تشير الاحصائيات الى ان معظم سكان العاصمة الفرنسية هم من الشباب العزاب الذين وبسبب نمط الحياة الباريسية لا يودون او قد لا تتهيأ لهم الفرص لمقابلة شريك الحياة، وبالطبع فهذا لايمنعهم من القيام بمغامرات صغيرة لا تدوم . ألامر يبدو غير مربح اقتصاديا بالنسبة لهؤلاء كون باريس هي عاصمة الغلاء الفاحش وان أسعارالسكن والعيش فيها مرتفعة جدا ناهيك عن الضرائب التي يدفعها الشاب الاعزب هي اكثر بكثير من الضرائب التي يدفعها المتزوج.
كثيرة هي الحلول التي تم اقتراحها من قبل الشباب وبصورة لامركزية لمساعدة أنفسهم ، ليس فقط من اجل المال بل للتعرف الى بعضهم البعض ايضا، والتي قد يأملون أن تنتهي إحداها بنهاية سعيدة. ولصغرمساحات الشقق الباريسية يضطر العزاب الى أخذ ملابسهم الى محلات خاصة لغسلها والتي تستوفي مبلغا باهظا بعض الشيء، لذا فقد يعمد الشباب والذين لديهم غسالة في البيت لعرض هذه الخدمة بسعرأقل من هذه المحلات مع الحصول على رفقة صغيرة طوال مدة الغسيل ، أو قد يقدم شاب او شابة على دعوة اناس لايعرفونهم على الانترنت للعشاء، ولكن بسعر اقل من اسعار المطاعم من اجل التعرف الى أناس جدد، امر تم تسميته مؤخرا بـ “الاقتصاد الاجتماعي” ، الذي يمكن المرء ان يدخر قليلا من المال من خلال اقامة هذا النوع من العلاقات الاجتماعية.
الامرتجاوز حدود المألوف لبعض العادات الثابتة الى استنباط امورليست بالحسبان حيث ظهرت مؤخرا العديد من المواقع التي تسمى ” لنخرج معا في باريس” والتي هي مواقع يقترح فيها الشباب القيام بزيارة متحف ما او القيام برحلة صغيرة في أرجاء العاصمة مع آخرين، لعل وعسى ان يجد احدهم حب حياته، امر قد يقبل به البعض للهرب من الوحدة المملة والبعض الاخر يرفض هكذا امور كونهم يؤمنون بالحب من اول نظرة ، ناهيك عن المواقع العجيبة الغريبة التي تقترح اللقاء على اسس دينية، اقتصادية، اجتماعية، وموقع آخر يشجع على التلاقي يسمى” موقع الجديين” الذي يشجع الاشخاص على تصفح الموقع لعلهم يجدون فيه علاقة جدية مع آخر قد تغيرمن اسلوب حياتهم .
وفي نهاية المطاف، فالشاب الوحيد الذي لا يستطيع النجاح في حياته العاطفية وبناء كيان عائلي رغم مساعيه الحثيثة لايجاد “اخت الروح” كما يقول الفرنسيون ، سيفكر في الخطوة القادمة وهي تبني طفل، حيث يمنح القانون الفرنسي حق التبني للاعزب ايضا، ولكن على ارض الواقع الامرغيرسهل بتاتا، فالحكومة تمنح المتزوجين الذين لا يستطيعون انجاب الاطفال الاولوية في التبني وغالبا ما يكون الاعزب في نهاية قائمة الانتظار، هذا بعد القيام بالعديد من المقابلات مع الاطباء النفسيين والمساعدين الاجتماعيين للتعرف على اسباب قرارهم تبني الاطفال.
وربما يمكن ان نقول ان الاناث العازبات هن اوفرحظا، فهن يستطعن الذهاب الى اسبانيا وبالتحديد الى برشلونة للقيام بالتلقيح الصناعي من خلال الحصول على نطفة شخص لا يعرفنه، ولكن المهم لديهن هو انجاب طفل ..اما الشاب الاعزب فهو ان لم تتح له فرصة تبني طفل في بلاده، يقوم بالسفرالى البلدان الافريقية او الاسيوية حيث امكانية التبني اسهل بكثير من فرنسا وهذا المسعى يتطلب دفع اموال طائلة.
وقد يتساءل المرء، اذن ماهو دور العائلة في كل ذلك ؟! ، ولماذا هذه العزلة او الوحدة التي يعيشها الشباب الفرنسي؟ تشير الاحصائيات التي اجريت ان العائلة لاتلعب دورها كملاذ آمن للابناء، والعلاقات الانسانية فيها متدهورة، فالكاتب “اندريه جيد” معروف بمقولته ” العائلة…انا اكرهك”، يبدو ان من بين 4 ملايين فرنسي، هناك 54 بالمائة يعانون في حياتهم لاسباب عائلية..وثلث الفرنسيين يقولون انهم يجتمعون بعوائلهم عدة مرات في السنة.
هذه الوحدة هي مفارقة غريبة في مجتمع فيه وسائل الاتصال متاحة وسريعة ولكن يبدو انها غير مهمة أو ضرورية للبعض، فالعلاقات الاجتماعية ضعيفة حتى في مجال العمل كون الجميع يتعرضون الى ضغوطات نفسية بسبب الإرهاق المتواصل وروحية المنافسة للحصول على ترقية لزيادة الدخل ، فكيف اذن يمكن البحث والحصول عن شريك الحياة فيه ؟!.أما نسبة النساء من هؤلاء المنعزلين فهى اكثر من الرجال حيث اصبحت المرأة صعبة المراس، فهن يرغبن الحصول على شريك الحياة ولكنهن لايردن العيش معه بإستمرارأوعند حدوث اية مشكلات ، ومن البديهي ان تكون الغالبية العظمى من طالبي الطلاق هي من النساء.
والحل شنو
مشاكل متخلص