( ألقـوش ) موسـكـو الصغـيرة في نهايات الخـمسينات وما بعـدها ( 1 )
تأسّس الحـزب الشيوعي في العـراق عام 1934 وظهرُه متـكـىءٌ إلى دنـﮔـة الإتحاد السوﭭـيـيتي عَـبر مسيرته الطويلة قـدم خلالها قافـلة من شـهداء رَوتْ دماؤهم أرضاً بَـوراً غـير صالحة لزراعة بذور الإلحاد الأجـنبـية فـلم يحالفه الحـظ لإستلام السلطة ولو لأيام ولن ! . وفي زمن مضى وقع أعـضاؤه في مصيدة الجـبهة التقـدمية البعـثية المزعـومة في وقـت كـنا نحـن اللاسياسيّـون نعـرف نواياها الرامية إلى كـشفهم جـميعاً والإنـقـضاض عـليهم بسهـولة ولكن ذلك غاب عـن قادتهم الفـطاحـل أو عـرفـوها وثـوّلوها لأجـل مصالحـهم الآنية في حـينها ، وكانت النهاية مثلما توقعـناها نحـن البسطاء . وقـد كان لي إحـتكاك مع أصدقاء كـثيرين منهم ، نـتجاذب أطراف الحـديث بمواضيع كهذه إنْ كان في فـترة الدراسة الجامعـية أو بعـدها ، ولا شك بأنـني من جانبي كـنتُ ناقـداً ومن جانبهم كانوا مدافعـين عـن مبادئهم وإخـتياراتهم وهـذا شيء طبـيعي ولم يزعـل بعـضنا من الآخـر إلاّ القـلة القـليلة ذوي العـقـول الزرزورية ، وعـندي قـصص كـثيرة بهذا الشأن .
أنا لم أسكـن قـرية الشرفـية المجاورة لألقـوش ولا سكـنتُ الفاو ولا في راوندوز ، ولهذا لا أعـرف بظروفها ولا بوجـود تـنظيم شيوعي هـناك أم لا ، وإنما أنا أعـرف بلدتي ألقـوش وبعـضاً مما دار فـيها أيام زمان ، ورغم إبتعادي عـن أزقة السياسة إلاّ أن هـناك مَن يمزح ويقـول : مِن أعاجـيـب الدنيا السبع ! عـراقي لا يتكلم بالسياسة .
أقـدّم صلواتي إلى الشهداء مِن أبناء شعـبي الذين ناضلوا في سبـيل طريق السلام وإجـتهدوا من أجـل معـرفة الحـق المحَـرّر للإنسان وسـفـكـوا دماءهم عـلى أرض الوطن لتـكـون للشعـب حـياة أفـضل ، وأقـدّم إعـتذاري مقـدّماً إلى السياسيّـين الذين كانوا ساكـنين بعـيداً ولم يكـونوا قـريـبـين مُـعايشين للحـقائق ، وإلى الذين تركـوا السياسة كـمنهج لمستـقـبلهم ، وإلى الذين نشروا نبذة عـن حـياتهم وإشاروا إلى تـغـيـير مسار حـياتهم ( مثـل مار ﭙـولص ) عـن صحـوة ضمير وإرادة حـرّة مكـتوبة بقـلمهم وقـرأناها فـشهـدوا بالحـق عـلى أنـفـسهم وصراحـتهم في إخـتياراتهم غـير مضـطـرّين ، إنهم فعلاً شـجعان رجالاً كانوا أم نساءاً إخـتبروا الحـياة وعـرفـوا إتجاه المصير الصائب ، فأرجـو منهم عـدم المؤاخـذة وليسوا مقـصودين في مقالنا هـذا لا من بعـيد ولا من قـريـب ، إنما أكـتب عـن مَـشاهـد حـدثـتْ قـبل خـمسين سـنة تـقـريـباً ولاحـقاً ، رأيتها في قـصبتي ألقـوش بأم عـيني وليس من أماكـن أخـرى التي قـد يكـون واقعها شيئاً آخـراً ، وحـبذا لو أقـرأ ردّاً – أياً كان مضمونه – ممن له تعـليق عـلى هـذا المقال بإسمه الصريح وليس المستعار ، ومِمَّن عايَـش الحـدث زماناً ومكاناً لأردّ عـليه بأخـُـوّة صادقة وأشـكـره سـلفاً قـبل أن يستهلك وقـته الثمين في حـديث ثـنائي أو ثلاثي في الخـفاء هـنا وهـناك أو في ﮔـهاوي الخـمول ، وإنّ أي ردّ يأتيني ممن لم يـعِـش الحـدث مكاناً وزماناً أو ممن كان يرضع من أمه في حـينها ، فـسوف لن أجـد نـفـسي مضـطـراً للإجابة عـليه للسبب المنطقي البديهي الواضح ، وإذا إدّعى أحـد ( كما إدّعى سابقاً في مناسبات أخـرى ) أنْ ليس لديه قـلم للكـتابة ! فـمشكـلته يمكن حـلـّها إذا إتـصل بنا وسنكـون له قـلماً أنيقاً مَـبْـريّاً ومتعهّـدين أمام الجـميع بأن نـريحَه ونحـن الممنونون .
إنـتـقـلتْ إقامتي الدائمة من كـركـوك إلى ألقـوش قـبل نهاية عام 1958 وأنا في الصف الرابع الإبتـدائي وهـناك أنهـيت دراستي الإعـدادية وإستـمرّ سكـني الدائم فـيها حـتى 1974 وبعـدها كانـت لي زيارات إليها للترفـيه أو للضرورة حـتى عام 1992 فغادرتُ العـراق . ولا يخـفى عـلى الجـميع أن هـيجان المنطقة الشمالية من عـراقـنا إبتـدأ عـند مطلع الستينات من القـرن الماضي ، وكانت لألقـوش الواقعة بـين المطرقة والسنـدان حـصة واضحة من ذلك الإضطراب مما جـعـلها مرصودة مِن قِـبَـل أنـظمة الحُـكم المتعاقـبة في العـراق ، وصارت إسماً مألوفاً لدى الكـثيرين مِن أبناء الشعـب العـراقي في مخـتـلف المحافـظات وأصبحَـتْ مَمَراً ومحـطة إنـطلاق لهم ( شاهـدتُ مثالاً بعـيني ) بُـغـية الوصول إلى الملاجىء المستعـصية والآمنة في جـبال شمالنا الحـبـيـب . ومنذ تلك الأيام وإلى حـد الآن لم تـكن لديّ هـواية تمجـيد ماركس وإنـجـلس وبـيانهما ولا عادة تأليه لينين ولا الإعـجاب بستالين في تعامله الديمقـراطي جـداً مع مُـعارضيه ، ولا كان عـندي وقـتٌ لنشر أخـبار خـروشوف وضربة حـذائه عـلى طاولة الأمم المتحـدة ، لأنـني كـنـتُ ولا أزال مشغـولاً في تمجـيد غـيرهم ممن يحـتـلون مكانة في معـتـقـدي وقـوميتي وشعـبي ، كما لم أضع أقـدامي عـلى آثار أرجـل أيّ عابر سبـيل يتـزحـلق في ظلام مجهـول المسار ، لأن لدي طريقاً نـَـيِّـراً بحـق تـدبّ فـيه الحـياة منذ الأزل ، ولم أتـدفـَّأ بوميض يَراعة ليلاً فالشمس نور وحـرارة للبشرية كـلها نهاراً ، ولا إفـتـخـرتُ بالبلاشفة ولا ذمّـيتُ المناشـفة لأنـنا لا زلنا نـنهـل من مبادىء تربة أرضنا وشعـبنا ولم نشبع منهما بعـدُ ، نعـم كان عـندي حـب الإطلاع عـلى الأفـكار والإستماع إلى حـديث أولئك المهـووسين الذين زوّدوني بكـتبهم فـقـرأتها بشغـف ، ولكن دون أن أنجـرف وراء هـذه الفـكـرة أو تلك الأقـوال أو ذلك المنطِق ، لأن لدي أفـكاري وأقـوالي ومنطِقي ولم يتـطـلـّـب الموقـف مني يوماً أن أكـون تابعاً إلاّ لمانح الحـياة ، وكم من مرة زجـرَني هـذا وسـخـرَ مني ذاك من مقـرّبـين إليّ أو بعـيدين دون أيّ ردّ فعـل مني سوى إشارتي لهم نحـو الطريق والحـق والحـياة مما كان يُـزيد من إستهـزائهم بيّ ، وفي نهاية المطاف صار بعـض منهم في عِـداد المفـقـودين لا في ساحة حـربٍ ولا عـلى أسرّة المستـشفى بل في أحـواض غامضة السوائل أو في معـتـقلات مجـهولة المكان وأنا آسف ومتألم لهـكـذا نهايات التي حَـذرْتُ بعـضـَهم منها يوماً فإستـخـفـّـوا بنـصيحـتي ، فـماذا يجـني الإنسان لو ربح كـلمة ( بـراﭭـو – عـفـية عـليك ) في فـراغ النظريات وخـسر نـفـسه في واقع الزنزانات ؟ والبعـض الآخـر حي يُـرزق اليوم يعـرف قـيمة هـذا الكلام .
أتـذكـر أيام المهـرجانات في ألقـوش الصغـيرة ، ظاهـرها إحـتفالٌ بثورة 14 تموز الوطنية الأصيلة ، وباطنها إبتهاجٌ بثورة أوكـتوبر 1917 الأجـنبـية الدخـيلة كان حـجمها النسبي في تلك الأيام كمظاهـرات ﭙاريس ولندن اليوم ومن بـين تلك الذكـريات خـروجُـنا نحـن أطفال المدارس الإبتـدائية وأكـيد كان معـنا طلاب المدرسة الثانوية في مظاهـرة إحـتجاجـية نطالب فـيها بجعـل يوم الأحـد عـطلة رسمية بالهتاف الجـماهـيري – لا دَوام يوم الأحـد … من الآن إلى الأبـد – إذن هـذه فـرصة جـيدة لي أنْ أدّعي النضال ، وحالي حال الكـثيرين ( الذين لم نسمع بأسمائهم ولا بنشاط منسوب إليهم سابقاً ) بعـد أن غادروا العـراق إدّعَـوا النضال والكـفاح فـتاهـت الحـسابات ، وصار أخـضر الأغـصان يُـباع بسعـر الوريقات اليابسات ، فـيكـيلون نـضالاتهم بالوزنات وليس بالغـرامات ، ويقـيسون إضطهاداتهم لا بالكـُـشـتـبانات بل بالقـرطالات ( سلات كـبـيرة تـُـحـْـمَـل عـلى البغال لنقـل الفاكهة المحـليّة تـُـنسَج في شمالنا العـزيز من أغـصان رفـيعة ) ويتلـفـَّحـون برداء التـقـدمية والإشتـراكـية واليسارية بأقـمشة أطوالها بالكـيلومترات ، حـمراء مرصّعة بمنجـل والدي الفلاح البسيط ومطـرّزة بـﭽاكـوﭺ جـيرانـنا وأقـربائنا الطيِّـبـين الحـدّادين آل وزّي . أقـول عـن أولئك صاروا يحـكـون لنا اليوم قـصصَ النضال والكـفاح والمجازفات فـهـربوا من بطش السلطات ! إلى أين ؟ إنهم لم يطـلبوا ﭭـيزا الحـماية من بلد الحـرية الأم العـزيزة ( الإتحاد السوﭭـيـيتي المُسيّج بطـَـوق فـولاذي ) ولم يـبحـثـوا عـن الديمقـراطية في ( ألمانيا الديمقـراطية ) ولم يشتاقـوا إلى رفاه الشعـوب في ( الصين الشعـبـية ) بل طلبوا حـق اللجـوء من بلدان رأسمالية تمتص دماء الشغـيلة ( أميركا ) وأنانية مقـيتة ( أستراليا ) ويمينية رجـعـية ( كـندا ) وإحـتـكارية مكـروهة ( إنـﮔِـلـترا ) ولم يخـطـطوا للإستـقـرار في بلد الشعـبَـيْن المتآلفـَـين المنسجـمَـين الـﭽـيك والسلاﭫ ( ﭽـيكـوسـلوﭭاكـيا ) أو الدويلات الخـمس المتحـدة في ( يوغـوسلاﭭـيا ) وإنما هاجـروا بطريق أو بأخـرى متحَـمّـلين المشـقات إلى بلدان التـفـرقة والقـذارة ( أورﭙا ) . أتـذكـّـر البعـض في أيام نهاية الخـمسينات وأوائل الستينات وأنا صبيٌّ ( وهـذا البعـض حيٌّ يُـرزق اليوم تـلـَـوَّنَ متدرجاً بكل ألوان الطيف الشمسي مبتـدئاً بالأحـمر ومنـتهياً بالبنـفـسجي ، من مناضل ضد أنظمة الحـكم إلى بعـثي مخـفي إلى آشوكـلداني ثم ديمقـراطي وبعـدها شعـبي وتـنـظيمي ومسيحي ومَن يدري غـداً … أوغـندي هـندي ، المهم عـنده الفـلوس وحـيث تكـون الفـلوس تــُـنـتـبَـذ المبادىء …….. ) أقـول عـن أولئك البعـض كان يهمّ في جـمع تـواقـيع الأهالي الأبرياء الواثـقـين بإخـوانهم أبناء بلدتهم عـلى طلباتٍ ظاهـرها حـقـوق قانونية شرعـية إنسانية كالماء النقي والكهرباء لقـصبة ألقـوش وتبليط أزقـتها ، ولم نعـلم بـباطنها إلاّ بعـد أنْ كـبرنا ، فكانت برقـيات تأيـيد إلى جهات وجهات ، لو صرّحـوا بها في وقـتها ما كان يرغـبها كـثير من الآباء والأمهات ، مما خـدع القـيادات وشـوّه التصوّرات وفـقـد عـندهم توازن المعادلات ، فـكانـت توجـيهاتهم إلى قاعـدتهم لا تـتـناسب مع أرض الواقعـيّات ، وكـمثال عـلى ذلك لا الحـصر ، كان المهرجانيون يهتـفـون بأهازيجهم بلحـن أغـنية ( خايف عـليها – لناظم الغـزالي ) ويقـولون : عاش الزعـيمي – عـبد الكـريمي – حـزب الشيوعي بالحـكم مطـلب عـظيمي ـــ يا حـشّاش إش ورّطك – والدولار إش قـشمرَك – يجي يوم نِسَحـْـسِلـَـك (2) – عاش الزعـيمي ……….. ، هـذا في موسكـو الصغـيرة ألقـوش فـما بالكم بالكـبـيرة ؟ وإذا كان البعـض لا يرضى بمقالنا البسيط هـذا وأحـداثِه الجارية حـين كـنا صبـياناً ، فـكـيف سيرضى بمقالاتـنا اللاحـقة عـن ظروف وأحـداث أدركـناها حـين أصبحـنا مراهـقـين ثم شُـبّاناً ؟
سـيـﭙـي / سـدني – أوائل تموز 2011
السيد فلاح قـس يونان الموقـر من ألقـوش – موسكـو الصغـيرة
بقلم : مايكل سـيـﭙـي / سـدني
صـدّقـني أو لا تـصدّقـني أنا لا أقـسِم ولكـن الله شاهـدٌ عـليّ كَم كانـت فـرحـتي عـندما عـلِمـتُ أنّ ألقـوشياً ردّ عـلى مقالتي الأولى حـول ألقـوش ونهاية الخـمسينات من القـرن الماضي فـلو كـنـتُ قـريـباً منك لطبعـتُ قـبلة عـلى جـبـينك ، لا بل أهـنـئكَ فـقـد تـوّجْـتَ فـرحـتي حـين ذكـرتَ بأنـني لا أستـحي ، كان بودّي لو أن غـيرك وبأعـمارنا أو أكـبر منا كـتبَ ردُّكَ المُهذب الذي يعـكس أناقـتكَ ، وحـسب تصريحك فأنـت لا تـزال شاباً بعـد الأربعـين أطال الله في عـمرك ، لـذا ليست لـديكَ خـلفـية حـول موضوع مقالي وربما كـنتَ ترضع من والدتكَ في تلك الأيام ، ولم أكـن مُـلزماً للـردّ عـلى كلامك ، ولكـن كما يقـول المثل – ألف عـين لأجـل عـين تـُـكـرَم – فـقـد رغـب مني الأكارم من داخـل وخارج أستـراليا الإجابة عـلى تعـليقك ونـزولاً عـند طـلبهم كـتبتُ هـذا الرد .
ألا تـدري يا أخي أنـنا إذا سكـبنا الماء فـوق الرمل أو التراب ستـظهـر فـقاعات ، هـل يمكـنك تـفـسيرها ؟ وهـكـذا إذا خـلطـتَ سائلين في قـدح وظهـرتْ فـقاعات ، فـماذا يعـني لك ذلك ؟ أتركها لك للتأمُّـل .
أنا لديّ عـتاب عـليك وهـو أنك لم تعـلق عـلى مقالي سـطراً فـسطراً وهـذا يدل عـندي بأنك متـفـق معي فـي كل ما ورد فـيه ، بل أن تعـليقك جاء حـول كـلمة واحـدة ( مهـووسين ) فـقـط ، وهـنا أعاتبك أكـثر وبشدة ! أتـدري لماذا ؟ كـيف سمحـتَ لنـفـسك وكـيف إنزلق قـلمك لتـنـسبَ هـذه الكـلمة إلى شخـصيات مرموقة من أبناء ألقـوشنا الحـبـيـبة ( لا ، وﭽـمالة قـبلتَ فـطبعـتَ أسماءَهم أيضاً ؟ ) وأود أن أزيدك عِـلماً أن الأسماء الشهـيرة وبالأخـص تلك التي ذكـرتـَـها هم أصدقاء عائلتـنا قـبل أن تلدكَ أمك وإذا كان الأمر يخـصك فإسأل أهل العِـلم ومن ضمنهم السيد صباح ياقـو توماس السعـيد الذكـر وغـيره .
ومع ردّك أقـول : يا أخي إن الإيمان بالله ليس كـومة تراب نملأ منه جـعـبتـنا ولا يحـتاج إلى إدّعاء ولا أحـد يزيد أجـرتـنا اليومية إذا تـظاهـرنا به ، ألا تـدري أنْ لا محاباة عـند الله ؟ ألا تـدري أن الله يجازي الناس حـسب إرادته ورؤيته ؟ بل إن الإيمان نعـمة من الرب أولاً ، ثم ثانياً الله أعـطى لكل واحـد منا قـسطاً منه ( إقـرأ رسائل الرسول ﭙـولص ) فـربما لديك إيمان بالله أكـثر من آخـر يركع ليلاً ونهاراً ويصلي الوردية – دون أن نعـرف – وعـليه لِـمَ الشعـوَذة وعـلى مَن يُـشَـعـوِذون ، وفي هـذا العـصر بالذات ؟ .
ثم لا تـُـقـَـوِّلـَـني ما لم أقـُـلـْه ، أنا لم أستـهزىء بأحـد ( بل بالعـكس هم الذين كانوا يستـهزئون بي ) وإنما قـلتُ أنا لا أمَجِّـد فلان وفلان فـهل لك جـبرٌ عـليَّ ؟ كما أني عـبَّـرتُ عـن أسفي عـلى البعـض حـين لم يقـبلوا بنصيحة مني تـفـيدهم وتحَـمَّـلوا تبعات ذلك بحـريَّـتهم ولم يمانعهم أحـدٌ وإذا أردتَ فـعـندي شهـود أحـياء اليوم . أما عـن معـلوماتك – حـول أخي الشيوعي – التي وصفـتـَـها بالمتواضعة فأنا أصحّـح لك وأقـول : إنه لم يكـن أخي وإنما كان إبن عم والدي إنـتـقل إلى الديار الأبدية ، وكان من الفـصيل المتـقـدّم وذكـياً جـداً ، والأحـياء الحاليّـين من الجـماعة القـدامى يعـرفـونه جـيداً ولكـن ! ماذا ؟ في عام 1963 توصَّل إلى نـتـيجة حـتمية مفادها أن طريق الشيوعـية مغـلق فإما أن يـبقى في مكانه حـتى الموت أو أن يخـرج إلى طريق آخـر مفـتـوح أمامه ، فإخـتار الطريق الثاني دون أن يفـقـد كـرامته وصداقـته مع الرفاق حـتى النـفـس الأخـير ، والآن أسألك بربك هـل كان إخـتياره صائباً أم خـطأً ؟.
ثم يـبدو أنك تـقـرأ ولا تـدرك ما الذي تقـرؤه ، ألم تـقـرأ عـبارتي (( وأنا آسف ومتألم لهـكـذا نهايات التي حَـذرْتُ بعـضـَهم منها يوماً فإستـخـفـّـوا بنـصيحـتي ، فـماذا يجـني الإنسان لو ربح كـلمة ( بـراﭭـو – عـفـية عـليك ) في فـراغ النظريات وخـسر نـفـسه في واقع الزنزانات ؟ والبعـض الآخـر حي يُـرزق اليوم يعـرف قـيمة هـذا الكلام )) . أما مسألة الدفاع عـن ألقـوش أقـول : مَن كان يدافع عـن ألقـوش قـبل مائة سنة وقـبل مائـتين سنة ؟ إنهم الألٌقـوشـيّـين يا أخي ، هـل أن مّن يدافع عـن ألقـوش يجـب أن يكـون شيوعـياً ؟ أنا إشتـركـتُ أيام زمان بخـفارة ليلية فـوق سطح بـيت هاويل ( ملحـق الثانوية القـديمة ) دفاعاً عـن ألقـوش وأنا مجاز في عام 1973 وبـبنـدقـية من جـماعة المرحـوم توما فـهل كـنـث شـيوعـياً ؟
أعـترف لك بأنـني لم أرفع سلاحاً بوجه أية سلطة ، كما لم أنـتـَـمِ إلى أية جـهة سواءاً كانت مع السلطة أو مناوئة لها ، وإنما أنا سائر في الخـط الذي ترسمه لي الدولة أياً كانـت وأحاول أن أساهم في الإصلاح بقـدر ما يُـسمح لي لا أكـثر ، إنْ كـنـتُ في العـراق أو في أستـراليا فأنا أقـرُّ لك بأني لستُ ثائـراً عـلى الطريقة التي تـتـخـيَّـلها أنتَ ، وأنا أعـمل كـكادح في هـذا العـمر وبكل شـرف ولستُ أسكـن برجاً عاجـياً كـما ذكـرتَ . أما بشأن عـنوان مقالك أنـني مناضل ، نعم إنـتـظر يا أخي مقالاتي المقـبلة ولا تـتـسرّع فستـرى فـيها أنـنا مناضلون فعلاً حـين تحـمّـلنا الإضطهادات عـلناً في وضح النهار ما لا تـستـطيع أنت تحـمّله وتحـدّينا الإهانات بصبر وصمت لا يوصفان ولم نـقاوم مضطـهـديـنا وبنـفـس الوقـت لم نـنهـزمْ بل غادرنا ألقـوش بعـد إستـتـباب الوضع .
ولا بد من أن أعـرج عـلى عـبارتك القـيّمة التي وجّـهـتها إليّ ( لا أستـحي ) فأولاً أنا أشكـرك فـعلاً لأنك وصفـتـني ونِعـْـمَ الوصف لأنـني لا أستحي بأنجـيل المسيح ، ولكـن من جـهة أخـرى أنا لا أستـحـقـها لأنك جـعـلتـني موازياً للرسول ﭙـولص الذي قالها في رسالته إلى رومية 1 : 16 وحاشا لي أن أعادله . وأطلب من الرب أن يزيدك حـكـمة لأقـرأ ردّك ، لا بل ردودك المقـبلة وأشكـرك سـلفاً ، وإخـيراً إذا رأيتً مقالاتي مملة إهـملها يا أخي ولا تـضيّع وقـتـك الثمين بقـراءتها .
( إلى المناضل الكلداني مايكل سيبي )
المؤمنون بالله كثيرون بالأقوال، لكنني لم أرَ ولم يحالفني الحظ لحد اليوم وعمري قد تجاوز الخمسة عقود أن التقي بمؤمن واحد بالأفعال، الإيمان الفعلي كما أفهمه أنا هو ما جاء في الإنجيل من وصايا الله العشرة.. فهل من يدعي الإيمان قد التزم بتلك الوصايا واخص بالذكر الكاتب؟
لقد شبعنا من دجل وشعوذة الذين يتخذون من الدين والإيمان ستاراً لمنافعهم الشخصية والفئوية. فالإدعاء بالإيمان واتهام الآخرين بالإلحاد اسطوانة مشروخة عفا عليها الزمن.
رداً على مقالة الكاتب أعلاه المنشورة في موقع القوش نت تحت عنوان ” القوش موسكو الصغيرة في نهاية الخمسينيات وما بعدها”.. أقول لست بصدد الدفاع عن ماركس وانجلز ولينين وغيرهم من القادة العظام الذين يستهزأ بهم الكاتب، ولا عن الحزب الشيوعي العراقي وتاريخه، ولا عن الشيوعيين الذين لجئوا إلى الدول الغربية لانني لست منهم وهم المعنيين بالرد إذا أرادوا. إنما أحاول أن اسأل الكاتب بعيدا عن الإنشاء الممل وتصفيط الكلام بعض الأسئلة فيما يتعلق بشيوعيي القوش وشهداءهم الذين استهدفهم الكاتب في مقالته.
أولا- هل إن المعلم الفاضل والضابط والمحامي والقائد الشيوعي سليمان يوسف بوكا (أبو عامل) الذي خرّج أجيالا في مدارس القوش ودافع عن مئات المظلومين في المحاكم وأجيال على التقاعد بسبب تلك المواقف، ودافع عن العراق وشعبه معظم سنين حياته هو من المهووسين؟
ثانيا- هل أن القائد الشيوعي الفقيد توما توماس الذي دافع عن ارض القوش وشرف أبنائها وعوائلها ومن ضمنهم عائلة الكاتب عام 1969 عندما حاولت شلة ضالة وبدعم من حكومة البعث للقيام بذلك هو من المهووسين؟
ثالثا- حسب معلوماتي المتواضعة فقد كان احد أشقائك في فترة ما من الشيوعيين النشطين فهل كان من المهووسين؟
رابعا- من هم اليوم في طليعة المدافعين عن هوية القوش الوطنية والقومية والدينية؟
خامسا- هل إن استشهاد خمسة وعشرون شيوعيا من أبناء القوش في معتقلات النظام الصدامي، واستشهاد واحد وعشرون آخرون في معارك بطولية مع أجهزته القمعية في إقليم كردستان العراق هو من اجل أن يقال لهم (برافو- عفية عليكم).
ما هذا الهراء.. ألا تستحي, هذا لو كنت أصلا تمتلك الحياء أن تسيء إلى أُناس هم أنبل واشرف منك ومن أمثالك، أناس ضحوا بحياتهم ولم يقولوا لصدام نعم كما قلتها أنت وأمثالك0 فالشهداء تسير عوائلهم اليوم في طول العراق وعرضه شامخة الهامات فالدولة العراقية اعتبرتهم شهداء العراق.
ماذا قدمت للعراق وماذا قدمت لألقوش التي تفتخر بانتمائك إليها والتي بفضل دماء أولئك الشهداء ونضال الشيوعيين وأصدقائهم ومناصريهم ومناصري الحق من أبناءها سجلت تاريخها الحديث الناصع وحافظت على هويتها الوطنية والقومية والدينية.
أدعوك اليوم إذا كنت كلدانيا أصيلا وليس مدعيا وإذا كانت القوش ذات الهوية الكلدانية تهمك فإن هويتها اليوم مهددة… تفضل ودافع عنها ولا تكتفي بالجلوس في برج عاجي في إحدى الدول الغربية وتثقل كاهل القراء بمقالات مملة وفارغة.
فلاح قس يونان