مكتبة آشوربانيبال” متوخيا ترويجاً للثقافة الآشورية التي كانت معدومة أصلاً لإنهماك الدولة الآشورية طوال سني حكمها بالحروب ولم يسنح لشعبها فرصة لكسب العِلم والثقافة، فظلَّ جاهلاً، مِمَّا حدا بآخر ملوك آشور العظام على الصعيد العسكري آشوربانيبال بعد أن هاله الوضع الثقافي المُزري للشعوب المنضوية تحت راية الدولة الآشورية، فأمر جلاوزته بالذهاب الى الدول الخاضعة للتسلُّط الآشوري ولا سيما بابل عاصمة الكلدان مركز الثقافة الرافدينية لجمع ما لديها من تراث عِلمي وثقافي منقوش على الألواح وجلبه الى العاصمة نينوى ووضعها في قصره، فهذه الألواح لم تكن نتاج الآشوريين طلاب الحروب والإعتداء على الشعوب كما أعلن ذلك قراء الخط المسماري.
ومن مُخادعات المنقب لايارد الساعية الى ربط الكلدان النساطرة بآشوريي التاريخ المنقرضين، اجتمع ببعضٍ المُقيمين منهم في الموصل قائلاً لهم: إنَّه وصل الى “نتيجة”بأنَّ التركيب الجُمجُمي للكلدان النساطرة “الآثوريين” المتواجدين في انحاء نينوى هو شبيه بالتركيب الجُمجُمي للجماجم التي عثر عليها في مقابر الآشوريين القدماء، إلا أنَّ هذا المُخادع الإنكليزي لم يُقدِّم بُرهاناً علمياً مقنعا لإدِّعائه الكاذب، وكيف حافظت هذه الهياكل العظمية على هيئتها دون أن ينال منها الإنصهار والتحوُّل الى التراب بعد مرور ستة وعشرين قرناً من انقراض الآشوريين من بلاد ما بين النهلرَين! أليست هذه الخديعة المُلفقة استكمالاً للوعد الكاذب الذي أعطي لكلدان ايران النساطرة “الآثوريين” من قبل مُمَثلي الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى باجتماعهم مع البطريرك النسطوري شمعون التاسع عشر في شباط 1918 باورميا، ووقعه المستر كريس ضابط المخابرات البريطاني ذو اليد الطولى في مقتل البطريرك عن طريق تدبيره لقاءً بين البطريرك وعدوِّه الزعيم الكردي سمكو، والمشاركون الى جانب الضابط البريطاني، الفنصل الروسي نيكيتين والقنصل الأمريكي شيد والضابط الفرنسي اوجول. ولكنَّ المنقب الآثاري البريطاني لايارد قام عام 1845 بجولةٍ في شمال العراق لغرض التأكُّد من عدد الكلدان النساطرة وقراهم، فلم يجد إلا نسبة قليلة منهم، أما الرقم الأعظم الذي خرج به كان للكلدان الكاثوليك وقراهم، ورغم سعيه لإبراز الكلدان النساطرة الى الواجهة، بيدَ انَّه اصطدم بالواقع الذي أثبت بأن الكلدان الكاثوليك هم العنصر الأكبر عدداً والأقوى ثباتاً والأكثر ثقافة وتمدناً.
3 – باول ايميل بوتاPaul-Emile Botta: فرنسيٌّ مولعٌ بدراسة التاريخ القديم لبلاد ما بين النهرين. تعاون في حقل التنقيب مع المنقِّب البريطاني الشهير اوستن هنري لايارد، في عام 1843م وخلال قيامه بالتنقيب في المنطقة التي تُدعى شروكين المعروفة بـ “خورساباد” عثر على قصر الملك الآشوري سركون الثاني.
4 – جيمس فيليبس فلِتجرJames Philips Fletcher : ألَّف فلِتشر كتاباً عن تاريخ النساطرة نشره عام 1850م بعنوان (مُلاحظات من نينوى ورحلات في بلاد ما بين النهرين، اآشوريون وسوريا/ القس ج. ف. فلِتشر)
Notes From Nineveh And Travels In Mesopotamia, Assyria, And Syria By The Rev. J. P. Fletcher, Published A.D. 1850,
أولاً: إنَّ حِقداً غير مألوفٍ ضِدَّ الكلدان دفع بفلِتجر لتأيف كتابه المنوَّه عنه أعلاه، وثانياً: الطعن بصحة آيات الكتاب المقدس ولا سيما المذكورة في سفر ناحوم بخصوص الآشوريين القدماء والآيات التي تُشيد بالكلدن وبملكهم العظيم نبوخذنصَّر الثاني. فبالنسبة للكلدان يُطالب المُزيِّف الحاقد فلِتجر بحذف كُلِّ الآيات من الكتاب المُقدس تلك التي يأتي فيها ذِكرُ الكلدان وتؤكِّد قوميتهم العريقة وإليكم ما يقولُه نصّاً:
Chapter XXII — section 3
Yet it seems more probable to imagine that Asshur (from whom the region called afterwards Athoor or Assyria evidently takes its name) was the person who founded this city, more especially as he lived a generation earlier than Nimrod; the beginning or capital of whose kingdom was Babel. And here it may be worthy of inquiry whether the Babel of Genesis is the same city, or occupies the, same locality with the Babylon of a later period. The similarity of the names will not prove an identity of position, since we, know that there existed a Babel or Babylon in Egypt.
لا زال هناك احتمال للتخيُّل <بأنَّ آشور التي تسمَّت المدينة باسمه، هو الشخص الذي بنى نينوى، وبالأخص أنَّه قد عاش في الجيل السابق لنمرود الذي كانت بابل عاصمة مملكته في البداية. وهنا من الجدير طرح السؤال: هل إن بابل المذكورة في سفر التكوين هي نفس المدينة، أو كان موقعها في نفس موقع بابل الفترة الأخيرة. التشابه في الأسماء( ويقصد بذلك بين بابل البداية وبابل الفترة الأخيرة) لا يُثبت تطابق الموقع للمدينتين، حيث نعلم أن بابل الأولى كانت موجودة في مصر. وتعليقنا: هل هذا اجتهاد غبيٌّ من فلِتشر، أم تعمُّدٌ مقصود لقلب الثوابت التارخية؟ وهل هناك مَن يُصدِّق هذا الإفتراء العلني المنشور في كتاب بأنَّ هناك مدينتَين إسمُهُما بابل؟
ويستمر فلِتجر بأكاذيبه وافتراءاته في كتابه مستغلاً التشابه بين لفظتين مثل لفظتي شنعار وسنجار، حيث يعتقد بأن سفينة نوح رست على جبل سنجار، ومن حيث المنطق يعتقد بأنَّ أحفاد نوح عاشوا في سهل أرض سنجار بالقرب من الجبل، ولم يتجشَّموا أعباء الرحيل مسافة ثلاثمائة ميل للوصول الى سهل أرض شِنعار. ولكن أيها المستر فلِتجر: مَن قال لك بأنَّ سفينة نوح رست فوق جبل سنجار؟ ومتى وأين قال الكلدان بأن أحفاد نوح شدّوا الرحال من سنجار الى بابل؟ ولماذا تتمادى في الكذب وعلى أيِّ مصدر تاريخي أوكتابي تستند بقولك: إنَّ أرض شنعار المذكورة في سفر التكوين هي أرض قضاء سنجار التابع للموصل.
أما بالنسة الى الكلدان النساطرة فيتحدى آيات الكتاب المقدس الى حدِّ تكذيبها حيث كتب على غلاف كتابه: < قَدْ نَامَ رُعَاتُكَ يَامَلِكَ آشُّورَ، وَغَرِقَ عُظَمَاؤُكَ فِي سُبَاتٍ عَمِيقٍ، تَشَتَّتَ شَعْبُكَ عَلَى الْجِبَالِ وَلاَ يُوْجَدُ مَنْ يَجْمَعُهُمْ. (الأية 18 من الفصل 3 من من سفر ناحّوم) فكان جواب فلِتجر التحدي للنبي ناحوم < نحن “البريطانيون” نجمع الكلدان النساطرة من الجبال ونمنحهم نينوى مُلكاً لهم.
يَعمد فلِتجر الى حشو كتابه بأكاذيب مُختلقة، يصعب على المَرءِ تصديقها، وإليكم أحد هذه النماذج التي يُسوِّقها بكُلِّ صلافة وبدون خجل!
Chapter: XVII
Those who have studied with care the sculptured representations of the ancient Assyrians, and compared them with the modern inhabitants of the plains of Nineveh, can hardly fail to trace the strong features of affinity which exist between the robed monarchs and priests of early days, and the Christian peasants of Bagh Sheikha and Bagh Zani
إنَّ اولئك الذين أجروا فحصاً دقيقاً على المنحوتات الحجرية لآشوريي التاريخ القدماء، ولو قورنت مع السكان المُعاصرين القاطنين في سهول نينوى< وبهذا تلميح لمنح الكلدان النساطرة “الآثوريين” سهل نينوى> لن يجدوا صعوبة في ملاحظة ملامح القرابة القوية الموجودة بين تماثيل ملوك وكهنة الوثنية للأزمنة المبكرة بأزيائها المنحوتة بها، وبين الأزياء الشعبية لسكان بعشيقة وبحزاني المسيحيين.
لو واصلنا انتقاد وتفنيد المُغالطات التي أوردها فلِتجر في كتابه عمدا مع سبق الإصرار بشأن تنسيب كلدان الجبال النساطرة الى آشوريي التاريخ المنقرضين، لاحتجنا الكثير من الجهد والوقت في الوقت الذي نحن في غنىً عن ذلك، فإنَّ حديثه المليء بالمُراوغة والتلاعب بالمصطلحات والتحدِّي الفارغ للنبي ناحوم: بأنَّ الإنكليز وبالرغم مِما ذكرته بشأن انقراض الآشوريين القدماء، فإنهم قد أعدّوا أحفاداً لهم وسيهبونهم نينوى ملكاً، بالإضافة الى عدم إقرار فلِتجر بصحة الآيات الواردة في أسفار الكتاب المقدس حول الكلدان وعاصمتهم بابل بدءاً بسفر التكوين، ثمَّ اسفار الأنبياء ارميا، عزرا، نحاميا، حسقيال، حبقوق ودانيال، وهنا نقول لفلِتجر ولِمَن هم على شاكلته < إما أن تكونوا مؤمنين بجميع آيات الكتاب المقدس أو تكونوا مُلحدين! > فإذا كُنتَ مؤمناً لا يحق لك إلغاء آيات تتحدَّث بفخر عن شعبٍ عريق هو الشعب الكلداني وعن عاصمته بابل! وإذا كنتَ غير مؤمن لا يصح مطلقاً أن تختار آية ما وتبني عليها ألاعيبك التحايُلية كي تُمهِّدَ عن طريقها سبيلاً لمنح ” نينوى ” لعملائكم اولئك الذين سمّاهم زميلُكم وليم ويكرام< الحليف الصغير> وقد أتيتم بهم الى بعقوبة في العراق بصفة لاجئين مطرودين من موطنهم في تركيا وايران، ثم جعلتم منهم مُقيمين!
5 – الدكتور أساهِل گرانت ــ Dr. Asahel Grant
إنَّه بروتستانتيٌّ أمريكي وأبرز المبشرين البروتستانت، مال الدكتور كَرانت الى العمل التبشيري بين الكلدان النساطرة، وجعل له من هذا العمل التبشيري تخصُّصاً، فقدم الى اورميا ووصل إليها في تشرين الأول من عام 1835م. قام بتأليف كتابين حول النساطرة، عنون الأول: “
1 – النساطرة أو – القبائل العشر المفقودة أو الأسباط العشرة المُتلاشية – :
The Nestorians, or the Lost Tribes. Memir of Asahel Geant, M.D.,
Missionary to the Nestorians
حيث يعتبر هؤلاء النساطرة بأنهم يعودون باصولهم الى أسباط بني اسرائيل العشرة المفقودة. أما الكتاب الثاني فقد عنونه
Dr. Grant and the Mountain Nestorians 2 – الدكتور كَرانت ونساطرة الجبال
وللإطلاع على الكتابَين المذكورَين يمكن للراغب زيارة العم كوكل فقد أنزلهما للتحميل أو للشراء.
ومن المؤسف والمُخزي معاً أن تقوم ما تُسمّى وكالة الأخبارالآشورية العالمية بإعادة طبع كل الكتب التي كتبها عملاء المخابرات الغربية والإنكليزية هؤلاء قبل ما يزيد على القرن ولسبب واحد فقط هو تبديل كلمتَي ” النسطرة والنساطرة” اللتَين إستعملهما هؤلاء الى كلمتَي ” آشور وآشوريين” الكلمتين اللتين انعم بهما على كلدان الجبال النساطرة هؤلاء أنفسهم بعد الحرب العالمية الأولى.لقد قامت هذه الوكالة المسخ النكرة بهذا العمل الخبيث الذي اقتصر طبعها لهذه الكتب باللغة الإنكليزية فقط. والسؤال هنا: لماذا اكتفى كلدان الجبال النساطرة بطبع تلك الكتب بعد ترجمتها الى اللغتين العربية والكردية؟ الجواب هو: الخشية من اطلاع الشعب العراقي على نصوص تلك الكتب التي تفضح عمالة النساطرة لأسيادهم الإنكليز، وتؤيد بأنَّ هدف العملاء الذين استغلوهم بصفة المُبشرين، لم يكن سوى ايجاد حليف لمملكتهم المتحدة الإنكليزية مهما كان حجمُه صغيراً، فكان ذلك الحليف “كلدان الجبال النساطرة” الذين أطلقوا عليهم اسم “الآثوريين” زوراً وبهتاناً. والى الجزء الرابع والثلاثين قريباً.
أحسنت وبارك الله فيك أخي العزيز
السيد لؤي فرنسيس المحترم، أؤيد الاخوة اعلاه واريد اضافة شيء الا وهو ان منطقة سهل نينوى التي يكثر فيها المسيحيين…
الأعزاء أودا و فرج اسمرو المحترمين نعزيكم بوفاة المرحومة المغفور لها شقيقتكم إلى الأخدار السماوية، أسكنها الله فسيح جناته الرحمة…
الراحة الابدية اعطها يا رب و نورك الدائم فليشرق عليها. الله يرحم خلتي مكو الانسانة المحبة طيبة القلب. مثواها الجنة…
Beautiful celebration Congratulations! May God bless Oscar and bless his parents and all the family and relatives