في البدء اود اعلام القاريء العزيز اني لا اقصد شخصا محددا في محتويات هذه المقالة العلمية بل اعتبرها درسا في علم الاجتماع الجنائي موجها خصوصا الى قادة شعبنا الكلداني والاشوري والسرياني (طبعا المنتخبون بديمقراطية البلدان النامية المزيفة)،ويمكن من ذوي الثروة من ابناء شعبنا الاستفادة منها في البلد أوالمهجر لمراجعة الذات فيما اذا قد تورطوا بمثل هذه الجرائم، وان بعضهم قد يكونوا لاول مرة يسمعون اويقرأون عنها. وقد استخلصت هذه المقالة من عدة بحوث اكاديمية عن الجريمة اعدتها للاغراض العلمية والتخطيطية ،ومن تدريسي لمادتي علم الاجرام واصلاح المجرمين، وثم من خبرتي الميدانية للاتصال المباشر مع المجرمين البسطاء والخطرين منهم،سواءالمحكومين بالسجن أو الاعدام .
تعرف الجريمة قانونيا :هي كل فعل يقرر له النظام القانوني عقوبة جنائية ،أوهي كل سلوك يعاقب عليه بموجب القانون .وأما اجتماعيا تعرف بأنها ذلك السلوك الموجه ضد مصالح المجتمع ككل ،أو هي خرق للقواعد والمعايير الاخلاقية للجماعة.وأما سايكولوجيا فتعني الجريمة اشباعا لغريزة انسانية بطريقة شاذة لا ينتهجها الانسان العادي في ارضاء الغريزة نفسها وذلك لخلل كمي أو شذوذ كيفي في هذه الغريزة مصحوبا بعلة أو اكثر في الصحة النفسية .
أما جريمة (ذوي الياقات البيض)فهي الجريمة التي يرتكبها اصحاب النفوذ السياسي والوظائف ذات الشأن الرفيع والمتقدم في الدولة باستغلال الامتيازات الوظيفية المناطة لهم .ويرتكب مثل هذه الجريمة ايضا اصحاب الثروات والمصالح ذوي القدرة العالية لتكوين العلاقات مع المتنفذين في الدولة،وقد اطلق هذه التسمية عالم الاجرام الامريكي(أدوين سذرلاند 1883-1950)،لان مرتكبيها هم من الاغنياء الذين يرتدون القمصان البيضاء تمييزا عن جرائم الطبقة الفقيرة في المجتمع الذين غالبا ما يرتدون القمصان الزرقاء ذات الدلالة على العمل اليدوي.
كانت النظريات العلمية قبل (سذرلاند) تفسرعملية ارتكاب الجرائم الاقتصادية بمؤشر عامل الفقر،اعتمادا علىالنظرة السائدة في عالم الجريمة التي هي اقتصار الجرائم على الطبقات الفقيرة دون الطبقات المتنفذة في المجتمع .انما (سذرلاند ) اثار انتباه العلماء والباحثين لدراسة الجرائم التي يرتكبها ذوي الياقات البيض والتي تعد اكثر خطورة من الجرائم المرتكبة من قبل فقرا بسطاء،فهناك فرق كبير في التأثير على المجتمع بين جريمة سرقة بعض النقود من قبل عامل بسيط لحاجته اليها وتلك التي يرتكبها صاحب معمل للمواد الغذائية بسبب الغش المتعمد في صناعة حليب الاطفال مثلا ،اوتلك العقود التي يبرمها صاحب النفوذ في الدولة مع شركات قد تكون وهمية بمليارات الدولارات التي تسحب من اموال الشعب.
وغالبا نرى ان من يرتكب مثل هذه الجرائم يكونوا طلقاء في المجتمع ،بينما تزداد نسبة المجرمين من الطبقات الفقيرة في السجون ،وذلك لتمتع اصحاب ذوي الياقات البيض بمكانة اجتماعية واقتصادية وسياسية ،أو يكونوا علاقات مقترنة بمنح الاموال مع جهات متنفذة في الدولة ،الامر الذي يمكنهم من ملاحقة القانون .
بعد هذه المقدمة ساعرج الى موقف قادة شعبنا الذين يمثلون شعبنا الكلداني والاشوري والسرياني في العراق (طبعا المنتخبون بديمقراطية البلدان النامية)،ومدى تورطهم بجرائم ذوي الياقات البيض.
يمر العراق باوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية سيئةلم يشهد لها مثيل في تاريخه،وقد اشار تقرير منظمة الشفافية العالمية الى ان العراق يحتل المركز الثالث في الفساد الاداري من مجموع 178 دولة بعد الصومال ومينمار. وذكرت صحيفة (واشنطن بوست) بعددها الصادر في 23/9/2008 أن 13 مليار دولار من أموال الاعمار في العراق اهدرت عبر مشاريع وهمية من عناصر فاسدة في الحكومة العراقية وجاءت آخر الارقام لتشير ان 250 بليون دولار من الاموال اهدرت في العراق بعد سقوط النظام السابق،مما يدل بوضوح ان صناع القرار وقادة اصحاب النفوذ متورطون بجرائم الفساد الاداري والمالي التي تعد احدى انواع جرائم ذوي الياقات البيض التي ترتكب من قبل اشخاص يستغلون وظائفهم ونفوذهم وبالتعاون مع الاخرين من اصحاب المصالح الذين هم خارج النظام الحكومي في المجتمع العراقي.
اذ ان حالة الصراع على السلطة هي رسالة واضحة عن تفشي الفساد الاداري والمالي الذي يعرف- بسوء استخدام النفوذ العام لتحقيق ارباح خاصة- فكل كتلة سياسية تحاول السيطرة على أجهزة الدولة لتحقيق مصالحها ،حتى ولو بطرق غير شرعية في الحكومة المركزية، ويتنافس المسؤولون واقربائهم في الحزبين المتنفذين في اقليم كوردستان للاستحواذ على المشاريع الضخمة العملاقة وابرام العقود ,والكل يعلم ان غالبيتهم امتازوا بحياة اقتصادية رديئة أو متوسطة قبل مجيئهم الى سدة الحكم ،أما الان يتمتعون بحياة من الترف والبذخ والانفاق والرفاهية في المعيشة ،فتلك هي قصورهم واموالهم تشهد على ذلك داخل العراق وخارجه ،ذلك الثراء الفاحش والمثير للاعجاب الذي لايتمكن من يماثله من المواطنين العراقيين اقتصاديا ومهنيا واجتماعيا ان يكتسبه بل اصبح يتراوح في مكانه ،فمن اين هذا الثراء ياترى؟
وهناك امثلة متعددة على تورط هؤلاء في هذه الجرائم لامجال لذكرها هنا ،فالمشاريع لصناعية والتجارية والخدمية الضخمة لابد ان تمر من خلال مؤسسات الدولة التي تسيطر عليها الكتل السياسية ،اذ تجري اتفاقات مضاعفة في القيمة ومخالفة لقيمتها الحقيقية لكي تذهب الاموال غير المعلنة الى حسابات هؤلاء المسؤولين.فكثيرا ما تسلم المشاريع الى الدولة بعد الانجاز بمواصفات هزيلة لاتتطابق مع شروط العقود المبرمة لانجازها .واكتفي الاشارة الى نتائج المراقبة التي تولاها (ستيوارت بوين)المفتش الامريكي العام الخاص للعراق ومفادها ان شركة (بارسونز ديلاوير)لم تنفذ سوى ثلث مشاريع البناء البالغة 53 المقررة في عقودها .وقال التقرير: ان ملايين الدولارات تبددت في مشاريع غير منجزة او توقفت او اهملت .مم يدل على وجود ايادي خفية اجرامية حالت دون تحقيق هذه المشاريع لكسب اموال غير شرعية مستغلة نفوذها السياسي والاداري.
وأما مايتعلق الامر بالمتنفذين من الكلدان والاشوريين والسريان في العراق وبالاخص قادة الاحزاب السياسية ،والذين يرتبطون بشكل وآخر مع الاحزاب السياسية الاخرى العاملة في العراق.فانهم طالما يعيشون الحالة السياسية الشاذة السائدة في العراق ويتفاعلون مع الاحداث الجارية ،فانهم لابد من تورط بعضهم في جرائم ذوي الياقات البيض، ولو ان اغلبيتهم لايتمتعون بنفوذ سياسي وقيادي مؤثر في الدولة العراقية واقليم كوردستان .انما المسالة هي ارتباطهم وتبعيتهم لاحزاب وقادة من المكونات الاثنية الاخرى تجعلهم يتورطون بمثل هذه الجرائم.
وقد تبين ان العديد منهم ينحدرون من تبعيات اجتماعية واقتصادية رديئة لايمكن مقارنتها مع ماهم عليه حاليا من الثراء بعد ان شاركوا في العملية السياسية في البلد،وعليه يوحي لنا انهم قد تورطوا في جرائم ذوي الياقات البيض بسبب استغلال مناصبهم ومكانتهم الادارية وشراكتهم مع الكتل السياسية الاخرى.ومن الواضح ان المشاريع التي نفذت في بلداتنا وقرانا الكلدانية من الدور السكنية وترميم الكنائس وبعض مشاريع الانشطة الاجتماعية الاخرى لاترتقي لمستوى بحيث تؤدي الوظيفة المتوخاة منها وبالاخص الدور السكنية التي تفتقر الى المواصفات الصحية.
ولا يزال مصدر تمويل هذه المشاريع مجهولا ولم يصرح به لحد الان اي مسؤول سياسي أو اداري،بل قيلت بعض التخمينات عن ذلك من قبل الكتاب ،واصبحت قضية التمويل هذه على لسان كل فرد من ابناء شعبنا .وقد تم التكتيم عن مصدر هذه الاموال، وحصرالتصرف بها بيد احدهم دون غيره من ابناء شعبنا وعليه لم يتعرف احدا على حجم هذه الاموال الممنوحة والمخصصة لشعبنا في العراق .
ويبدو ان التصرف بها يتحكم بالمزاج الشخصي،بحيث استغلت لتحقيق طموحات شخصية،فقد منحت من هذه الاموال لمن يؤيد المواقف الشخصية لمانحها ،وأما الذي يعترض فيحرم منها سواء على مستوى الفرد او الجماعة . وسخرت هذه الاموال لتدوير الماكنة الاعلامية لتحقيق أهداف المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري وتحديدا للاحزاب الاشورية المنطوية تحت خيمة هذا المجلس دون غيرها . وقد انتفع العديد من افراد شعبنا الذين هم آداة مسخرة لتنفيذ اجندات الممول،وما ثراءهم المفاجىء الا دليلا لذلك،ووهبت لرجال الدين الذين أيدوا الممول بتصرفاته واعماله،دون ان يكترثوا هؤلاء باهمية التعرف على مصدر هذه الاموال ومدى شرعيتها .
ان الكتمان على مصدر هذه الاموال وكيفية التصرف بها ماهية الامحاولة للتغطية على المنافع الشخصية وما يجري وراء الكواليس من اعمال قد تورط القائمون بها في جرائم ذوي الياقات البيض لاستغلال نفوذهم السياسي وموقعهم الاداري.
ان الوعي بطبيعة جرائم ذوي الياقات البيض من قبل قادة شعبنا الكلداني والاشوري والسرياني له اهميته القصوى وخصوصا وهم يعيشون الاوضاع االسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية المتردية في العراق ولايزال المستقبل غامضا امامهم ،ففي مثل هذه الاوضاع تتكون الارضية الخصبة لنمو هذه الجرائم وبلورتها ويتورط بها العديد منهم طالما انهم على ارتباط مباشر أو غير مباشر مع القوى السياسية المتنفذة في المجتمع العراقي.
أحسنت وبارك الله فيك أخي العزيز
السيد لؤي فرنسيس المحترم، أؤيد الاخوة اعلاه واريد اضافة شيء الا وهو ان منطقة سهل نينوى التي يكثر فيها المسيحيين…
الأعزاء أودا و فرج اسمرو المحترمين نعزيكم بوفاة المرحومة المغفور لها شقيقتكم إلى الأخدار السماوية، أسكنها الله فسيح جناته الرحمة…
الراحة الابدية اعطها يا رب و نورك الدائم فليشرق عليها. الله يرحم خلتي مكو الانسانة المحبة طيبة القلب. مثواها الجنة…
Beautiful celebration Congratulations! May God bless Oscar and bless his parents and all the family and relatives