أحوال وأهوال كنيسة المشرق في بلاد فارس
في الوقت الذي يسجل القرن الثالث الميلادي مآثر الجيوش الفارسية وانتصاراتهم المتلاحقة على الرومان، تصاعدت وتيرة العصيان والتمرد داخل الإمبراطورية الفارسية وأسفرت عن الإطاحة بحكم السلالة الفرثية سنة 226 ميلادية على يد الساسانيين الذين حكموا بلاد فارس لأربعة قرون حتى الفتح الإسلامي. وكان للنهوج السياسية الجديدة التي مارسها الحكام خلال هذه الحقبة الزمنية الطويلة تأثيرا كبيرا على حياة المجتمع المسيحي في عموم الإمبراطورية.
ومن هذه السياسات، الجمع بين الدين والدولة، إذ أكد الملك الساساني الأول، أردشير، على توثيق العلاقة بين العرش والكهنوت الزرادشتي وذلك لقناعته بأن الدين يستطيع أن يستقل بذاته، بينما لا يمكن للدولة أن تقوم بمهامها بمعزل عن الدين، بل لا يمكن إضفاء الشرعية لأي حكم دون مباركته دينيا. وبناء على هذا التصور، كسب أردشير رجال الدين الزرادشتي إلى جانبه وأجزل عليهم العطاء مقابل تزكيتهم له وخصهم بامتيازات وعطايا فريدة. ومن البديهي، إذن، أن يكون حكم ملوك بلاد فارس أقوى مما كان عليه أيام الفرثيين. وهكذا أصبحت الزرادشتية الدين الرسمي للدولة الساسانية على يد أردشير الأول، وهو فرمان جائر ألقى بظلاله على الأقليات الدينية الأخرى، إذ تعرض المسيحيون إلى القمع والاضطهاد من وقت لآخر في العهود اللاحقة، خاصة في ظل حكم شابور الثاني في القرن الرابع الميلادي، وبهرام الخامس ويزدجرد الثاني في القرن الخامس الميلادي. ورغم التسامح الديني النسبي الذي حظي به المسيحيون من لدن بعض الملوك الساسانيين خلال السنوات الأولى من القرن الأول من الحكم الساساني تحديدا، إلا أن الهرمية الدينية الزرادشتية دأبت على مقارعة ومحاربة الأديان غير الزرادشتية، إجمالا. وهذا يذكرنا بالاضطهاد المسيحي على يد الرومان خلال القرون الثلاثة الأولى من عمر المسيحية مقابل التسامح الديني في العهود البارثية لنفس الفترة. وكذا كان الحال في بداية الحكم الساساني الذي انشغل في الحروب مع الرومان. وبما أن الأباطرة الرومان إعتبروا النصارى أعداء لهم، ما كان على الفرس إلا احتضانهم كأصدقاء لبلاد فارس في مجابهة العدو المشترك. ولكن بمجىء شابور الثاني وجلوسه على عرش الإمبراطورية الفارسية سنة 309 ميلادية، كانت المسيحية قد انتشرت في روما. ولذلك دعا قسطنطين الأكبر إلى حماية جميع المسيحيين أينما وجدوا. وقد وجه خطابا إلى شابور الثاني سنة 315 ميلادية طالبا منه حماية ورعاية جميع المسيحيين جاء فيه:
“سيكون من دواعي سروري أن أسمع عنكم بأن يكون المسيحيون زينة مقاطعاتكم التي يسودها العدل ….. ونظرا لما تتمتع به من قوة عظيمة وتتحلى بالتقوى، أناشدك أن تحرص على رعايتهم وسلامتهم.”
وبما أن الإمبراطوريتين الرومانية والساسانية كانتا في حالة حرب مستمرة تقريبا، كان من الطبيعي أن يترجم شابور الثاني هذه الرسالة إلى شك في ولاء المسيحيين له وإمكانية تحالفهم المشبوه مع العدو الروماني. ومما عزز شكوك شابور هو حقيقة استخدام المسيحيين للغة السريانية في كنائسهم، بمن فيهم أولئك الذين يستخدمون الفارسية إلى جانبها. ويضاف إلى هذا الشك كراهية رجال الكهنوت الزرادشتي تجاه المسيحيين. وأحد أسباب الحقد الدفين والكراهية هو اختلاف المسيحيين عن الزرادشتيين في عاداتهم وتقاليدهم، ومنها طريقة دفن الموتى واعتبار البتولية أرفع مقاما من الحياة اليومية المألوفة. وبناء على هذه المعطيات، بدأ الفرس ينظرون إلى المسيحيين نظرة دونية ظالمة كونهم يشكلون تهديدا للأمن القومي ودين الدولة.
ولكن لم يبدأ شابور الثاني إجراءاته القمعية ضد المسيحيين إلا بعد وفاة قسطنطين سنة 337 ميلادية. لقد إستمر اضطهاده لهم خلال الجزء الأعظم من فترة حكمه، فقد كان من بين الاجراءات التعسفية التي اتخذها بحقهم مطالبتهم بدفع ضعف ما كانوا يدفعونه من ضرائب، وطلب من الأساقفة القيام بعملية جبايتها مما أغاظ المطران شمعون (سمعان)، أسقف سلوقيا، الذي احتج قائلا: “ما أنا بجابٍ، وأنما راع ٍ لقطيع الرب”. وكان الثمن الذي دفعه جراء شهادته باهضا، فقد أعدم هو ومجموعة كبيرة من القساوسة يوم الجمعة العظيمة.
ولم يكتف الفرس بهذا القدر من الحقد والاضطهاد، بل راحوا في تكثيف ممارساتهم القمعية ضد المسيحيين مع تقادم الزمن، فقد دمـّروا الكنائس وأعدموا كل قس وراهب يرفض عبادة الشمس، ولكن تفاوتت التدابير المناهضة للمسيحية من سلطة محلية لأخرى حسب الأهواء. ورغم أن المسيحية انتشرت بادىء الأمر بين السريان واليهود في بلاد فارس، إلا أن الفرس الذين اعتنقوا المسيحية تعرضوا لاضطهاد أشد شراسة بسبب ردتهم. ورغم همجية حكام بلاد فارس، فقد إزدادت أعداد المسيحيين من الفرس مع بدايات القرن الرابع الميلادي. كان يعلم هؤلاء الذين اعتنقوا المسيحية جيدا ، حتى أيام السلم، بأن عضويتهم في جسد الكنيسة تعني فقدان عوائلهم وممتلكاتهم وحرمانهم من حقوقهم المدنية. وقد ظلوا أوفياء ليسوع المسيح في زمن الاضطهاد واستشهد منهم من استشهد في سبيل إيمانه دون أي تردد أو خوف.
وأبرم الإمبراطور الروماني، جوفيان، سنة 363 ميلادية معاهدة سلام مع شابور الثاني قضت أن تكون بلاد ما بين النهرين وأرمينيا تحت السيطرة الفارسية، بيد أن معاهدة السلام هذه بين روما وبلاد فارس كانت وقتية حتى جاء الملك يزدجرد الفارسي إلى الحكم سنة 409 ميلادية وأصدر مرسوما للتسامح، الذي على أثره عمّ الهدوء وساعد المسيحيين بذلك على إعادة تنظيم حياتهم.
الأردن في 23/10/2010
المصدر (هذه الترجمة هي جزء من الفصل الثالث: المسيحية في بلاد فارس):
T.V. Philip (1998). East of the Euphrates: Early Christianity in Asia. Chapter 3: Christianity in Persia. India: CSS & ISPCK.
http://www.religion-online.org/showchapter.asp?title=1553&C=1367
أحسنت وبارك الله فيك أخي العزيز
السيد لؤي فرنسيس المحترم، أؤيد الاخوة اعلاه واريد اضافة شيء الا وهو ان منطقة سهل نينوى التي يكثر فيها المسيحيين…
الأعزاء أودا و فرج اسمرو المحترمين نعزيكم بوفاة المرحومة المغفور لها شقيقتكم إلى الأخدار السماوية، أسكنها الله فسيح جناته الرحمة…
الراحة الابدية اعطها يا رب و نورك الدائم فليشرق عليها. الله يرحم خلتي مكو الانسانة المحبة طيبة القلب. مثواها الجنة…
Beautiful celebration Congratulations! May God bless Oscar and bless his parents and all the family and relatives